برعاية الحرس الثوري والعديد من المؤسسات الرسمية الأخرى، أزاحت السلطات الإيرانية الأسبوع الماضي الستار عن تمثال المناضلة العربية “علياء بنت سلمان الكعبي” في مدينة الأهواز جنوبي غربي البلاد، وذلك ضمن فعاليات معرض “جهاد العشائر العربية في مقارعة الاحتلال البريطاني” الذي تقيمه مؤسسة “الراية” الثقافية بالمدينة.وحظي التمثال باهتمام الشارع الأهوازي الذي لطالما سمع حكايات عن مواقف علياء البطولية والنخوة العربية القائلة “أنا أخو علياء” في اللغة المحكية بمحافظة خوزستان (جنوبي غرب إيران)،

فمن علياء الكعبي ولماذا يعتز بها الأهوازيون؟


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

علياء الكعبي

وفي مدينة الأهواز يُعد المؤرخ علوان الشويكي (1252- 1353هـ) أول من وثق معركة “أبو طوق”

وبطولة الأميرة علياء بنت سلمان الكعبي الحاكم المحلي لعرب الأهواز في القرن الـ18 الميلادي، مؤكدا أنه شارك في جبهة الفلاحية إلى جانب العشائر العربية ضد القوات البريطانية في المعركة التي عرفت بـ”معركة جهاد العشائر”.
وفي كتابه “تاريخ بني كعب”، يذكر الشويكي أنه بعد سلسلة معارك مع القوى الإقليمية والدولية حسمتها الإمارة الكعبية (1812-1925) لصالحها، أصدر الشيخ سلمان بن سلطان آل ناصر أمرا بأخذ الضرائب من جميع القطع البحرية التي تتجه نحو ميناء البصرة عبر المياه الخليجية،

إلا أن القوات البريطانية أبت الامتثال له وجاءت بقوات كبيرة لمحاربة الكعبيين.
ويضيف المؤرخ الشويكي في كتابه، أنه بعدما تقدم البريطانيون نحو سور مدينة الفلاحية مركز إمارة الكعبيين آنذاك، أمر الشيخ سلمان بغلق أبواب المدينة التي كان يحيطها سور عالٍ، بِيد أن البريطانيين قصفوا المدينة بعد نصب المدافع على متراس عال.وبينما “كان الشيخ جالسا مع أشراف قومه في مجلسه، خرجت إليهم علياء فارعة من قناعها، متقلدة سيفا،

فلما وصلت إليهم جذبت السيف من جفنه، ونخت قومها فانتدبوا لها”، وفق المؤرخ علوان الشويكي الذي وثق انتصار كعب على القوات البريطانية.
معركة أبو طوقأما المؤرخ الأهوازي عبد النبي القيّم، فيذكر في كتابه “تاريخ عرب الأهواز” أن المعركة التي سطرت بها علياء الكعبي بطولات لا تنسى عام 1766 عرفت بمعركة “أبو طوق” وذلك لأن “القائد الإفرنجي مستر زبيد” كان يتقلد طوقا من ذهب، عندما قتله الكعبيون إلى جانب زميله “محمود كخية”.وفي معرض سرده لأحداث المعركة، يشرح القيّم للجزيرة نت أنه بعد اصطدام رجال القوم بأبواب المدينة المغلقة صنعوا حبالا يرتقون بها سور المدينة، فما كان من الشيخ سلمان إلا أن أمر بفتح الأبواب، فتدفقت سيول الرجال المستشاطة غضبا نحو العدو، فحمي الوطيس حتى استولى بنو كعب على مقر قيادة العدو وقاموا بملاحقة القائدين مستر زبيد ومحمود كخية فقتلوهما.

وتابع المؤرخ القيّم أنه خلال مطاردة بني كعب عربة مستر زبيد ومحمود كخية، ركب رجلان من “آل بونصيري وآل صوفي” العربة وتشاجرا على طوق الذهب الذي كان في عنق مستر زبيد بعد قتله، فما كان من علياء سوى أن انتزعت قلادة الذهب من عنقها فوضعتها إلى جانب طوق الذهب، ثم توقف الرجلان عن التشاجر وأخذ كل واحد منهما حصته ورجعا مسرورين إلى قومهما.

وخلص القيّم إلى أن “التاريخ لم ينصف الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي (الذي حكم الأهواز من عام 1737 إلى 1767م) وكانت له هيبة يضرب بها المثل في الشرق الأوسط، حيث فرض الضرائب على جميع السفن التي تمر عبر المياه الخليجية وتمكن بحنكته من هزيمة القوى البريطانية والعثمانية التي تحالفت مع نادر شاه ضده”.

أيقونة النضالمن جانبه، يعتقد الباحث في القضايا التاريخية توفيق النصاري، أن الذاكرة الأهوازية والحكايات الشفهية التي سمعها الأهوازيون من آبائهم وأجدادهم ساهمت إلى حد بعيد في تخليد بطولات علياء بنت سلمان، مؤكدا أنه إلى جانب الكتب التاريخية القليلة جدا التي توثق أحداث معركة أبو طوق -ومنها نسخ مخطوطة فريدة من نوعها في مكتبة الشويكي بمدينة الفلاحية ومكتبة شيراز والعتبة الرضوية بمدينة مشهد- فإن للشعر دورا بارزا في توثيق المعركة وتبيين دور علياء البطولي فيها.وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح النصاري أن عددا من شعراء الأهواز وثقوا أحداث معركة أبو طوق شعرا؛

ولعل أبرزهم الشاعر الملا فاضل السكراني في قصيدة “أحبك يا فلاحيتي” والدكتور عباس العباسي الطائي في قصيدة “علياء البطلة الأهوازية”.
وتابع النصاري أن الشارع الأهوازي اليوم يعتز ببطولات علياء الكعبي التي يعتبرها رمزا للمرأة المناضلة وأيقونة الحكمة والحنكة، عازيا السبب إلى النزعة القومية والأحداث المأساوية التي شهدتها المنطقة خلال القرون الماضية وعزيمة السكان على المحافظة على الهوية العربية والاعتزاز بالعنصر النسوي باعتباره نصف المجتمع.

الچزيرة