29/1/2023


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


وسط أزمات سياسية طاحنة وانهيار اقتصادي كبير، شهدت الليرة اللبنانية تراجعًا غير مسبوق أمام الدولار، فيما خرج اللبنانيون إلى الشوارع للاحتجاج على أوضاع البلاد، ولا تزال الحلول غائبة مع فشل البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد.

وتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء في العاصمة اللبنانية بيروت عتبة الـ 60 ألفا و500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد. ويعد هذا الانهيار هو الأكثر دراماتيكية في سعر صرف الليرة اللبنانية خلال أكثر من 3 سنوات.

وعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، أمس الجمعة، اجتماعا مع وزير المالية يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في السراي الحكومي، جرى خلاله البحث والتحقيق في الأوضاع المالية والتلاعب الجاري في سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار الأمريكي.

وطرح البعض تساؤلات بشأن الأسباب التي أدت إلى انهيار الليرة بهذه الدرجة، والحلول المطلوبة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تهدد لبنان.

إجراءات مطلوبة


اعتبر الدكتور عماد عكوش، الخبير الاقتصادي اللبناني، أن الجميع يتلاعب بسعر صرف الليرة اللبنانية ويضارب به، إلا أن مصرف لبنان المركزي هو المضارب الأكبر، من خلال تدخله كبائع على منصة صيرفة، ومن ثم شرائه الدولار عبر بعض الصرافين والشركات المالية بسعر أعلى، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر كبيرة له.

وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، يضطر مصرف لبنان بسبب هذه الخسائر ضخ كميات كبيرة من الليرة اللبنانية في السوق لتعويض هذه الخسارة، وهو الأمر الذي يراكم الكتلة النقدية في السوق، ويدفع سعرها إلى الانخفاض عند توقف المصرف عن بيع الدولار على منصة صيرفة، أو حتى عند تقنين عملية البيع.

وعن الحلول المطروحة، قال عكوش إن وقف هذا التخبط يكون من خلال وضع حلول سياسية واقتصادية لما يجري في لبنان، وهذا الأمر اليوم مستبعد في ظل نظام طائفي تحاصصي يشجع على عملية التحاصص والفساد.

ويرى الخبير الاقتصادي أنه يمكن التخفيف من هذا التخبط بنسبة كبيرة من خلال بعض الإجراءات النقدية والمالية، منها إلزامية دفع المساعدات القادمة إلى لبنان عبر البنك المركزي وبالليرة على سعر منصة صيرفة، سواء كانت للبنانيين أو لغيرهم، إضافة إلى تعزيز الرسوم الدولارية من خلال الوزارات كما هو حاصل في وزارة النقل وإلزام دفعها نقدا أو من حسابات جديدة.

وتابع: "إلزام دفع كل الرسوم والضرائب نقدا أو من خلال حسابات جديدة، مع تعويم
سعر الصرف الرسمي بحيث يتم اعتماده في تحصيل كل الرسوم والضرائب وفقا لهذا السعر"، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات كفيلة بوضع حد لتخبط سعر صرف الليرة بنسبة كبيرة كما تحافظ على استمرارية العمل في القطاع العام وتمنع توقفه وشلله.


حلول جذرية


من جانبه اعتبر أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، أن هذا الارتفاع في سعر الدولار وانهيار الليرة بهذا الشكل كان متوقعًا من بداية الأزمة، في ظل عدم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وغياب القدرة على جلب الاستثمارات ورؤوس الأموال وعدم دخول الدولار للبلاد كما كان في السابق، وهو ما سيؤدي حتما لارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هناك طلب كبير على الدولار، وهو غير متوفر في الأسواق، ما يدفع التجار وأصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبيرة للشراء من السوق السوداء مهما بلغ سعره، عدا عن أن السوق في سوريا لا يزال يستهدف المهربين وهناك عمليات تهريب للسلع والمواد المدعومة وللعملة الأجنبية.

وأوضح أن لبنان لا يزال يسير باتجاه الهاوية، مع غياب أي حلول في الأفق، ولن يكون هناك سقف لزيادة الدولار مقابل الليرة، بل يمكن أن يصل لمستويات قياسية كما حدث في فينزويلا، إن لم يتم وضع حلول جذرية لوقف هذا النزيف في العملة المحلية.

ويرى وهبي أن حلول هذه الأزمة معروفة لكن الطبقة السياسية عاجزة عن أي حل، بل لا ترغب في ذلك، باعتبار أن أي إصلاحات أو حلول جذرية ستؤثر عليهم، والجميع شاهد كيف تعاملت الطبقة السياسية مع انفجار المرفأ وحاربوا القضاة، العقلية السياسية في لبنان تنطبق على كل الملفات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وأوضح الناشط المدني اللبناني، أن البلاد في مرحلة انهيار كبير، ولن يوقفها سوى تنفيذ إصلاحات جذرية وفورية، منها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة من خارج العقلية التي حكمت لبنان منذ 30 عاما.

يأتي الانهيار الحاد في سعر صرف الليرة اللبنانية في ظل فراغ رئاسي لبناني منذ أشهر، إذ بتعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال لم تتمكن سوى من عقد اجتماعين بجدول أعمال محدد حتى الآن، فيما أصبح مجلس النواب معطلاً بحكم تعذر انتخاب رئيس جديد على مدى 11 جلسة نيابية حتى الآن.