الجمعة 2023/8/25

المصدر : argaam.com


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



يدخل المستثمرون سوق الأسهم وكلهم أمل في حصد الأرباح وتنمية الثروات، ولكن غالبًا ما يعاني كثير منهم بعد ذلك من الخسائر، ويلقون باللائمة في ذلك على العديد من العوامل، ولكن أبرز سبب -في رأيهم- هو التلاعب في السوق، وهو أمر يصعب إثباته بشدة وإن ظهرت له "علامات" باستمرار.


وللتأكيد على صعوبة إثبات قضايا التلاعب في السوق يكفي القول بأن هيئة سوق المال والتداول الأمريكية لم تتمكن من إثبات إلا حالة تلاعب واحدة متكاملة خلال 50 عامًا من إنشائها، بينما كانت بعض القضايا محلًا للتسوية مع دفع غرامات دون إدانة واضحة، في الوقت الذي نظرت فيه الهيئة مئات الدعاوى التي لم يمكن إثبات أي منها.

دلائل مالية وليست قانونية

ويشير كتاب "الكتاب الصغير حول التلاعب في السوق: دليل أساسي" إلى أنه على الرغم من عدم التمكن من إثبات حالات التلاعب في غالبية أسواق الأسهم حول العالم من الناحية القانونية، نظرًا لإنها تحتاج لإثباتات أو شهادات وهو ما لا يتوافر إلا نادرًا جدًا إلا إذا كانت هناك "دلائل مالية" على حدوث عمليات تلاعب في العديد من المرات.

ويلفت مؤلف الكتاب "جروجري دورستن" إلى حالة شهيرة حين تم اتهام بنكي "جي بي مورجان تشيس" و"إتش.إس.بي.سي" بالتلاعب بسوق الفضة عام 2008 من خلال عمل سلسلة من أوامر البيع الآجل وفي نفس الوقت البيع على المكشوف للمعدن النفيس بشكل ممنهج بما أدى لتراجع سعر عقود الفضة.

وأدى هذا -وفقًا لدعاوى قضائية أقيمت من مستثمرين في سوق المعادن النفيسة- إلى تراجع الفضة من مستوى 16 دولاراً للأوقية -الذي بلغته في 2007- إلى دون 8 دولارات للأوقية في عام 2008، وبشكل عام وخلال عام 2008 خسرت الفضة 25% من قيمتها وحقق البنكان أرباحًا كبيرة.

ويشير "دورستن" إلى أنه يصعب اقتصاديًا فهم الرهان على الفضة وحدها دونما بقية المعادن النفيسة في عقود البيع على المكشوف، فضلًا عن أن الذهب -الذي عادة ما تتكافأ حركته مع الفضة- أنهى عام 2008 مرتفعًا (بفعل الرهان عليه في ظل الأزمة المالية العالمية) ولم ينخفض مثلما تراجعت الفضة.

وعلى الرغم من تقديرات الادعاء بأن "تلاعبًا ما" حدث ربح من خلاله البنكان مئات ملايين الدولارات خلال عام 2008، وذلك خلال دعوى قضائية نظرها القضاء الأمريكي عام 2010، إلا أن القضية انتهت دون إدانة أيٍ من البنكين، بل لم تستغرق وقتًا طويلًا نظرًا لأن الأدلة كلها كانت قائمة على التحليل الاقتصادي والفني وليست قائمة على إثباتات قضائية قاطعة.

أسهم هشّة تحتاج لـ"قروش"

ويقول "بيل أونيل" وهو شريك في شركة "لوجيك أدفيسور" المتخصصة في استشارات الاستثمار إن هناك خطأ يقع فيه الكثير من المستثمرين بالرهان على سلع متقلبة، مثل الفضة، أو أسهم متقلبة، معتبرًا أن هذه إشارة على أن السهم -أو السلعة- يمكن أن تخضع للتلاعب أكثر من غيرها.

وينصح "أونيل" هنا بضرورة تجنب الاستثمار فيما يعرف بـ"الأسهم الهشة" والمتقلبة، وهي تلك التي يُعرّفها بإنها تحركت في هامش يزيد على 40% صعودًا وهبوطًا خلال أشهر معدودة (أي بدون اتجاه واحد واضح) بما يؤكد أن العوامل الأساسية ليست صاحبة التأثير الأول على سعر السهم وأن "عوامل أخرى" تتدخل.

وبناء على ذلك يعتبر "أونيل" أن أسهم الشركات التكنولوجية في الولايات المتحدة تحتاج إلى "قروش" (في كناية عن القوة مثل سمك القرش) للاستثمار فيها، لأنها كثيرا ما تشهد بيع بعض الأسهم بشكل ممنهج لإثارة بيعِ هلعٍ بحيث تتدخل "القروش" في السوق عند انخفاض سعر السهم لمستويات قياسية بالشراء بما يجعلهم يحققون أرباحًا كبيرة.

ويمكن القول إن حالة شركة "جيم ستوب" -التي تضاعفت أسهمها 1700% في شهر بداية عام 2021 بفعل توصيات موقع "ريديت"- تعد بمثابة إشارة واضحة إلى التلاعب بالسوق، ولكن المختلف هذه المرة أن التحايل كان صارخًا وعلنيًا، بينما في بقية الحالات يكون بنسب أقل وبشكل سري.

وعلى الرغم من أن "التلاعب" ودعم اتجاه معين كان واضحًا للعيان في حالة الشركة الأخيرة، إلا أن بعض المستثمرين أقبلوا على شراء سهم دون تحليل معطياته الأساسية، أو حتى الفنية، وذلك طمعًا فقط في المنحنى الصاعد وسعيًا للحاق به، وهو ما يؤكد على تأثير "الطمع" السلبي على التحكم في الأسواق.

معلومات حصرية ورواج زائف

ولعل أحد أبرز سُبل التلاعب بالسوق يأتي من خلال المعلومات الحصرية، مثلما حدث من مديرة إحدى الشركات الطبية "مارثا ستيوارت"، والتي نصحت بعض الأصدقاء وأفراد العائلة ببيع أسهم شركتها على المكشوف بسبب علمها بأن أسهم الشركة ستنخفض لأن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تتجه لرفض عقار تجريبي تسبب الإعلان عنه في ارتفاع سعر سهم الشركة، وهو ما ساهم في تحقيقهم أرباحاً ضخمة وتم الحكم على "مارثا" بالسجن لمدة 5 أشهر وغرامة 200 ألف دولار بسبب ذلك.

والشاهد أن تحقيقًا سابقًا لوزارة العدل الأمريكية انتهى بتغريم "جي.بي.مورغان" 900 مليون دولار، ولكن ليس لتلاعبه بالأسواق أو بمعلومات حصرية، ولكن لتلاعبه ببعض خيارات صغار العملاء لديه لصالح كبار العملاء، وذلك عن طريق تقديم طلبات شراء ثم إلغائها باسم العملاء الأصغر ثم القيام بالشراء لاحقًا لصالح العملاء الأكبر بعد ظهور حالة مزيفة من الرواج على بعض الأسهم.

ويعد إظهار "حالة الرواج" من ضمن أهم أساليب "التلاعب" في سوق الأسهم. فمثلا، في أواخر عام 2014 رفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية دعوى ضد شركة تداول الأسهم "مونتوجمري ستريت ريسيرش" حيث رأت اللجنة أن الشركة قامت بعمليات شبه متزامنة تنطوي على بيع بعض الأسهم وأن أوامر البيع كلها جاءت بعد أقل من 90 ثانية فقط من أوامر الشراء، وكلها بقيم واحدة، بما يؤكد وجود تلاعب في الأمر.

ويقول "توماس كريسا" مساعد رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية إن مثل هذه الممارسات تخدع المستثمر، بأن تحجب عنه معلومة هامة للغاية، وهي ما إذا كان السهم عليه اهتمام حقيقي في السوق أم لا، بما يجعل بعض المستثمرين يرون حجم تداول جيدًا يسمح لهم بالمضاربة على سهم بعينه بينما حجم التداول هذا مفتعل في حقيقة الأمر.

والشاهد أن مثل هذه الممارسات لا يفضي إلى الإدانة أيضًا في ظل سرية ممارستها، ولكن غالبًا ما تنتهي بتوجيه تحذيرات إلى الشركات العاملة في سوق الأسهم.

وعلى المستثمر هنا الانتباه إلى حجم التداول على سهم بعينه وإذا كان قد شهد زيادة "مفاجئة" و"غير منطقية" (غير منطقية بمعنى أن السهم لا يثير انتباهًا واسعًا في السوق ولكنه رغم ذلك متداول بكثافة)، فضلًا عن مراقبة المستويات التي يتم لديها تداول السهم والتي يشير ثباتها التام إلى احتمال وجود تلاعب في السوق.

أوامر تداول ومعلومات كاذبة

ومن أشهر طرق التلاعب في السوق نشرُ أوامر التداول الكاذبة، التي تقود إما إلى ارتفاع سعر سهم أو العكس، ومن ذلك ما قام به متداول الأسهم البريطاني "ناريندر ساراو" باستخدام وسائل تكنولوجية لنشر أوامر بيع وهمية ضخمة، حيث تم الحكم عليه بالسجن لمدة عام واحد بعد أن تسببت تصرفاته في "الانهيار السريع" عام 2010 حيث انخفض مؤشر "داو جونز" الصناعي بنحو 600 نقطة في عدة دقائق.

وكان "ساراو" يسعى لتحقيق أرباح كبيرة من بيعه لبعض الأسهم على المكشوف من مناورته تلك، وعلقت صحف بريطانية وقتها بأنه إذا كان قد تم الإمساك به فإن بعض المتلاعبين الذين يفعلون نفس الأمر بحرفية أكبر قد لا يتم ضبطهم.

وفي قضية أخرى مثيرة للاهتمام، رفعت "هيئة الأوراق المالية والبورصات" قضية ضد أمريكي يبلغ من العمر 14 عامًا لنشره مئات الرسائل عبر الإنترنت عام 2000، مع ادعاءات كاذبة حول توجهات تلك الأسهم أو مستقبل تلك الشركات (وكلها صغيرة) وحقق هذا القاصر أرباحًا تزيد على 800 ألف دولار من المخطط القصير، في أسلوب آخر للتلاعب وهو نشر المعلومات الكاذبة وليس أوامر التداول.

سُبل التحوط

ومع تعدد أساليب التلاعب بالسوق، يمكن القول إن جزءًا منها يقع على عاتق السلطات المنظمة لسوق الأسهم بمنع استخدام المعلومات الحصرية لتحقيق مكاسب، وتجريم ممارسات مثل نشر الأخبار الكاذبة، ولكن ولصعوبة التصدي لمثل تلك الممارسات يمكن القول إن هذه أبرز الطرق لتجنب الوقوع في براثن تلك الحيل:

-أسلوب الشراء السريع ثم البيع غالبا ما يتضمن ارتفاعًا مفاجئًا غير منطقي للأسهم، لذا يجب التيقن أن أسباب ارتفاع السهم حقيقية قبل شرائه.

-التداول المكثف المفاجئ مع ثبات السعر على سهم معين علامة على التلاعب أيضًا.

-الحل الوحيد لمواجهة الأخبار الزائفة هو تعدد مصادر الأخبار التي يستقي منها المتداول معلوماته وبياناته وعدم الاعتماد على قنوات محددة لذلك.

وأخيرًا بأن يتأكد المستثمر أن بعض المعلومات التي تأتيه "دون بذل جهد" غالبًا ما تكون محاولة من جانب أطراف أخرى للتأثير على قراره، وأن عليه أن يقلق إذا ما كانت الأمور تبدو مثالية للغاية، وفي النهاية ألا يكون المنحنى الصاعد أو الهابط "وحده" مستشاره للبيع أو الشراء.