نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نبيه البرجي - الديار

11 كانون الأول 2021


لأن السعوديين أوصدوا الأبواب، وحتى ثقوب الأبواب، في وجوهنا. ولأن بعضهم، بشراء أهل الدين والدنيا في اليمن، تمكنوا من وقف الزمن، ومن التفتيت القبلي، والتفتيت المناطقي، لهذا البلد، بالتراث الفذ، كي لا تقوم فيه دولة قوية، وربما دولة ثورية وتتفاعل مع المفاهيم الديناميكية للحداثة على كتف المملكة...
لهذا نتوجه الى الايرانيين الذين، اذ لا ننسى مؤازرتهم لنا في اجتثاث الأقدام الهمجية من أرضنا، وفي ارساء معادلة توازن الرعب مع القوة التي لا تقهر (وقد قهرناها بأيدينا)، يعلمون أن لبنان باق، بالرغم من كل مصائبه، وبالرغم من كل أوجاعه، لؤلؤة العرب، ومنارة العرب والعروبة...

نقول للايرانيين، وقد انقضى زمن كسرى أنو شروان وسيف بن ذي يزن، لندخل في الزمن الآخر الذي نرفض ان يكون، وكما لحظت "صفقة القرن"، زمن يوشع بن نون أو زمن ايفانكا ترامب، أي جدوى جيوسياسية وأي جدوى جيوستراتيجية لبقاء اليمن مطحنة لدماء البؤساء، ولعظام البؤساء، سوى فتح الأبواب، أكثر فأكثر، أمام الغزو الأميركي، والغزو التركي، والغزو الاسرائيلي؟

ذاك السلطان العثماني الذي حاول أن يدخل الى دمشق، والى مكة، والى القاهرة، من الباب الخلفي، ألا يختال الآن، على حصان خشبي، أمام الأبواب الملكية؟

ماذا تعني مئات الصواريخ الباليستية، ومئات الطائرات المسيّرة، وهي تنقضّ على المدن، وعلى المطارات؟ هل تراها هزت حجراً في قصر اليمامة؟ هذا ما ينطبق على قاذفات العرب وهي تقتل أطفال العرب، وجدران العرب...

لا شيء سوى التصدع، ولا شيء سوى استنزاف الثروات، واستنزاف الامكانات، وحتى استنزاف الأزمنة. لبنان يزداد اختناقاً و ويزداد تبعثراً، ويزداد موتاً. سوريا تزداد اختناقاً، وتزداد جراحاً. ألا يتفرج الصديق الروسي على القاذفات الاسرائيلية وهي تلامس حتى ثياب جنوده؟

هل يتصور الايرانيون أن الذي يحصل لمصلحتهم، ولمصلحة أصدقائهم، ولمصلحة اليمنيين بالذات ؟ ذاك الدم الذي يراق هو ما تريده الأمبراطوريات، وما يريده الحاخامات (اذا ما تناهت اليكم قهقهات الحاخامات) الذين كانوا، وما زالوا، وراء الحروب، ووراء الصراعات، المبرمجة لابقائنا عى رقعة الشطرنج.

لا يعني ذلك، في أي حال، تسليم اليمن الا لأهل اليمن، ولديهم الكثير من النخب القادرة على الانتقال ببلادهم من ثقافة القرون الوسطى الى ثقافة القرن، بعدما بتنا أمام الحرب للحرب، الوجه الآخر لمعادلة الموت للموت. ألم يصفنا برنارد لويس، بمصطلحاته الفظة، عشاق المقابر؟

حقاً، عشاق المقابر...

ندرك مدى الحساسية الجغرافية لليمن، وكيف أن الذين يلعبون عند مضيق هرمز، يلعبون أيضاً عند باب المندب. المفكر المصري جمال حمدان، وصف تلك المضائق بـ"المفاتيح المقدسة للشرق الأوسط". لا السعودية تستطيع زحزحة النظام في ايران، ولا ايران تستطيع زعزعة النظام في السعودية، لتنتهي الحرب، كما أي حرب أخرى، فوق الحطام، بمفاوضات فوق الحطام. اليمنيون وحدهم الحطام في هذه الحرب...

اتفاق الرياض بات وراءنا. كفى كلاماً عن عبد ربه منصور هادي، الأقل من أن يكون الدمية العرجاء، الأقل من أن يكون الدجاجة العرجاء. لا بد من أن يتفق السعوديون والايرانيون، اذا كانت تعنيهم لملمة الجراح، ولملمة الشظايا، في اليمن، واذا كان يعنيهم قيام دولة الشراكة بين سائر القوى السياسية، على رعاية محادثات بعيدة عن أي مؤثرات، أو تدخلات، خارجية.

اليمنيون، بالرغم من تشتتهم، ان داخل بلادهم أو خارجها، وقد عاشوا التداعيات الكارثية للصراع، يتوقون الى الدولة، والى منطق الدولة. العديد من أصدقائنا اليمنيين أكدوا لنا أن التفاهم بين المكونات اليمنية ليس مستحيلاً...

لن نقول، كما قال لنا أحدهم، لقد مات اليمن وقضي الأمر. قد تكون هناك فرصة ما، لحظة ما، لكي نثبت أننا لسنا عشاق المقابر. لسنا عشاق الجماجم...
.


https://addiyar.com/article/1961014-...A7%D8%AC%D9%85