بعضها يجعلك سوداوياً دائماً.. كيف تتخلص من “تشوهات الإدراك” التي تحرمك من الحياة المطمئنة؟

عربي بوست

محمد خالد عبدالوكيل



تم النشر: 2022/07/26


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

أخطاء التفكير التي تدفعك لرؤية الأشياء على غير حقيقتها / تعبيرية - Shutterstock


في المقال السابق أخذنا فكرة عن تشوهات الإدراك وأثرها على عقلنا وعلى حالتنا المزاجية وسعادتنا في الحياة بشكلٍ عام، لكن لكي نواجه تلك التشوهات ونصل لدرجة عالية من السلام النفسي علينا أن نتتبع آثار تلك التشوهات للوصول للب المسألة؛ أي سبب حدوث تلك التشوهات في إدراكنا.

تخبرنا نظرية العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أن التشوه في الإدراك يظهر في الأفكار التلقائية التي تنتجها عقولنا، نتيجة التعرض لمثيرات خارجية (مثل مقابلة شخص ما أو تذكر حدث ما أو رؤية مشهد ما). تلك الأفكار التلقائية تؤثر على حالتنا النفسية تأثيراً كبيراً.

وفقاً للنظرية فإن تلك الأفكار التلقائية تستند إلى معتقدات راسخة لدينا، وإن تلك المعتقدات هي المتسبب الرئيسي في المنحى السلبي الذي تأخذه أفكارنا، أي أن انحيازات أفكارنا ناجمة عن انحيازاتٍ فيما نعتقده عن أنفسنا وعن العالم.

مثال على هذا: ربَّى رقيةَ والداها على النقد الشديد والتأكيد على أهمية الإنجاز التعليمي. تفوقت أختها هدى في المراحل التعليمية المختلفة، لكن رقية عانت كثيراً كي ترضي توقعات والديها العالية.

لقد تشكل لديها معتقد راسخ وهو أنها "ليست لها قيمة"، وأنها ستكون شخصاً جيداً إذا "حققت إنجازاً ما". ولهذا، عندما أخفقت في إحدى الاختبارات، تبادر إلى ذهنها الفكرة التلقائية "أنا فاشلة تماماً".

فيما يلي مجموعة من تشوهات الإدراك والمعتقدات الراسخة الخاطئة التي تسببت فيها

1- التسرع في الوصول للاستنتاجات/افتراض وجود علاقة سببية خطأ بين الأشياء Jumping to Conclusions.

مثال: يقول أحمد: لن أجد يوماً عملاً يناسبني.

يستند ما يقوله أحمد هنا إلى معتقد راسخ خاطئ، وهو أن ما قد حدث في الماضي يجب أن يحدث في الغد. أي أن إخفاقه في الحصول على وظيفة ما سيحدث طوال عمره.

2- توقع حدوث كارثة Catastrophizing

ينبع هذا التشوه في التفكير من اعتقاد شائع خاطئ، هو أن على المرء توقع حدوث الأسوأ دائماً لأنه الأكثر قابلية للحدوث.

3- التفكير المتطرف Black and white thinking/ Dichotomous thinking

يعني التطرف هنا الانتقال من أحد أطراف مسألة ما إلى الآخر، والتفكير بثنائية وهمية لا يحتملها الواقع. وهذا في حد ذاته المعتقد الفاسد الراسخ لكل من يفكر بتلك الطريقة؛ أن أي مسألة لا تحتمل إلى عددٍ قليل من التفسيرات، بينما الدنيا حبلى بما لا يرد على عقلنا من تفسيرات.

إذا تعرضت لموقف ما أو قال لك أحدهم ما لم يسرك أو حتى لو لقيك متجهماً، فلا تفسر ذلك في ضوء تفسيراتك المتطرفة المتعددة. أنت لا تعلم شيئاً في الغالب عن ظروف الرجل وأفكاره في الوقت الذي التقيته فيه، كما أنه لا يبيت ليله يفكر فيك حتى تكون الحالة التي رأيته عليها هي نتاج انطباعه عنك.

4- الإدراك بأثر رجعي Hindsight bias

الإدراك بأثر رجعي هو افتراض أنك كنت تملك القدرة على تغيير حدثٍ ما، وينبع هذا التشوه في الإدراك من اعتقادك بأن فهم الأحداث التي أدت لنتيجة سيئة في الماضي يعني أن توقع تلك الأحداث كان ممكناً قبل وقوعها، متغافلاً عن حقيقة أن تلك الحكمة والفهم لم يتأتيا إلا بعد وقوع الحوادث.

5- العنونة Labelling

تحدثنا عنها في المقال السابق، وهي باختصار وصف الشخص لنفسه بصفة ما، أو تصنيف نفسه تصنيفاً ما بناءً على موقف أو حادثة واحدة.
يستند هذا التشوه الإدراكي إلى الاعتقاد بأنه من الممكن وصف الإنسان لحياته أو لنفسه بكلمة واحدة أو حتى بعدة كلمات. إن اللغة لَأعجز من تحقيق هذه المهمة المستحيلة.

6- التعميم المفرط overgeneralization:

ينسحب ذات المفهوم الذي ذكرناه في الفقرة السابقة على التعميم الذي يستند إلى الفكرة الفاسدة، بأن ما هو حقيقي في مسألة ما أو موقفٍ ما ينطبق على باقي المواقف أو المسائل، أو أن ما حدث في موقفٍ ما قابل للتكرار في المواقف المشابهة المختلفة.

إن القولبة (أي وضع العالم بما فيه من أحداث وبشر) في قوالب ثابتة لَأمر مطلوب؛ كي تعين عقولنا على فهم العالم، لكن محاولة الفهم تلك هي آفة العقل البشري، إن علينا أن نتعلم أكثر عن العالم، لكن علينا أن ندرك أيضاً أننا سنظل جاهلين بالكثير من الأشياء، وهذا يفتح الباب للفضول البشري كي يتحرك بنا إلى الأمام دائماً، بدلاً من التقولب والتحجر.

7- الخلط بين الفكرة والفعل thought-action fusion

ينبع هذا التشوه في الإدراك من الاعتقاد بأن وجود فكرة ما في عقولنا عن حدثٍ ما يزيد من احتمالية حدوثه، أو أن وجود فكرة ما في عقولنا نخجل منها تتساوى مع قيامنا بفعل غير أخلاقي ومشين.

إن أبسط تصرفاتنا وأكثرها عفوية تنبع من اعتقادات راسخة لدينا، اكتسبناها من النشأة والبيئة المحيطة والثقافة السائدة والتجارب التي مررنا بها بحلوها ومرها.

ولهذا، فإن تغيير تلك المعتقدات أو تلك المسلّمات -وإن لم تكن مهمة سهلة وتتطلب الكثير من الجهد والتحليل والتأمل في كل أفكارنا وتصرفاتنا- هو ما سيصل بنا إلى حياة أفضل وأكثر سعادة واستقراراً.

ولا يعني هذا أن إعادة برمجة أفكارنا ستغير واقعنا بشكل مباشر، بل إن تغيير أفكارنا سيغير رؤيتنا للأحداث وتعاملنا معها، وبالتالي سنكون قادرين على السير وسط العاصفة بعقل هادئ والرقص تحت المطر بقلب راضٍ طلقٍ سعيد.