بقلم / نبيه البرجي - الديار


19 كانون الأول 2022


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


مهرجان القرن.

يا للأدمغة الفذة، الأيدي الفذة، من كل أصقاع الدنيا، التي صنعت الحدث!

المتشائمون جداً، ربما الواقعيون جداً، قالوا «ليلة دخلنا التاريخ بأقدام الآخرين» .

لكأننا

سقطنا والى الأبد من... مؤخرة التاريخ!

ما ينقصنا الدهشة في عالم قالت آني ارنو ( نوبل في الآداب هذا العام) انه يزرع في لاوعينا ثقافة يهوذا.

دعت الى «أن نفتح أبواب الدهشة أمام ذلك الحطام البشري».
الحداد يليق بأوروبا مثلما يليق بانكلترا، في رائعة يوجين أونيل .

فرنسا هزمت، بريطانيا هزمت، ألمانيا هزمت، اسبانيا هزمت، البرتغال هزمت، هولندا هزمت، بلجيكا هزمت، كرواتيا هزمت، بولندا هزمت.
في القارة العجوز يلاحظون أن «ما فعلته الولايات المتحدة بهيروشيما تفعله بنا «. مثلما حوّل ادولف هتلر القارة الى أنقاض، يحوّل جو بايدن القارة الى أنقاض .

فقط ليبقى الاله الأميركي على عرش الكرة الأرضية، ولو بقدمين يغوصان أكثر فأكثر في الدم .

هل هي لعنة الانزال على شواطئ النورماندي...؟

الأرجنتينيون مثلنا .

نبكي حين نفرح.

نحن ورثة قيس بن الملوّح، وهو يمزق ثيابه عشقاً في الصحراء، هم ورثة ارنستو ساباتو الذي وضع، بأصابع محطمة وبعيون محطمة، باقة من الليلك على قبر لوسيل . يا للمصادفة أن الاحتفال بالفوز جرى في شارع لوسيل في الدوحة!
مونديال آخر في مكان آخر.

مباراة بين اللاعبين الكبار.

الجمجمة بدل كرة القدم .

جوزيه ساراماغو قال ان أي نظام بديل يعني اعادة ترتيب المقابر.

الكاتب الأرجنتيني الكفيف والرائع خورخي بورخيس سأل اذا كان الله من يتولى ادارةالعالم.

اضاف «ليس لديّ من طريق آخر سوى أن أبكي على قدمي العذراء» .

لم يفهم من النصوص، ما هي الصفقة «بيننا وبين الله الذي كم أتمنى أن يشبه كهنة القرى لا آلهة الاغريق»...

على من يعشقون راقصي السامبا (وعلى نحو صوفي) أن يميلوا بقلوبهم قليلاً ليعشقوا راقصي التانغو .

لعل ميراي ماتيو غنت لراقصي الفالسOn ne vit pas sans se dire adieu وداعاً فرنسا العزيزة.

لم تعد الحياة وردية La vie en rose، كما غنت ميراي أيضاً.

كم بدا ايمانويل ماكرون بائساً وهو يجرجر قدميه وراء الشيخ تميم بن حمد.

ليلة الأحد لكأنها ليلة واترلو. لوي آراغون لاحظ، وهو يصف هزيمة بونابرت «كيف انكسر صهيل الخيول».

ولكن هل كانت فرنسا فعلاً في تلك اليلة الليلاء؟ السؤال لمارين لوبن، ولاريك ازمور، بالرؤوس التي تشبه القباقيب الخشبية. الفرنسيون القدامى كانوا ينتعلون في بعض الرقصات، القباقيب الخشبية لانتظام الايقاع.لم نر لاعباً بشعر اشقر وبعينين زرقاوين، الكل ملونون. حتى كيليان مبابي، نجم الفريق، من أب كاميروني وأم جزائرية (فايزة العماري).

فرنسا مستعمرة أفريقية.

انتظروا رئيسأً أسود في بلاد لويس الرابع عشر الذي كان يغوي النساء بالشعر الأشقر يتدلى على كتفيه، كما لو أنه يتدلى على كتفي التاريخ...

العباءة الأميرية لم توضع على كتفي مبابي، بل على كتفي ليونيل ميسي.

غالبية اللاعبين أتوا من ضواحي الصفيح، ومن بيوت معذبة.

اللاعب الأرجنتيني ايضاً، وان أحيط بهالة أين منها الأباطرة الرومان.

كرة القدم للفقراء . الكرة الأرضية للأثرياء الذين كما الفيلة حين تدوس الحيوانات الصغيرة. أميركا عادت تحت جنح الظلام.

لا وقت عند الصينيين ليلقوا به في تلك الساحات الخضراء.

دعونا نشعر، نحن الذين ضعنا في تلك الليلة، بين ثقافة الدهشة وثقافة الصدمة، بأننا موجودون فوق الأرض لا تحت الأرض. ماذا في اليوم التالي؟ نعود الى واقعنا كعرب.

عرب الأبراج التي تلامس الخيال، وعرب الأقبية .

احياناً...

عرب الكهوف.

لم تكن قطر، في تلك الليلة الكونية « خيمة الاخوان المسلمين».

أسنانهم الصفراء، عيونهم الصفراء، بقيت وراء الزجاج تتابع أهازيج الكفرة .

لا ندري لماذا يصرّ أساقفة الغيب على التعاطي مع الحياة لكأنها عربة في قطار.

محمود درويش قال (مرة أخرى) «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

فليكن .

شيء من الحياة ما دمنا شيئاً من البشر ...


https://addiyar.com/article/2061242-...B1%D9%8A%D9%86