نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


2024-02-04


الزبير (البصرة)

طلبت مفتشية الآثار، رخصة من وزارة الثقافة للتنقيب في مسجد البصرة التاريخي (خطوة الإمام علي) في الزبير حيث كانت تقع المدينة القديمة أوائل العصر الإسلامي. ولهذا الموقع أهمية تاريخية كبيرة، ففيه وضعت العلوم العربية الأولى مثل قواعد النحو وفيزياء الضوء، كما انطلقت من هناك أهم الحركات الفكرية كالتصوف وتيارات المعتزلة والأشاعرة وفرق الشيعة وسواها.

التفاصيل.. مدينة تاريخية ينتقل مكانها بشكل نادر:

جغرافياً: يسجل المؤرخون ظاهرة نادرة حين يتتبعون “خطط البصرة” ومراحل إنشائها، فهي قبل العصر الإسلامي تمثل ميناءً قرب النهر المعروف بالأبلة (قرب منطقة المعقل حالياً)، منذ عهد الإسكندر المقدوني وتلاه العهد الساساني، لكن موقعها انتقل مع عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إلى غرب الأنهار نحو الصحراء، قرب منطقة الزبير الحالية، وحين نشبت ثورة الزنج أواخر العهد العباسي عادت لتنتقل قرب النهر حيث الموقع الحالي لمنطقة العشار وضواحيها، بينما تشهد المدن السكنية الحديثة اليوم عودة إلى الغرب والجنوب قرب الصحراء، بسبب الاستثمارات في قطاعي النقل والموانئ والنفط.

دينياً وعقائدياً:

يعتبر هذا الموقع (المعروف بخطوة الإمام علي) الثاني في تاريخ الإسلام بعد المسجد النبوي، بناه عتبة ابن غزوان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 14 للهجرة. وكان أكبر توسيع له خلال عهد الخليفة العباسي المهدي حيث وصل عدد المصلين آنذاك إلى 20 ألف، حسبما تذكر التواريخ.
مصطفى الحصيني -مدير مفتشية آثار البصرة:

ستشهد “الخطوة” ترميماً يتناسب مع أهميتها وعدد الزوار الكبير لا سيما في المناسبات الدينية.

لكن ترميمها وتأهيلها سيكون متناسقاً مع أولويات التنقيب ومعاييره، كونها من الأماكن التاريخية المهمة، وهي ككثير من أراضي الزبير تحتاج للبحث الآثاري بعناية.

ننتظر رد وزارة الثقافة وقد رفعنا كتاباً رسمياً، يجري الأمر بالتنسيق مع الوقف الشيعي.

محمد حسين الراشد، باحث مهتم بتاريخ الزبير:

شيدت حول المسجد في عهد التأسيس بيوت البصريين، وزاره الإمام علي عند مجيئه للبصرة عام 36 هجرية، وألقى فيه عدداً من الخطب التي نقلها كتاب “نهج البلاغة”، ليكتسب المسجد هذه المكانة العقائدية والتاريخية.

وضع الإمام علي هنا أساس علم النحو حين أوصى أبو الأسود الدؤلي بذلك، وبعدها تحول مركزاً مهماً للفقه والعلوم بوجود علماء المعتزلة والأشاعرة وفلاسفة إخوان الصفا وعلماء الطب والفيزياء من جيل الحسن بن الهيثم وسواهم.

ابن عباس ومناظرات الحسن:

قام الإمام علي بتعيين عبد الله بن عباس والياً على البصرة، وهو المعروف بفقهه حيث كان يعطي دروساً في هذا المسجد وتخرج من بين يديه علماء كبار منهم الحسن البصري، الذي تتلمذ على يديه واصل بن عطاء وناظره في هذا المكان، بتلك المناظرة الشهيرة في التاريخ.

نتج عن المناظرة نشوء مذهب المعتزلة الذي له أثر بالغ في التراث الفكري الإسلامي.

تواصلت المناظرات كتقليد أدى إلى ظهور مذهب الأشاعرة لاحقاً. وهنا ازدهرت حلقة الأصمعي والفراهيدي.

شهادة من رحلة ابن بطوطة

من الجدير بالذكر أنه كان يسمى بمسجد علي بن أبي طالب منذ زمن بعيد حيث ذكر ذلك ابن بطوطه (703 – 779 هجرية) في رحلته الشهيرة حيث كتب: “وكنتُ رأيتُ عند قدومي عليها على نحو ميلين منها بناءً عالياً مثل الحصن، فسألت عنه، فقيل لي: هو مسجد علي بن أبي طالب.. وكانت البصرة من اتساع الخطة وانفساح الساحة بحيث كان هذا المسجد في وسطها”.

يوم القيامة مع آخر طابوقة؟ طلال البدري – مهتم بتراث المدينة:

تحول المكان من أثر تأريخي إلى معلم مقدس يؤمه الجميع وينجذب اليه.

كثرت عن هذا الجامع الأقاويل والحكايات، منها ما تناقله الأجداد، عن أن طابوق هذه الخطوة، تسقط منه كل عام طابوقة واحدة، ومع سقوط آخر حجر، ستنقلب الدنيا ويكون يوم القيامة.

لا أعرف ما أصل الحكاية، وقد تكون مرتبطة بما تنبأ به الإمام علي حول مصير هذه المدينة حيث ورد في نهج البلاغة: “كأني أنظر إلى تربتكم هذه قد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر”.

أحجار حيرت المختصين: كريم الرسام – فنان ومهتم بالأحجار:

كلما هطل المطر، يذهب عدد من المهتمين بالأحجار للبحث في تربة الأماكن القريبة من مسجد الخطوة، عن حجر العقيق، والغريب أنه يتواجد في هذا المكان، رغم أنه حجر من اليمن.

هناك من يقول إن سوقاً للأحجار كان هنا قبل قرون، حين كان موضع المسجد هو مركز البصرة القديمة، وأن الأحجار الحالية هي جزء من تلك التي انطمرت بمرور الزمن.

مثنى إبراهيم -مهتم بالأحجار:

أصول الأحجار قرب خطوة الإمام علي حيّرت كثيرين، هناك من يقول إن أهل البيوت آنذاك كانوا يحتفظون بصخور كاملة فيها من العقيق ما فيها للبركة، إذ توضع قبالة الدار.

مكان للسكينة وهوية عاطفية، علي حسين – زائر:

أزور هذا المكان باستمرار، فهو جزء من هويتي العاطفية، وأشعر براحة وسكينة فيه، كما أتذكر الأيام التي كانت أمي رحمها الله تصطحبني فيها للصلاة.