Aug 11, 2022

محمد الفوزان - السياسة

يقع أحد المساجد المهمّة في العاصمة الايرانية طهران على مقربة من السفارة العثمانية والسفارة البريطانية، وكان هذا على عهد الحكومة العثمانية، وكان موظفو السفارة العثمانية يتجاوزون السبعين شخصاً يرتادون دائماً هذا المسجد، ويتناوبون مع الشيعة في الصلاة فيه.

‏‏عند الظهر يُصلّي موظفو السفارة العثمانية صلاة الظهر، ويذهبون ثم يقيم إمام المسجد الشيعي الصلاة ويصلي الشيعة صلاتي الظهر والعصر جمعاً، ‏أما عند المغرب فيصلي العثمانيون صلاة المغرب، ويتفرّقون ثم يصلي الشيعة صلاتي المغرب والعشاء جمعاً، وبعد فترة يتجمع العثمانيون ليصلوا العشاء فيما بعد، ‏لكن في ليالي الجمعة يطول برنامج صلاة المغرب والعشاء عند الشيعة، ويتجمّع العثمانيون في أطراف المسجد بانتظار ان يفرغ المسجد ليصلوا العشاء.

هنا ينهض قارئ التعزية الذي كان اسمه كميلي، وهو يحضر كل ليلة جمعة وبعد صلاتي المغرب العشاء، ويُخرج كيساً فيه”بقصم”، وهو طعام من نوع خاص ولذيذ ‏فيوزعه على الحاضرين ثم يقرأ التعزية، فقط يذكر مصيبة السيدة الزهراء وكسر ضلعها، ويذكر اسم الخليفة عمر بن الخطاب ويسب ويشتم، وما إن ينتهي، حتى يقوم العثمانيون الذين تجمّعوا لصلاة العشاء ويردّون على افترائه، وتحدث مشاجرات طالما تنتهي بعراك، وضرب وملاكمات الى حد الإدماء وأشد من ذلك، ‏ويستمر الشيخ على هذا كل أسبوع، ولا يقرأ إلا هذه التعزية، وهي مصيبة السيدة الزهراء فاطمة عليها السلام.

‏لكن أحد المستفيدين من رواد المسجد للأكل فقط انتبه الى ذلك وأراد ان يعرف سبب إصرار هذا الشيخ كميلي على تكرار هذه التعزية كل أسبوع!

‏فهل أنه لا يحفظ الا هذا، علماً ان هناك مناسبات حزينة أخرى طوال السنة؟

‏فقرر ان يتحقّق من الأمر، فتبع الشيخ وسأله:” شيخنا الله يحفظك لماذا تُصرّ على تكرار هذه التعزية، وتُحدث مشكلات بين الشيعة والسنة، وينتهي الامر الى ضرب وعراك ويهاجم بعضهم بعضاً، فهل أنت لا تحفظ إلا هذه التعزية”؟

‏‏فقال الشيخ:”لا، لكن المتبرع لهذا المجلس يشترط ذلك”.

‏فقال له: من المتبرع؟

‏فأشار الشيخ إلى بقّال وقال:” إن هذا البقال يعطيني عشر تومانات، وكيساً من “البقصم” أوزّعه على الحاضرين، ويشترط عليَّ أن أقرأ هذه التعزية”.

‏فذهب هذا الرجل الى البقال وسأله:” هل انت المتبرع بالقراءة في هذا المسجد”؟

‏‏قال:” لا، لكن كل يوم خميس صباحاً يأتيني رجل ويعطيني عشرين تومانا، فأعطي للشيخ عشرة تومانات، وخمسة تومانات قيمة البقصم وخمسة تومانات هديةٌ لي، لكنه يشترط ان تكون القراءة على مصيبة فاطمة الزهراء عليها السلام”.

يقول هذا المتطفل فترصّدت هذا الرجل يوم الخميس فجاء كعادته ‏ودفع العشرين تومانا للبقال وذهب فلحقته، وإذا به من موظفي السفارة الأجنبية”.

مصدر هذه القصة كتاب جولة في دهاليز مظلمة حسن الكشميري، الصفحة 98.

m.f.Alfouzan@hotmail.com