نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


17 أغسطس، 2023

قبل خمسة وسبعين عامًا، في صباح يوم السادس من آب/أغسطس 1945، أطلقت طائرة حربية من طراز B-29 سلاح جديد مرعب على هيروشيما.

محت القنبلة النووية المدينة، وأودت بحياة ما يقدر بنحو 70,000 شخص على الفور وخلفت عشرات الآلاف يعانون من إصابات مروعة. بعدها بثلاثة أيام، في التاسع من آب/أغسطس، دمرت قنبلة نووية ثانية مدينة ناغازاكي، ما أسفر عن مقتل 39,000 شخص على الفور.

لم يكن هذا كل شيء، فبحلول عام 1950، كان ما يقدر بنحو 340,000 شخص قد لقوا حتفهم نتيجة لآثار القنبلتين، ومن بينها الأمراض الناجمة عن التعرض للإشعاع. وقد عاينت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) والصليب الأحمر الياباني دمارًا ومعاناةً لا يمكن تخيلهما، إذ حاول العاملون في المجالين الطبي والإنساني مساعدة الجرحى ومن يحتضرون في ظروف شبه مستحيلة.

وتحل الذكرى81 لإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي في ظل زيادة خطر استخدام الأسلحة النووية إلى مستويات غير مسبوقة لم نشهدها منذ نهاية الحرب الباردة. إذ ازدادت وتيرة الصدامات العسكرية التي تشارك فيها دول نووية وحلفائها، ووجهت الدول المسلحة نووياً تهديدات صريحة باستخدام الأسلحة النووية.

هيروشيما، مدينة يابانية شكلت على مدى قرون أهمّ مركز اقتصاديّ وصناعي على مستوى آسيا، وثانية الحواضر اليابانية الكبرى التي كانت تضمّ الجزء الأهم من القاعدة الصناعية العسكرية للبلاد.

قبيل أن تقدم الولايات المتحدة على ضربها بقنبلةٍ ذرية حملت الاسم المشفّر “الولد الصغير – Little boy”، كان عدد سكان هيروشيما يتجاوز 340 ألف نسمة.
في 6 آب/أغسطس 1945 ألقت طائرةٌ حربية أميركية قنبلة ذرية على المدينة، ما تسبّب بدمارٍ واسع ومقتل 140 ألف شخص على الفور، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين، فيما دُمّر أكثر من 70% من المدينة.

يُعزى إلى هذه الضربة الوحشية أنها كانت السبب المباشر في إنهاء لعبة الحرب العالمية الثانية التي كانت ما زالت دائرةً وتحصد أرواح الملايين من الجانبين المقتتلين، دول المحور والحلفاء، فقد عجّلت الضربة النووية الأولى من نوعها في التاريخ استسلام اليابان وخضوعها للإرادة الأميركية، التي كانت حينها القوة الجديدة الصاعدة على جثث القوى العظمى الآيلة للأفول، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مثخنةً بخسارات الحروب وويلاتها.

هيروشيما، التي اقترن اسمها بالقنبلة الذرية منذ محوها عام 1945، عندما أصبحت أول مدينة تخضع للقصف بالسلاح النووي في التاريخ، تقع جنوب غربيّ اليابان، وتتوزّع جغرافياً على 3 من جزر دلتا نهر “أوتا”، وتشرف على بحر “سيتو” الداخلي، بمساحةٍ لا تتجاوز 300 كيلومتر مربّع.

مطلع القرن العشرين شكّلت هيروشيما دعامةً رئيسةً في مخططات تحديث الإمبراطورية بهدف منافسة القوى الاستعمارية الغربية، ومواجهة نفوذها المتّسع في شرق آسيا.

لدى دخول اليابان الحرب، تمركزت قوات عسكرية كبيرة في المنطقة لتأمين الدفاع عن جنوبيّ البلاد وحماية المجال الجويّ من تقدّم أساطيل الحلفاء القادمة من جنوبيّ المحيط الهادئ.

وبعد استسلام ألمانيا وهدوء الجبهة الأوروبية، تقهقرت اليابان أمام قوات الحلفاء، أصبحت هيروشيما قاعدة ارتكازها الأهم في الدفاع عن مناطق سيطرتها على الأرض، فنُقلت إليها قيادة الجيش وتم تركيز القوات الجوّية وأنظمة الدفاع الصاروخيّ حولها.

في السنوات الماضية كشفت وثائق أمريكية الأسباب الكامنة وراء قرار استهداف هيروشيما بالقنبلة الذرّية، شملت إلى جانب أهمية المدينة عسكرياً، اعتباراتٍ إستراتيجية وتكتيكية وحتى جغرافية وثقنية واحترازية، هدفت جميعها إلى حسم الحرب وإخضاع اليابان، وهو ما حدث بالفعل.

أدى فتح الأرشيفين الأميركي والياباني إلى الكشف عن أسرار عديدة حول أسباب ونتائج إسقاط القنبلة الذرية الأولى. فلماذا لم تستهدف العاصمة طوكيو مثلاً؟ ولماذا استبعدت ألمانيا من ضربةٍ قاضية كهذه؟ أسئلة لا بد أن لها إجاباتٍ منطقية.

الإجابات جاءت في بعض الوثائق الرسمية التي اطلع عليها وكتب عنها فينسان جوفير الكاتب بمجلة لوبس L’OBS الفرنسية.

في 6 آب/أغسطس 1945 بعث الجنرال ليزلي غروفز ببرقية “سرية للغاية” إلى الرئيس الأميركي هاري ترومان يصف فيها المشهد إبّان إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما، حيث تفاخر بـ “مُنجزه” بأن العملية نجحت بامتياز موضحاً أنه “في البداية تشكلت كرةٌ نارية تحوّلت في غضون ثوانٍ إلى سحب أرجوانية وألسِنة لهبٍ تصاعدت فيما يشبه الدوّامة نحو السماء، قبل أن تختفي المدينة بأكملها تحت طبقةٍ من الغبار الرماديّ الداكن”.

وفي اليوم نفسه كتب الضابط اليابانيّ المسؤول عن تقييم الضرر الناجم عن “ليتل بوي” تقريرًا إلى رؤسائه، قال فيه “تم إلقاء قنبلة من نوعٍ خاصّ هذا الصباح على وسط مدينة هيروشيما بتشكيلٍ من ثلاث أو أربع طائرات، كان الوميض الناتج عنها فوريًا وأدّى إلى احتراق أجزاء الجسم المكشوفة للأشخاص، حتى الموجودين على بُعد ثلاثة كيلومترات.. والصدمة تفوق الخيال، حيث دمّرت القنبلة كلّ منزل في المدينة تقريبًا، وحسب تقديراتنا هناك 100 ألف ضحية”.

وبحسب وثيقة سرية للغاية في الأرشيف الأميريكي، فقد حدّدت واشنطن هدفها منذ الخامس من أيار/مايو 1943، رغم أن مصنع تخصيب اليورانيوم لم يكن قد بدأ العمل آنذاك.

ويعود السبب في استبعاد الأميركيين ألمانيا من الضربة إلى تصوّر كان لديهم مفاده أن الألمان سيكونون أكثر قدرة من اليابانيين على الاستفادة المعرفية من هذه القنبلة في حال عدم انفجارها.

وأما طوكيو فقد استبعدت من الضربات النووية لأنه “يجب استخدام القنبلة حيث يكون عمق المياه كافياً كي تتعذّر استعادة القنبلة في حال عدم انفجارها”، بحسب الوثائق أيضاً، وليس لأيّ اعتبارات سياسية أو إنسانية.


اقتراحات القادة الأميريكيين شملت 5 مدن هي:

كيوتو العاصمة القديمة ومركز البلد الثقافي، والمدينة التي فرّ إليها الكثير من اليابانيين بعد تدمير مدنهم.

وفي المرتبة الثانية جاءت هيروشيما لأنها “مستودعٌ عسكريٌّ مهمّ وميناءٌ صناعيّ”، إضافة إلى استغلال عامل التلال المحيطة لها في تركيز الضربة، ما من شأنه أن يفاقم الضرر الناجم عن الانفجار.

أما المدن الأخرى على لائحة اقتراحات الضربات الأميريكية فكانت: يوكوهاما وكوكورا ونبيغلتا، غير أن الاختيار وقع في النهاية على هيروشيما، خصوصًا بعد أن أبدى بعض القادة مخاوفهم من أن يؤدّي استهداف كيوتو إلى تغيّر نظرة العالم للولايات المتحدة واعتبارها أكثر وحشية حتى من الزعيم النازي الألمانيّ أدولف هتلر.

لـ هَول النتائج المتوقعة من تنفيذ الضربة، اقترح العلماء المشاركون في بناء هذه القنبلة عدم استخدامها ضد اليابان، والاكتفاء بإجراء تجربةٍ لها أمام ممثلي الأمم المتحدة لإظهار مدى قوة أميركا ومدى “إنسانيتها” إذ تُحجم عن استخدام سلاحها الفتّاك هذا ضدّ أعدائها.

لكن القادة العسكريين والرئيس ترومان قرّروا في النهاية المضيّ قدمًا في هذه الجريمة، خصوصًا أنهم اعتبروا أنها ستؤدّي إلى “إنقاذ” عشرات آلاف الجنود الأميركيين في حال استسلام اليابان، وقد كتب ترومان في مذكراته أن استسلام اليابان أنقذ أرواح حوالي 250 ألف جندي أميركي. ما يعني أنه لم يحترم قوانين الحرب بل أقدم على إبادة مدينتين كاملتين ومحوهما عن سطح الأرض دون أن يرفّ له جفن.

لم تُفلح ضربة هيروشيما في إخضاع اليابانيين كلّياً، فلم يتردد ترومان في إعطاء أوامره بضرب مدينة كوكورا بعد 3 أيام في 9 آب/أغسطس 1945، لكنّ القنبلة سقطت على مدينة ناغازاكي الصغيرة فمسحتها من الخارطة مع 74 ألف ضحية.

وبعد الضربة الثانية هدّد ترومان بضرب طوكيو في حال لم تستسلم اليابان دون قيدٍ أو شرط، ما أجبر إمبراطور اليابان بعد 6 أيام على إعلان قبوله كل الشروط الأميركية في رسالةٍ إذاعية.
واليوم، بعد ما يناهز 8 عقود، تفسّر تقارير علمية العثور على ظلال سوداء للبشر وأشياء مثل الدراجات، منتشرة عبر الأرصفة والمباني في هيروشيما وناغازاكي، في أعقاب الانفجارين الذرّيين التاريخيين، أنها بكل أسف انعكاسٌ لما بدت عليه الأرصفة أو الجدران، قبيل الانفجار النووي، وكأن انفلاش الضوء النووي أخذ صورةً سوداء لحياةٍ مُسِحت بكسبة زر.

ومع مرور الوقت، فُقدت العديد من الظلال المحفورة في الحجر بسبب العوامل المناخية، فيما تمّ نقل العديد منها وحفظها في متحف هيروشيما التذكاريّ للسلام، لتكون عبرةً للأجيال القادمة.

وعلى مدى العقود التي تلت استهدافها النووي، خضعت هيروشيما لبرنامجٍ شامل لإعادة الإعمار، إلا أنه فشل في إزالة آثار التلوث النووي التي ما زالت تظهر على شكل تشوّهات خلقية تصيب المواليد، وتسمّم إشعاعيّ للغطاء النباتيّ والمياه الجوفية.

ولتخليد المأساة ووفاءً لعشرات آلاف الضحايا الأبرياء من كل الأعمار الذين أبيدوا بدمٍ بارد، أقيم نصبٌ تذكاري يعتبر من أهم معالم المدينة بعد إعادة إعمارها.

ورغم فداحة الجريمة وأعداد الآمنين بمن فيهم الأطفال والشيوخ والنساء الذين أطاحت بهم، ما زالت واشنطن ترفض الاعتذار رسمياً عنها، باستثاء لفتةٍ رمزيةٍ تمثّلت بزيارة هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية قام بها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما للمدينة في العام 2016.

وکالات