نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


رامي جلال


سمحت لى الأيام بزيارة بلدان متعددة، والأهم هو أننى استقررت في بلدان أخرى لفترات معقولة، جعلتنى أراها بعين المُقيم الناقدة المتشككة طوال الوقت، وليس بعين السائح المنبهرة دومًا.

عادة ما نكون انتقائيين في سردنا للوقائع التاريخية وفى روايتنا للأحداث الحياتية، فإن أردنا أن نبرز أفضلية حقبة زمنية ما على أخرى فإننا ننتقى منها ما هو مغسول بماء الملائكة لنصور أن هذا العصر كان عصرًا طوباويًا خاليًا من العيوب، وإن أردنا إثبات أي نتيجة في مقارنة بين أي زمنين أو مكانين، فمن الممكن أن نفعل ذلك بسهولة عبر مقارنة صور قديمة لأماكن راقية بمصر مثلًا، بأخرى حديثة لمناطق فقيرة منها.

وهى لعبة بائسة، فيمكن لأى شخص، بعد خمسين عامًا، أن ينشر صورًا التقطت بمصر اليوم، من مناطق مثل:

الجونة أو الساحل الشمالى أو شارع التسعين بالقاهرة أو أي مكان نظيف شكلًا، ويحنّ للماضى ويصفه بالمتحرر والمنفتح والجميل، كما يمكن الآن وضع صور القمامة في شوارع باريس مع صور أي شارع متطور في أي بلد متأخر لإثبات اللاشىء، فهذه مقارنات انتقائية يقدمها المغرضون ويسعد بها المغيبون.

كلها أمور تبتعد بشدة عن الموضوعية، وهى أمور ووقائع ومواضيع مقتطعة، بسوء نية، عن سياقاتها الحقيقية ودلالاتها التي من المفترض أن تقودنا إلى نتائج غير التي نصل إليها بالفعل.

ومع ذلك فإن رواية أحداث معينة قد تعطينا نظرة أحادية ضيقة لزاوية واحدة من زوايا الأمور، وهذا عادى وطبيعى ومهم طالما لم نعمم هذه الوقائع ونأخذها مقياسًا وحيدًا للأشياء، ونظن أن الحياة لون واحد وطريق باتجاه موحد.

قصة موحية للتأمل عن التعامل الإنسانى بين البشر في أحد بلاد اسكندافيا، تلك البلاد التي تكاد تنفجر من قوة معدلات السعادة بها.

هذه الحدوتة الواقعية تأتى من السويد، وهى دولة بنصف مساحة مصر وعُشر عدد سكانها، ولها نظام ملكى دستورى، وملكها هو كارل جوستاف السادس عشر، وصلاحياته تقتصر على القيام ببعض المراسم الرسمية والاحتفالية.

تحتل السويد حاليًا المرتبة الرابعة في مؤشر تقييم الديمقراطية من بين 167 دولة، بحسب وحدة الاستخبارات الاقتصادية، التابعة لمجموعة الإيكونوميست.

كما تشغل المرتبة السابعة في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية. وهى دولة عضو في الاتحاد الأوروبى، وكذلك في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وقريبًا في حلف الناتو.

في ستوكهولم عاصمة السويد، دلف صديق إلى أحد محال بيع أجهزة التليفزيون بحثًا عن ماركة بعينها، لم يجدها، كان يريد هذه الليلة مشاهدة إحدى مباريات لعبة التنس المهمة بالنسبة له، ذهب لخدمة العملاء لطلبها، اعتذروا له، وفوجئ بهم يقدمون له تليفزيونًا بالحجم نفسه من ماركة مختلفة، لكى يستخدمه لمدة أسبوع، وهى المدة التي يحتاجونها لإحضار النوع الذي يريده.

كما تم الاتفاق على أن يعود هو إليهم بعد انقضاء المدة لتسلم ماركته المطلوبة.

ولم يأخذوا منه أي بيانات لضمان أنه سيعود بالتليفزيون المجانى الذي حصل عليه.

لبى الصديق النداء، وعاد إليهم في الموعد، ليجد مدير الفرع ومسؤول التسويق في انتظاره مع دفاتر ومجموعة رسائل بريد إلكترونى، ليشرحوا له أسباب إخفاقهم في الحصول على ما يريد، ثم كانت المفاجأة الكبرى حين رجوه بحرارة أن يقبل منهم التليفزيون البديل الذي تسلمه من قبل، كهدية بلا مقابل، تعويضًا له عن فشلهم في تلبيه رغباته!

كما لم ينسوا أن يؤكدوا عليه أن هذه ليست عادتهم، وأن فشلهم هذا مجرد كبوة عابرة وليس عادة متأصلة!.

https://www.almasryalyoum.com/news/details/2648788