بقلم / منى ششتر
قبل يومين حططت الرحال في مدينة مشهورة بسلسلة جبال دماوند ... طهران ... تلك المدينة التي اختارها الغاجار (أيام الدولة الغاجارية التي حكمت بلاد فارس قبل أكثر من مئة عام أي قبل حكم آل بهلوي لهذه البلاد) عاصمة لبلادهم ... ولكن قبل أن أسترسل في الكلام عن هذه المدينة دعوني أصحبكم أعزائي القراء في رحلة مع الزمن إلى الوراء قبل أن أجلس والأسرة على مقاعد طائرة الخطوط الجوية الكويتية رحلة رقم 511 المتجهة إلى طهران ...
وصلنا لسبب ما إلى المطار متأخرين وكان علينا الجري للحاق بالطائرة التي اعتقدنا بل وجزمنا أنها سترحل بدوننا إن لم نسرع الخطى للحاق على الأقل بذيلها ... والحمد لله على كل حال فقد وصلنا بعد جهد جهيد نظرا لبعد المسافة بين موقف السيارات وصالة المغادرين ... ووطئت أرجلنا أرض الطائرة واتخذنا أماكننا استعدادا للسفر فربطنا الأحزمة وامتنعنا عن التدخين (وفق إرشادات الكويتية بل أوامرها التي كنا سننفذها على أي حال من الأحوال لأننا والحمد لله لسنا من المدخنين) وفي الساعة العاشرة وعشر دقائق مساء ودون أن نشعر طرنا في الجو (كما طار في الهوا شاشي وأنت ما تدراش ...
مع الاعتذار للأغنية) وأبلغنا قائد الطائرة باللغتين العربية والإنكليزية تحياته وسلاماته هو وأفراد الطاقم ثم أخذ يشرح لنا وجهة الطائرة وعلى أي ارتفاع والوقت الذي تستغرقه الرحلة وغيرها من المعلومات اللازمة لنا لنتأكد من أننا نركب فعلا بساط الريح للقرنين الماضي والحالي ... وبعد نصف ساعة من بدء الرحلة ... طل علينا القائد مرة أخرى بصوته (نورت الفضائية المصرية بصوتك يا أفندم) ليعلن لنا وبكل هدوء أعصاب (حسدته عليه) أسفه إبلاغنا أنه وبسبب عطل فني بسيط سيضطر إلى العودة بنا وبالطائرة (والحمد لله ليس بدونها) إلى مطار الكويت الدولي ... يا للأسف ... هذا ما قلته في نفسي لقد تأخر موعد الوصول إلى تلك المدينة التي حفرت قلب التاريخ وشهدت الثورات وقدوم الإمام الخميني في شهور الشتاء والثلوج كذلك ... لكن لا بأس ... وكما يقول المثل ... كل تأخيرة فيها خيرة .
ووصلنا إلى مطار الكويت .. وأسرعت بحسي الصحافي الذي تحرك فجأة بعد نوم عميق بسبب الإجازة لأخبر »كونا« بالأمر الخطير كوني شاهد عيان على الواقعة وأن العطل كان في أجهزة التكييف... وخرجت والعائلة بعد ذلك كما خرج الركاب إلى صالة الانتظار لنستلم بطاقة الترانزيت التي يحق لنا بها الحصول على قنينة ماء فقط (يا لكرم الكويتية الباهر) وانتظرنا وطال الانتظار وتعرفنا على غيرنا من الركاب في ردهات السوق الحرة (لأننا نطبق حقيقة كويتية وهي ... لابد أن نستغل وقت فراغنا وانتظارنا في شراء أي شيء وإلا .. نموت) كما تعرفنا على عدد آخر من الركاب حين كنا نسأل عن موعد الإقلاع المنتظر وعدد آخر أيضا فيما بعد في المطعم بعد أن قررت الكويتية أن ترحم جوع الأطفال وجوعنا لاسيما أن الساعة تعدت الواحدة صباحا ...
ذلك المطعم الذي لا أعرف كيف أسبغ في وصفه وأقل ما يقال في حقه ... ترى النظافة زينة يا كويتية ... ولن أسترسل أكثر .. لكن والحق يقال إن الأكل كان طيباً ونظيفاً ... والحمد لله على كل حال ... وبعد ما أكلنا قررت الكويتية أخيرا (في الساعة الثانية والنصف صباحا) أن تأوينا في فندق المطار (الله يزيد النعمة) بعد أن تم إبلاغنا بأن موعد سفرنا سيكون في التاسعة والنصف من صباح اليوم الذي بدأنا قبل قليل نعيش ساعاته ... وسافرنا بعد نوم قلق وصداع رهيب ورنين للهاتف لا ينقطع في الساعة السادسة وعشر دقائق يذكرنا بأن علينا أن نكون في الأسفل قبيل السابعة والنصف ...
وبعد أن طار الطائر الميمون تبادلنا مع غيرنا من الركاب (الذين ارتبطنا معهم بصحبة) كل ما نملك وما لا نملك من أرقام للهواتف والنقال .. ووصلنا بحفظ الله ورعايته إلى طهران لنسمع هناك من الجميع »خوش آمديد« أي أهلا وسهلا ونلحظ احتراما خاصا للقادمين الكويتيين وترحيبا بهم لدخول المدينة ... وأنت تحث الخطى للخروج من المطار يطل في وجهك بين الخطوة والأخرى أحدهم ليقول لك »تاكسي ميخاي« أي أترغب في سيارة أجرة لتوصيلك إلى وجهتك ?? فما عليك إلا أن تجيب ... خيلي ممنون (وليس مينون) أي شكرا جزيلا ..
طبعا هذا إن كنت تنتظر أحدهم ليستقبلك في المطار .. وهذا ما كان بالنسبة لي ... حيث كنت أنتظر صديقتي سهيلة التي تركتني وحدي أواجه سائقي سيارات الأجرة وأتمرن على ترديد الكلمات الفارسية القليلة التي أحفظها ... وأفاجأ وأنا في الخارج أستمتع بحرارة شمس طهران الحانية بوجه مألوف لامرأة تقبل من بعيد ... فإذا بها أختها ... ولن أكمل لكم ما حصل بعد ذلك ... لأن هذا سيكون موضوعي في المقالة التالية ... حتى نلتقي حينذاك لكم أجمل تحياتي وأقول لكم الآن بالفارسية »خدا حافظ« أي في أمان الله.
المفضلات