حينما أصبحتُ مؤلفا مشارك في كتاب أمي الميتة !

الكاتب المجري بيتر مولر


ترجمة مهدي قاسم

قبل عامين عندما فتحنا حقيبة سفر قديمة في العلية ، وجدنا فيها مجموعة
من أشرطة تسجيل .

اتضح بعد المعاينة والاستماع ، إن والدتي كانت تبوح بأسرارها الخفية الخاصة بحياتها ، على شريط مسجل ..

و كانت قد جلست لشهور طويلة ، في غرفتها ذات إضاءة خافتة ، لتحكي قصص معجزات ، من ضمنها كيف إنها وقعت لأول مرة ، في حب كبير الجرسونيين الرائع ، بينما هي لا زالت طفلة صغيرة ، و كذلك كيف أحبت والدي ، ثم كيف أمضيا ليلة زفاف شاقة ومريرة في قطار جليدي شديد البرودة ، كما روت كيفية فقدانها لعذريتها ، الأمر الذي انتهى بها أن تكون حاملا بيّ ، و ماذا كانت تشعر، حينما كنتُ أرسل لها من ” داخلها ” إشارات عن وجودي ..

بالنسبة لنا و قد وجدنا كنزا في تلك الحقيبة ..

قام أطفالي فيما بعد ، بطبع الأقوال المسجلة ، بينما أنا قرأتها ، بعدما أصبحت مخطوطة يد ..

على أثرها وجدتُ نفسي انخرط في نوبة بكاء متشنجة ..

في حياتي كلها لم أبكِ مثلما بتلك المرارة و الحرارة ..

لقد كنتُ اصرخ في حقيقة الأمر من خلال بكائي ..

لو سمعت أمي صرختي من العالم الآخر لاهتزت هي الأخرى ..

ما كانت أمي تروي لي أنا ذكرياتها ، إنما لنفسها فحسب ،

حتى ولا كانت تأمل في أنني سأعثر على مونولوجها المدهش هذا :

” في مسرحي الخاص ليس فقط لعبتُ دوري الرئيسي ، إنما أنا نفسي كنت المستمع لقصتي ” ..

اكتشفتُ هذا الكنز الاستثنائي عندما كنتُ عجوزا و كاتبا مشهورا ..

بدأتُ العمل لتحويل الذكريات الصوتية إلى كتاب ..

حقيقة كانت أمي راوية عظيمة للقصص :

ـــ إذ إن كتابها هذا زاخر بالفكاهة والمرح والقهقهة ، والمأساة أيضا ..

أعتبر هذا الكتاب أجمل عمل في حياتي : عملنا المشترك نحن الاثنين ..

و لم أكن أعتقد أبدًا ، بإني سأكون مؤلفًا مشاركًا لكتاب أمي الميتة ..

كما أعتقد بأنه من غير المسبوق أن يرى الكاتب نفسه من خلال عيني والدته..

هذه العيون التي رأت ، كانت في نفس الوقت نظرات امرأة حكيمة ،

حيث يكمن في كل حكاية من حكاياتها درس عظيم !