09/02/2024


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صور عدة أقمار في مجموعتنا الشمسية تحتوي على محيط من المياه الجوفية © عن مرصد باريس للفلك

إعداد: ربيع أوسبراهيم

بعد سنوات من التمحيص والبحث، خلُص باحثون فرنسيون إلى كون قمر "ميماس" الصغير التابع لكوكب زُحل يحتوي على محيط من المياه تحت سطحه المتجمد.

ويُعتبر هذا الاكتشاف مفاجئا، إذ جاء عكس ما كان متداولا في بادئ الأمر. ويربط العلماء بين وجود الماء في أجرام سماوية وإمكانية ظهور نوع ما من الحياة في الفضاء. فكيف اهتدى الباحثون إلى تأكيد وجود ماء في "ميماس"؟


هو قمرٌ شبّهَه المولعون بقصص الخيال العلمي بمركبة "نجم الموت" الذي ورد في فيلم "ستار وورز". إذ اشتهر قمر "ميماس" بحفرة كبيرة في جزءه الشمالي تُشبه "نجم الموت" المُتخيّل في الفيلم. غير أن ميماس، وعكس المظاهر، ليس بميّت..

وقاد باحثون فرنسيون من مرصد باريس للفلك فريقا دوليا درس لسنوات عدة قمر ميماس الصغير، 400 كلم قُطرا، والذي يدور حول كوكب زحل. وأظهرت أعمالهم بأن ميماس يحوي ماء سائلا تحت طبقته الجليدية. ونُشرت تفاصيل نتائج البحث في مجلة نيتشر العريقة.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صورة تركيبية لقمر تشرح مكان تواجد محيط ماء سائل تحت سطحه المتجمد © عن مرصد باريس للفلك

وبما أنه لا يمكن رؤية تلك المياه بالعين المجردة، انطلق الباحثون مما يعرفونه عن الكون وعن حركة الأجرام السماوية واستعملوا حسابات رياضية معقدة. فمنذ أكثر من عشر سنوات، يُحير قمر ميماس العلماء الذين أرادوا معرفة أسرار تشكله في بيئة جد مُعقدة، بيئة كوكب زحل العملاق الذي يدور حوله ميماس.

ويمنح حجم زحل الكبير تأثيرا جاذبيا ضخما يمارسه على كل الأجسام التي تدور من حوله، ومنها قمر ميماس. وتم الاعتماد على المعطيات التي استقاها مسبار كاسيني ما بين عامي 2004 و2017 في مهمته التاريخية حول زحل للفصل بين فرضيتين. أولاها تتمثل في احتواء ميماس على نواة صخرية، وهي الفرضية التي كانت مُرجحة بادئ الأمر.

والفرضية الثانية تتمثل في احتوائه على محيط سائل بفضل الحرارة الداخلية الناتجة عن حركته الفلكية.

وبفضل قوانين الميكانيكا السماوية أو قوانين نيوتن الشهيرة تم تحليل دوران ميماس حول نفسه وتذبذباته الصغيرة، أو ما يسمى فلكيا بالمَيَسَان، وهي تذبذبات تختلف استناداً إلى بنيته الداخلية.

وتم كذلك تحليل نظام زحل برمّته وتسعة عشر قمراً من أقماره وكيف تؤثر على مدار ميماس حول زحل.

وقطع العلماء الشك باليقين بفضل حساباتهم واهتدوا إلى أن ميماس يحمل محيطا جوفيا سائلا على عمق 20 إلى 30 كيلومتراً تحت السطح.

اكتشاف مفاجئ، لكنه غير استثنائي

وقد يدفع هذا الاكتشاف العلماء إلى إعادة النظر في تصوّرهم لأقمار كواكب المجموعة الشمسية. إذ كان يسود الاعتقاد أن وجود مياه جوفية في أجرام سماوية استثنائي. لكن، ومع مرور السنوات، تم التأكد من وجود مياه في أقمار عدة.

وانضم "ميماس" إلى عائلة الأقمار التي تحوي الماء السائل تحت طبقتها الجليدية. وتتضمّن هذه العائلة قمرَي المشتري "اوروبا" و"غانيميد" وقمري زُحل "إنسيلادوس" و"تيتان".

ويدرس العلماء فرضية وجود مياه في أقمار أخرى ككاليستو حول المشتري، وعدة أقمار حول كوكبيْ نيبتون ويورانوس.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صورة لقمر ميماس ومن خلفه إحدى حلقات كوكب زحل © كاسيني / ناسا

ومن الممكن أن تحمل تلك المياه الجوفية حياة ما، كبكتيريا مثلا. لكن يبقى ذلك فرضية فقط حتى الآن، من الصعب التأكد منها من دون الاقتراب من الأقمار التي ذكرناها.

وذلك ما يعمل عليه حاليا باحثون في دول غربية. ففي أبريل/نيسان عام 2023، تم إطلاق مهمة "جوس" لوكالة الفضاء الأوروبية. يتعلق الأمر بمسبار أُرسل باتجاه كوكب المشتري لاستكشاف أقماره "يوروبا" و"غانيميد" و"كاليستو" لعله يرصد جزيئات حيوية قد تنم على وجود حياة ما في مياهها الجوفية. وستدوم رحلة جويس ثماني سنوات قبل الوصول إلى وجهته وبدء مهته.

كما تستعد وكالة الفضاء الأمريكية ناسا لإطلاق مهمة "يوروبا كليبر" نحو المشتري خريف هذا العام (أكتوبر 2024) لاستكشاف قمر يوروبا وكشف أسراره. ولا توجد حاليا أية مهمة مبرمجة لاستكشاف أقمار زحل. ولا شك من أن مهمات ستُرسل إلى هناك مستقبلا.

فلا حدود لفضول البشر..