الأربعاء 31 يناير 2024



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


رومانو أو زركر إحدى قرى محافظة قزوين تقع في قضاء آبيك، يرجع أصول سكانها الى رومانيا ويتحدثون الرومانية دون أن يتقنوا كتابتها إلا أنهم يكتبون بالأحرف اللاتينية.


قرية رومانو، إحدى قرى شعوب الغجر أو الرّوما، الواقعة في محافظة قزوين على بعد 100 كلم من شمال غرب العاصمة الإيرانية طهران.

واستقبل أهالي رومانو أو زَرْكَر قبل سنوات ثلاثةً من السياح الغربيين من بريطانيا وفرنسا، كانوا قد جاءوا لزيارتها بعدما نشر شباب قرية رومانو كلماتٍ بلغتهم الرومانية، وهي اللغة الهندو-آرية الوحيدة المنتشرة فقط على وجه الحصر في أوروبا، ثم قدّموا دعوةً إلى من يعرف تلك المفردات لزيارة إيران حيث أناس مشتاقون إلى رؤية أهلهم الأوروبيين.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


تُعدّ رومانو أو زَرْكَر (Zargar)، إحدى أغرب القرى الإيرانية، يتحدث أهلها بلغتهم الرومانية، من دون أن يتقنوا كتابتها، وقيل إن بعض السكان في ما مضى كانوا يستخدمون اللغة الروسية في كتابتهم.

وحسب الإحصاء الحكومي عام 2016، فإن عدد سكان القرية يبلغ نحو 588 نسمةً، وقد استخدموا المفردات الفارسية والتركية في لغتهم حتى أصبحت لهجةً خاصةً بهم لا يفهمها أبناء جلدتهم في أماكن أخرى حول العالم، ولا يفهمها الإيرانيون أيضاً.

ثمة روايات مختلفة تتحدث عن وجود مجموعة من شعب الغجر أو الروما في إيران، وهم مقسمون وموزعون في العديد من المناطق الإيرانية ومنها:

أهواز وكَرَج وأرْدَبيل وشيراز وأذربيجان، وطهران وخراسان. ولكن جلّهم نسوا لغتهم الأم، لتبقى قرية زَرْكَر الوحيدة المحتفظة بها. كما قيل إن في مدينة خُرّم آباد غرب البلاد، قبيلةً تحمل لقب "رومياني".

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


كيف وصلوا إلى إيران؟

هناك روايات كثيرة تدور حول كيفية وصول الغجر الأوروبيين إلى إيران، نتطرق هنا إلى أهمها؛

أ- قيل إن مجموعةً سكانيةً من شعب الروما دخلت قبل قرون إلى الأراضي الإيرانية من الجهة الشمالية المحاذية للإمبراطورية الروسية، ولأنهم أصحاب حياة بدوية، انتشروا في عموم البلاد ثم سكنوا هناك وبدأوا بالزراعة ورعاية المواشي.

ب- هذه الرواية تؤكد أن الغجر هم من أصول إيرانية، وشجاعتهم حوّلتهم إلى جنود باسلين في جيش الشاه عباس الصفوي أثناء حكمه (1588-1629).

ت- اعتقد البعض أنه خلال حروب الروم والفرس التي بدأت عام 92 قبل الميلاد، وانتهت عام 628 بعد الميلاد، بواسطة الهجمات العربية الإسلامية، تم أسر 400 شخص من شعب الروما، وكونهم كانوا أقوياء وصالحين نالوا العفوَ الملكي واستقروا بالقرب من مدينة قزوين.

ث- هناك فرضية أخرى تفيد بأن هؤلاء هم من بقايا قوات الإسكندر المقدوني، الذي استولى على بلاد فارس في القرن الرابع قبل الميلاد.

ج-وقيل إن غجر الهند وباكستان هاجروا الى رومانيا ومن ثم انتشروا الى أنحاء مختلفة فمنهم هاجروا الى ايران.

حين بادر النظام الملكي السابق في القرن العشرين، إلى إصدار سجلات وطنية للمواطنين، قيل إن سكان القرية كانوا منشغلين بصناعة المجوهرات، فتمت تسمية القرية بـ" زَرْگر" (Zargar)، كما تفيد رواية تعود إلى 300 سنة مضت، بأن نادر شاه أفشار وخلال مطلع القرن الثامن عشر، جلب معه بعد إحدى حروبه مع الإمبراطورية العثمانية ثلاثة أشقاء، هم: سيف الله وأحمد وزبد الملك، وهم من صنّاع الذهب، إلى مدينة قزوين ليقطنوا فيها فتحوّل لقبهم ولقب القرية إلى زركر، وتعني زركر صانع الذهب والمجوهرات باللغة الفارسية حسب معجم مُعين الإيراني.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


مندوبهم في اليونسكو

قضى الباحث أبو الفضل زَرْكَر، نحو عقدين من عمره في دراسة ميدانية حول أهالي القرية ولهجتهم المحكية من اللغة الرومانية، وهو مندوبهم رسمياً في منظمة اليونسكو العالمية.

عقد أبو الفضل الكثير من تواصلاته مع أبناء جلدته حول العالم عبر منصات التواصل، لذلك يعتقد أن هجرة شعب الغجر أو الروما نحو إيران، حدثت قبل 600 سنة.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
وجال الباحث الإيراني من أصول غجرية، في دول مختلفة كاليونان وهولندا وتركيا وأذربيجان وغيرها من الدول الأخرى، وقد شارك في اجتماعات شعب الروما المقامة هناك، وعرّف بأهله الذين يقطنون في إيران عبر التاريخ.

كما أكد أبو الفضل أن المعلومات التي قدّمها ويقدّمها في المؤتمرات واللقاءات الصحافية داخل إيران وخارجها، لم تكن من بطن أمهات الكتب، بل هي تاريخ شفوي من الحكايات التي تناقلتها الأجيال وحصل عليها من خلال لقاءاته مع المعمّرين من سكان قرية رومانو وباقي المناطق التي يسكنونها في عموم البلاد، وأنه لم يستطع الجزم في صحة هذه المعلومات.

200 عام دون نزاع

يتداول الإيرانيون مصطلحاً أو مثالاً محلياً في حواراتهم اليومية، هو: "جَنْگ زَرْگري مِيانجي نخواهد"، وتعني في العربية أن "حرب زَرْكَر لا تحتاج إلى وسيط"، مما يشير إلى اشتباك مفتعل أو حرب وهمية، أو حرب مفتعلة دون حقد لخداع شخص آخر، حسب ما نقل معجم مُعين.

يعمل معظم سكان القرية اليوم في تربية النحل والمواشي والزراعة، بينما كانوا منشغلين في صياغة الذهب قديماً. ويُعدّ موسم الربيع وقتاً مناسباً لزيارتها لما لها من مناظر طبيعية خضراء بالقرب من الجبال.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


"لم تكن هناك معارك أو خلافات أو قتل أو نزاع أو صراع في قرية رومانو أو زَرْكر، خلال الـ200 عام الماضية، لذا فإن المصطلح الشائع يشير إلى ذلك، ومن وجهة نظر علمية، فهي تعني الحرب الدبلوماسية والمفاوضات التي كانت ساريةً في القرية منذ قرنين"؛ هذا ما شرحه أمير منصور.

عين ماء تاريخية

في جوار القرية، عين ماء تُسمّى "نوبلكس" (Noplex)، وهي تسمية رومانية تعني "لا يقهر"، إذ اعتقد السكان المحليون منذ القدم أن البطل الفارسي الأسطوري "إسفنديار" (Esfandiyar)، الذي جاء ذكره
في ملحمة "الشاهنامه" للفردوسي، استحم فيها، ولأنه أغلق عينيه أثناء الاستحمام، أصبح ضعيفاً، وفي النهاية هُزم في الحرب أمام منافسه "رُستَم".


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


زار سياح أوروبيون آخرون قرية رومانو وتعرفوا إلى سكانها، مما جعل الأهالي يطالبون بمساعدة حكومية في بناء صرح ثقافي أو متحف صغير لتعريف السياح والإيرانيين بتاريخ الغجر أو الروما القاطنين في إيران وهويتهم وعاداتهم وتقاليدهم.