بهاء حمزة

مما لا شك فيه ان الحياة العصرية مرهقة بالفعل اذ ان عليك أن تتعامل مع سلسلة غير منتهية من المواعيد والانتظار طويلاً في زحمة الشوارع والمجادلة مع الزوجة أو الزوج وكل تلك الأمور تثير ردود فعل سلبية في الجسد وهذه أعطت البشر في أول الزمان الطاقة اللازمة لمواجهة الأعداء أو الوحوش المفترسة وساهمت في المحافظة على الجنس البشري.

لكن في الوقت الحالي تسبب ردود الفعل في حال حدوثها بشكل مستمر مشاكل صحية تهدد الحياة بدلاً من دورها السابق في حمايتنا انما لحسن الحظ يمكننا تنمية مهارات معينة لتفادي بعض عناصر الضغط وتقليل آثار بعضها الآخر.

لكن قبل ذلك علينا ان نعرف ما هو الاجهاد وكيف يؤثر على أجسامنا؟! والاجابة ان الاجهاد يحدث عندما تزيد متطلبات الحياة على قدرتك على التعامل معها، وتسمى "استجابة الاجهاد" عادةً بردة فعل "المواجهة أو الهروب" وتحدث عند الاحساس بالتهديد مباشرة. وتستجيب الغدة النخامية الواقعة أسفل المخ إلى التهديدات بزيادة افراز هرمون أدرينوكورتيكوتروبيك الذي يعطي الاشارة للغدد الأخرى لافراز هرمونات اضافية. وعندما تفرز الغدة النخامية كمية كبيرة من ذلك الهرمون تصبح وكأنها نظام انذار في المخ ويأمر الغدد الكظرية الموجودة في أعلى الكلى بافراز كمية كبيرة من هرمونات الاجهاد لتنتقل إلى دورتك الدموية. تساعد هذه الهرمونات – ومنها كورتيزول وأدرينالين – على تعزيز قدرة التركيز وتسرّع زمن الاستجابة وتزيد قوتك ورشاقتك.

وبعد الانتهاء من مواجهة أو الهروب من الموقف الخطر تنخفض نسب هرمونات كورتيزول وأدرينالين في الدم وتعود نبضات قلبك وضغط دمك إلى النسب العادية كما تعود آليات الهضم والعمليات الأيضية إلى معدلاتها السابقة. ولكن لو استمرت المواقف المجهدة في التراكم فلن يجد جسمك الفرصة لاستعادة عافيته فالتشغيل طويل الأمد لنظام الاستجابة للاجهاد يمكن أن يؤثر على جميع عمليات الجسم ويزيد من مخاطر البدانة والأرق ومشاكل جهاز الهضم وأمراض القلب والكآبة.

وبالرغم من أن جسم الانسان يحتاج إلى قدر معين من الاجهاد الا ان الزيادة عن هذا القدر تسبب ردة فعل في العضلات سلبية جداً على صحتنا. ومن عوارض الاجهاد تصلب الرقبة وصداع التوتر وغالباً مايتجاهلها الناس كشيء طبيعي في حياتنا العصرية. ولكن الخبر السيء هو أن الاجهاد يسبب ضرراً جسدياً خطيراً ويعتبره الخبراء شر الحياة العصرية الذي يتسبب في الكثير من الأمراض المزمنة.

وتبدأ ردة فعل الجسم للاجهاد في العضلات فضغط العمل يؤثر على عضلات الرقبة ويسبب تصلبها والجلوس بشكل خاطئ قد يسبب ضغطاً في الجزء السفلي من الظهر. وإذا لم يتم التخلص من هذا الاجهاد فإنه سيبقى في العضلة المضابة وتزداد الحالة سوءا.

وبازدياد تصلب العضلات يمنع الضغط على الأعصاب وصول "رسائل" الألم إلى المخ مما يُخدّرُ الأعصاب المتأثرة عملياً فلا ندري إلا نادراً بما يحصل لنا.

كذلك يمكن للاجهاد الجسدي أن يسبب ألماً كبيراًً وتصلباً في العضلات ولكن المشكلة لاتنتهي إلى هذا الحد لأن العضلات لاتعمل منفردة بل تساند أجهزة الجسم والوظائف الأخرى هي الدورة الدموية والجهاز العصبي. إن الاجهاد والضغط الذي يصيب العضلات من العوامل التي تؤثر على وظائف الجسم وتساهم في حالات مرضية خطيرة.
فعلى سبيل المثال تدعم العضلات في أسفل الظهر الأعضاء المختلفة في تلك المنطقة. فإذا كنت تعاني من توتر عضلي يعيق ذلك التوتر وصول الأوامر العصبية والدم إلى منطقة البطن والمنطقة التناسلية. ويحدث ذلك الكثير من الحالات مثل عسر الامساك وعسر الهضم. ومثال آخر يتمثل في تصلب الرقبة والذي يؤثر على الكتفين والذراعين واليدين والرأس. وتشمل العوارض: الصداع والدوخة وضعف النظر وآلام الكتفين وتخدر في الذراعين واليدين.

وينصح الأطباء والصيادلة البالغين عادةً بعلاجات غير منشّطة ومضادة للالتهاب مثل "فولتارين ايملجيل" لتخفيف الألم من ناحية ومعالجة العضلة المتأثرة والضرر الذي يصيب المفاصل من خلال المركّب المضاد للالتهاب.

في المقابل وحتى لا تكون الصورة قاتمة فأن هناك العديد من الأمور المهمة التي يمكنها أن تبقي الحسم في حالة جيدة صحياً منها ممارسة التمارين الرياضية اذ يعتبر النشاط البدني من أهم العناصر التي تقضي على الاجهاد فعند حدوث الاجهاد يفرز الجسم كميات اضافية من المواد الكيماوية مثل الجلوكوز والأدرينالين في عملية المجابهة. ويساعد النشاط البدني في حرق الكيماويات الزائدة ليعود الجسم إلى حالته الطبيعية. كما تساهم التمارين الرياضية من خروج "الكيماويات الطبيعية التي تشعرك بالراحة" والتي تسمى (اندورفين) والتي تساعدك في البقاء بصحة جيدة من خلال المحافظة على قوة عظامك وعضلاتك وفي النوم بشكل أفضل كما تبعد عنك الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. حاول أن تمارس التمارين الرياضية لحوالي 30 دقيقة على الأقل في معظم أيام الأسبوع وكلما سنحت فرص أخرى لممارسة النشاط البدني.

وهناك الطعام الصحي الذي يتضمن الكثير من الفواكه والخضروات والخبز المصنوع من القمح الكامل والقليل من السكر واللحوم الحمراء والأطعمة المصنّعة. وإذا كنت من المدخنين فأقلع عن التدخين.

كما يجب الموازنة بين العمل وجوانب الحياة الأخرى لانه لابد من الحصول على الراحة والاسترخاء وبعض النشاطات المرحة. لابد لنا من القيام ببعض الأعمال التي نتمتع بها مثل الفنون أو الطبخ أو الرقص أو حضور مدرسة لتعلم اللغات أو المشاركة في سباق للجري أو الالتقاء بأصدقائنا وممارسة رياضة المشي معهم بشكل منتظم.

كذلك يجب تعيل موقفك من الحياة ليكون ايجابيا وذلك بأن تضحك مثلا كل يوم فالضحك عاطفة ايجابية وستستمتع بذلك أكثر من القلق كما إن اكتشافك للجوانب المضحكة والمرحة في مواقف حياتك المختلفة سيشعرك بالسرور ويقلل من آثار الظروف الصعبة والاجهاد الذهني والجسدي، ومن الأهمية بمكان وضع ثقتك بأشخاص معينين للتحدث معهم حول المشاكل التي تعاني منها نشعر في أحول كثيرة أننا نرهق الآخرين بمشاكلنا ولكن ابقاء المشاكل معك دون مناقشتها مع الآخرين قد تزيد من حالة الاجهاد التي تعاني منها.

كذلك فإن عدم أخذ كفايتك من النوم يزيد من معاناتك مع الاجهاد ويجعلك أقل قدرة على مجابهة المواقف المجهدة. وقد يتسبب الاجهاد في بقائك مستيقظاً مما يزيد الطين بلة فإذا كنت تعاني من مشاكل النوم هناك بعض الحلول التي تعالج تلك المشاكل منها الاستمتاع بحمام قبل النوم وتجنب شرب القهوة والتدخين والكحول والوجبات الدسمة قبل ذهابك للنوم. كما يمكنك اعادة ترتيب غرفتك بشكل يمنع دخول النور أو الضجيج. وإذا استمرت حالتك على ما هي عليه لمدة ثلاثة أسابيع أو أكثر استشر طبيبك أو خبير في اضطرابات النوم والصحة العقلية.