ومن كلامه عليه السلام
قبل شهادته
أَيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِىءٍ لاَقٍ بِمَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، وَالْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ (1) ، وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ. كَمْ أَطْرَدْتُ (2) الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الْأَمْرِ، فَأَبَى اللهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ، هَيْهَاتَ! عِلْمٌ مَخْزُونٌ! أَمَّا وَصِيَّتِي: فَاللهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَمُحَمَّداً صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ، أَقِيمُوا هذَيْن الْعَمُودَيْنِ، وَأَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ، وَخَلاَكُمْ ذَمٌّ (3) مَالَمْ تَشْرُدُوا (4) . حُمِّلَ كُلُّ امْرِىءٍ مَجْهُودَهُ، وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ، رَبٌّ رَحِيمٌ، وَدِينٌ قَوِيمٌ، وَإِمَامٌ عَلِيمٌ. أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ، وَأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ! غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ! إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ (5) فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ (6) فَذَاكَ، وَإِنْ تَدْحَضِ (7) الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ (8) أَغْصَانٍ، وَمَهَابِّ رِيَاحٍ، وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ، اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا (9) ، وَعَفَا (10) في الْأَرْضِ مَخَطُّهَا (11) . وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً، وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً (12) : سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ، وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي، وَخُفُوتُ (13) إِطْرَاقِي، وَسُكُونُ أَطْرَافِي (14) ، فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لَلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِيغِ وَالْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ.وَدَاعِي لَكُم وَدَاعُ امْرِىءٍ مُرْصِدٍ (15) لِلتَّلاَقِي! غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي.

http://gadir.free.fr/Ar/Prog/Nahj%20prog/khutab/149.htm