نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

كاريكاتير: عماد السنوني

علي الوكيلي

الأحد 1 يناير 2023

قبل 2017 كانت علاقتي بزوجتي يضرب بها المثل في التواصل والحوار والأنس والألفة، كنا نتغلب على إدمان التلفزيون، وكنت أنا مدمنا على الإنترنت بشكل إيجابي، من خلال البحث والقراءة وتتبع الأخبار الرصينة وغير ذلك. وحين انخرطت زوجتي في موجة الهاتف المحمول، أصرت على استعمال ما نعافه أنا وابنتنا من أجهزة قديمة، تكون في الغالب عبارة عن هواتف “بليدة”، بما يعني أنها كانت تستعمل الهاتف لما وضع له في الأصل، أي التواصل بالمكالمة التليفونية التي تشبه وظيفة الهاتف الثابت.

إلى جانب ذلك لم تكن زوجتي تهتم بالسياسة ولا النقابة ولا النضال، رغم محاولاتي توريطها في ذلك، وقد كانت موظفة في القطاع الخاص وتتعرض للظلم والاستغلال من طرف مشغلها، وحين كنت أحكي لها عن حركة المجتمع التي كنت منخرطا فيها كانت لا تلقي بالا لذلك، مكتفية بهز رأسها بالموافقة دون سؤال أو تعجب أو استغراب.

وحين تقاعدتْ عن العمل أشفقت عليها من كثرة الفراغ الذي لم يكن التلفزيون الوطني أو الرقمي يملؤه، فاشتريت لها هاتفا “ذكيا”، وكنت كاللقلق الذي أراد أن يقبّل صغيره فأعماه.. حيث لاحظت استغناءها عن التلفزيون واستغراقها في لمس سطح الهاتف بلا انقطاع، ليلا ونهارا. فبدأ التواصل يفتر بيننا، حتى وصل إلى ما يشبه الانقطاع، بعد أن امتنعت عن استعمال السماعات حتى لا تجبرني على مشاطرتها تفاهات الشبكات الاجتماعية، وكانت كلما رفعت صوت هاتفها لجأت أنا إلى غرفة أخرى لأنشغل بما يهمني.

ثم ازداد الأمر توترا حين أخذت تحكي لي عن فلان وفلان وعن الحدث الفلاني، ما كنت أعتبره مسطحا أو زيفا أو ادعاء للعلم، وكان ذلك يؤلمها، معتبرة إياه إهانة لها وحطا من كرامتها.

حاولت إقناعها بأن نجوم الشبكات الاجتماعية لا يمكن أن يكونوا مرجعا للخبر أو المعرفة، لكن دون فائدة، فدخلت حياتي كائنات تافهة بالقوة…

وتحولت زوجتي إلى مناضلة تسب الفساد السياسي والاقتصادي والانحراف في العدالة والقضاء، وتسهر الليل مع البث المباشر لمظاهر “النضال” المعلوماتي، ليس بما كونَتْه من رأي، وإنما بما يلقنه لها هؤلاء التافهون.

ليت الأمر توقف عند إفساد علاقتي بزوجتي وبناء جدار عال من البرودة بيننا، وإنما تعدى ذلك إلى الإضرار بسلامتي الصحية، كيف ذلك؟.

في السنة الماضية لاحظت أن برازي يخلف بقايا سوداء رغم صب الماء بعد الوضوء، وحين استشرت طبيب تغذية طلب مني إجراء بعض التحاليل ليكتشف أني أتغذى على بعض المكونات التي ينصح بها خبراء التغذية السلفيون، ما جعلني أنتبه إلى أن طبخ زوجتي تغير كثيرا، اختفت منه الكثير من الوجبات اللذيذة التي كانت تتقنها، وحين كنت أسألها عن ذلك تقول:

“هادا كيدير السرطان، وهاداك كيقضي على الكلاوي”، إلى غير ذلك من المبررات التي لم أكن أناقشها فيها.

لكن حين مضت تطعمني التفاهات الغذائية وفقا لمجرمي التغذية على الأنترنيت قررت أن أهيئ طعامي بنفسي طالبا السلامة.

بعد ذلك، ورفعا للحرج، تنازلت زوجتي عن إطعامي وفق نصائح “علماء” التغذية، وقررت أن تفصل وجباتي عن وجباتها، وأعفتني من هم المطبخ الذي انضاف إلى هم التوتر الأسري.

إذن فلتستعدوا اليوم لزلازل غير منتظرة في حياتكم يفجرها إرهاب المواقع الاجتماعية، تتجاوز العلاقة الأسرية إلى سلامة البدن، وأحيانا سلامة العقيدة، فقد فقدتُ كثيرا من الأصدقاء لأنهم تحولوا إلى تطرف ديني غير معهود، وقد كانوا إلى عهد قريب مالكيين منفتحين على الحياة ملتزمين بواجباتهم العقدية دون شطط.

وتحولت جلساتنا في المقهى من النقاش الفكري العميق إلى هرطقات في الحلال والحرام وعذاب جهنم والأدعية والأذكار وعذاب القبر.

لنستخلص أن هذه الإبداعات التكنولوجية التي سهلت المعرفة والعلم على بعض الشعوب صعّبت الحياة العادية على شعوب أخرى، وأضحت عامل تخلف بدل أن تكون حافزا على التقدم والتحضر.