كتب محمد الوليدي

24 يناير، 2023

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود

وطن- عبدالعزيز بن إبراهيم المعمر من قبيلة أرفع ألف مرة من آل سعود في الجزيرة العربية؛ بل حكمت نجد قبل آل سعود من خلال عاصمتهم العيينة.

وكان عبدالعزيز المعمر من أوائل المتعلمين فيها، ولأنه كان يجيد عدة لغات، استخدمه الملك عبدالعزيز مترجماً له، وحين رآه لديه رجاحة عقل، أرسله في إحدى المرات ليفصل في اضطرابات جرت من قبل عمال سعوديين في ‏أرامكو، وكانت الصدمة حين وجد أن السعودي محروم أن يشرب من الماء البارد فهو للأمريكيين فقط، ومحروم على السعودي ركوب الحافلات فهي للأمريكيين فقط، ومحروم عليهم سكن الفلل والبيوت فلهم الخشش والإسطبلات؛ فصدم عبدالعزيز المعمر من هذا التعامل الشائن وطالب فلويد أوليجر رئيس أرامكو آنذاك، برفع هذا التمييز حالاً‏..

فكتب رئيس أرامكو للملك عبدالعزيز رسالة غريبة: “كيف تضع متعلماً مثل هذا الرجل يعمل في مجلسك!”.

والأغرب كان رد الملك عبدالعزيز والذي طلب الصفح والغفران، وأنه لم يختره لأنه متعلم بل لأنه ابن لصديقه!

ويكتب لهذا الرجل المعمر أنه لم يرضخ لا لتهدئة الملك عبدالعزيز ولا لتهديدات فلويد أوليجر، فكان لجهوده بالغ الأثر على حقوق العمال؛ حيث انضم له ناصر السعيد وعبدالعزيز السنيد وعبدالرحمن البهيجان فيما بعد.

كما قاد عبدالعزيز المعمر إضراب العمال السعوديين في أرامكو في أكتوبر من عام 1953 م ، حيث أضرب 13 ألف موظف سعودي من أصل 15 ألفاً من موظفي الشركة السعوديين، مما أدى لرضوخ الشركة لتقديم بعض الحقوق.

كما يعود له الفضل لمحاولات الإصلاح التي جرت فيما بعد، ولم يكتب لها النجاح بسبب معارضة الأمير فيصل لها بطلب أمريكي، حيث خشيت أمريكا أن تؤدي جهود المعمر ورفاقه الى تأميم شركة أرامكو، وهي المرحلة والتي بزغ فيها نجم عبدالله الطريقي وزير النفط الأسبق، والذي عزله الملك فيصل حال استلامه الحكم.

بعد موت الملك عبدالعزيز استلم ابنه سعود الحكم، فعيّن عبدالعزيز المعمر مستشاراً له، لكن أرامكو وضعته في تهمة أدت ‏إلى سجنه بالرغم من أنه كان مستشاراً في قصر الملك سعود!.

بعد خروجه من السجن اضطر سعود أن يبعده عن السعودية، فعينه سفيراً في سويسرا، فتنفست أرامكو الصعداء!.

ولكن حين انقلب فيصل على أخيه الملك سعود، أول خطوة قام بها الملك فيصل هي استدعاء عبدالعزيز المعمر من سويسرا (نصحه سفير مصر ألا يعود‏؛ بل وقدم له فيلا في القاهرة)، فقد كان محبوباً عند كل من عرفه!.

عندما عاد للرياض عام 1963 م من سويسرا، سجنه الملك فيصل في قبو تحت الأرض في سجن يدعى سجن العبيد، وهو السجن الذي يسجنون به من يستخسرون فيه القتل فيتركونه يموت موتاً بطيئا، والأعجب أنه ظل حياً أو قريباً من حي فيه لمدة 13 عاماً، كانت زوجة المعمر مع أنها من أسرة رفيعة تضطر لتقبيل أقدام الملك فيصل كي يعفو عنه، وهو يرفض.

وفي إحدى المرات التي استطاعت زوجة المعمر وابنته “هيفاء” مقابلة الملك فيصل، رجته ابنته مجدداً، فقال لها فيصل: “إنسي أبوكي من بعد اليوم أنا أبوكي!!”.

وكانت ترجوه على الأقل أن يسجنه في سجن عادي، وظل على هذا الحال لمدة سنة سجيناً حتى قتل الملك فيصل!

13 عاماً في هذا السجن الرهيب، ولم يسبق له أن أدين بأي قضية أو حتى زار محكمة.

في عام 1969 م، وعندما حدث ما قيل إنها محاولة انقلاب على الملك فيصل من قبل عسكريين وطيارين سعوديين، وبلغ بالملك فيصل حتى أن يؤمر باعتقال طياره الخاص، 26 عسكرياً وطياراً اختفوا حتى يومنا هذا، ومن بين الذين اتهموا في المحاولة مات بعضهم تحت التعذيب، كان منهم الملحق العسكري سعود بن إبراهيم المعمر شقيق عبدالعزيز المعمر، وكانت هذه تهمته والتي قتل بسببها في محاولة لنزع اعتراف منه.

عفا الملك خالد عن عبدالعزيز المعمر حال استلامه الحكم، لعلمه بالظلم الذي لحقه، كانت اللجنة التي أرسلت لأخذه من القبو تسأل عما إن كان حياً أو ميتاً، وكانت معها مصابيح ‏قوية لتنشيط بصره فمن فيها يعرفون ما الذي يجري بحق المساجين في هذا القبو خاصة لمن أمضوا فترات طويلة فيه.

سحب من تحت الأرض وجدوه أعمى، حاول الملك خالد علاجه في إسبانيا، ثم أرسله إلى بوسطن في محاولة لعلاجه، ولكن لم ينجح العلاج.

قابلته الكاتبة الأمريكية ليندا بلاندفورد،

وسألته: لماذا سجنوك؟

قال لها إنه حتى هذه اللحظة لا يعرف السبب، وصفته بأنه شارد الذهن وما تبقى من نظر معاً، “كان كحيوان بري أطلق فجأة من قفصه”،

حدثها كيف أنه أمضى في هذا السجن الرهيب في الهفوف هذه السنين دون أن تفك الأغلال من يديه، برفقة 70 شخصاً في ظلمات هذا السجن.
أعيد للسعودية وظل في حالة نفسية رهيبة حتى مات في عزلة سنة 1984 م .