نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

12 تشرين الثاني 2021

هي ناجية وليست ضحية فلنبدأ من هنا، ولنعمل على تعميم واستخدام هذا المصطلح في جميع كتاباتنا وأحاديثنا التي نتناول بها قضايا التحرش الجنسي ضدّ النساء.

فاستخدام مصطلح ضحية لتوصيف النساء اللواتي تعرضن للتحرّش الجنسي، يرفع من منسوب "ذكورية" المتحرّش الذي لا يخجل من تصرفه بل يتفاخر به إرضاءا لنرجيسيته و"رجوليته المريضة" التي يشبعها بفكرة استضعاف نساء ووضعهن تحت رحمته، وتسجيل "علامة" عليهنّ، وكأنهنّ أصبحن "زيادة رقم" في سجلّ تاريخه النسائي.

عادة ما يترافق فعل "التحرّش" وأشخاص في موقع سلطة، يسيئون استخدامها، بعد أن يتراءى لهم أنه وبالسلطة الممنوحة لديهم، بامكانهم فعل ما يشاؤون دون ضوابط أو حدود.

اعتبريني مثل خيك الكبير

بهذه العبارة برر صاحب إحدى المؤسسات اللبنانية طلبه من موظفة السماح له "بتظبيط" حمالة صدرها، ليبدو شكل ثدييها أجمل على الكاميرا، وتقول في حديث لموقع "الديار"،"عندما رفضت طلبه سخر مني بنظرة مليئة بالاستخفاف والحقارة قائلا "يي بتستحي هيدا شي عادي مش عاملة كاستينغ من قبل؟"، فبدأت بالصراخ وطلبت منه الابتعاد عني وهرعت بالرحيل ليقول "انا كنت فرصة لالك إنتي ما عرفتي تستفيدي منها"، فأجبته "وأنا أنذرتك أنا مني هيك".

أنا رجال وعندي حاجاتي وإنتي "مرا" وفهمك كفاية

"هذا كان شرط المدير لتوظيفي في الشركة"، تقول "م.ع" إحدى ناجيات التحرّش الجنسي في لبنان، في حديثها لموقع "الديار"، فعند تقدمي بطلب وظيفة وأثناء مقابلة العمل اقترب مني وقال "مش ناقصك شي لا جمال ولا ذكى بس غيري هالعقلات"، وعندما سألته عن قصده أجاب "انا رجال وعندي حاجاتي وإنتي "مرا" حلوة وفهمك كفاية"، وعندما لاحظ ترددي قدّم لي عرضه قائلا "ليكي حأعمل معك "ديل" بترافقيني بكل سفراتي، وأكيد مننزل بنفس الغرفة بالاوتيل، وبس نكون برات لبنان معاشك 2000$ فراش وأكلك وشربك ومصروفك عليي طبعا غير الهدايا وبس نكون بلبنان معاشك 1000$ فراش وطبعا أكلك ومصاريفك عليي غير الهدايا شو رأيك؟". فجاوبته "إنت عندك بنت، بتقبلا على بنتك؟"، ليصدمني ردّه "هيي وذكاها"، فقلت له "طلبك مش عندي بالاذن"، وغادرت القاعة فعلّق بالقول "رح ضلّ ناطر بعد 100 سنة"، قلت له "إي خليك ناطر".

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

هذه القصص هي نماذج بسيطة لأحداث تتكرر يوميا واعتداءات لفظية وجسدية تعاني منها النساء في حياتهن اليومية.

هذا وكشفت احصاءات قوى الأمن الداخلي عن ارتفاع نسبة التحرش في لبنان إلى 184% في أواخر عام 2020 وخصوصا في فترة التعبئة العامة! فما هي الاسباب؟ وما الحلول؟

نقص القوانين وغياب آليات الحماية

في هذا الاطار، ترى مديرة التواصل لبرنامج النساء في الاخبار بالمنظمة العالمية للصحف، ميرا عبدالله في حديث لموقع "الديار" أنّ "السبب الرئيسي لانتشار حالات التحرّش يعود إلى نقص في القوانين وعدم وضع ضوابط معينة من قبل السلطة تحمي النساء من التحرّش، وسط غياب لآليات التبليغ خاصة في البلدان التي لا وجود فيها لقوانين تمنع التحرش، هذا وغن وجدت آليات التبليغ لا تكون في معظم الوقت واضحة وفعالة".

مجتمع ذكوري محكوم من قبل الرجال

من جهّة أخرى تردّ عبدالله فعل التحرّش لاحتمال وجود اضرابات نفسية أو سلوكية لدى الفاعل، انما تعتبر هذا السبب تبرير للمتحرش وهو ما ترفضه معللة رأيها بأنّ "المتحرّش يفرض سلطة معينة على شخص أدنى منه، وهو يعي تماما ما يفعل وتصرّفه مقصود عن سابق اصرار وتصميم، فالتحرش يأتي من موقع سلطة، من رأس الهرم إلى أسفله، من شخص ذو نفوذ على شخص ذو نفوذ أقلّ، ونحن نعيش بمجتمع ذكوري محكوم من قبل الرجال، بما أنّ الرجال هم العنصر الطاغي ويحتلون معظم الأدوار الاساسية والمناصب القيادية ومواقع المسؤولية في السياسة والاعلام والمؤسسات الخاصة والرسمية، حيث هناك بيئة حاضنة لهم، تسمح لهم بلوم المرأة في حال وقوع أي حالة تحرش".

ما الحلّ؟

تعتبر عبد الله انّ "أوّل بوادر الحل ّتكون بوضع قوانين لمعاقبة المتحرشين وتوضيح وتعميم آليات التبليغ لحماية النساء تضمن عدم الانتقام مع فرض أنظمة داخلية وخلق مساحات آمنة للنساء داخل المؤسسات، إلى جانب رفع الوعي عن مفهوم التحرش، ما هو ومتى نعتبر الفعل الواقع "تحرّش"، وأعطت أمثلة بأن ّ "دعوة امرأة إلى العشاء لا يعدّ تحرّش إنما الاصرار عليها وملاحقتها فيها تحرّش، والنظرة ليست تحرّش إنما النظرة المترافقة مع ايحاءات جنسية تعدّ تحرشا"، مشيرة إلى أنّ "هناك بعض التصرفات التي كانت مقبولة أما اليوم فهي مرفوضة! وعلى الرجال ان يعوا ذلك، فالهدف ليس "صلب" الرجل، إنما حماية الرجال والنساء على حدّ سواء وليس إلغاء اي جندر، فمقاربتنا شاملة".

ماذا عن القوانين في لبنان؟

تلفت عبدالله إلى أنّه تمّ "إقرار قوانين في مجلس النواب العام الماضي لمناهضة التحرش ضدّ النساء داخل أماكن العمل وأوّل دعوة رفعت في هذا الاطار كانت من قبل مجموعة صحافيات ضد صحافي تحرّش بهنّ، وكان لهذه الصحافيات اثباتات، بينما

أكثرية الحالات هي دون اثبات، وفي غياب الاثبات هناك أكثر من سيناريو، الاشتهاد بكاميرات مراقبة أو رسائل الكترونية، الأمر الذي يصعّب على الناجية أخذ حقها إلا أنّ الاتجاه العام يجب أن يكون نحو تصديق الناجيات، إلا أنّ القانون في لبنان يحتاج إلى اثبات للأسف لتجريم شخص بفعل التحرّش، فيما عليه ببعض الحالات الاكتفاء بالشهادات، دون عبء الاثبات أو أن يضع اثبات عدم حصول تحرّش على المتحرّش وليس على الناجية ".

وتشير إلى أن ّ"هناك الكثير من الاشخاص المتخصصين بالقانون إن كان قضاة و محامين أو نواب لا يقتنعون بهذا المبدأ وهذا ما تعمل عليه الجمعيات الحقوقية والنسائية لايجاد حلّ لعبء الاثبات".

وتكشف عبدالله عن "عدم وجود قانون يحمي من التحرش الالكتروني أو التحرش في الأماكن العامة إنما فقط في أماكن العمل وهو غير كافي، وسط غياب آلية تبليغ فعندما تتقدم السيدة ببلاغ عن تحرّش الكتروني يتمّ السخرية منها خصوصا إذا ما كان المتحرّش يستخدم fake account على وسائل التواصل الاجتماعي".

لا تترددي وبلّغي

وعن احتمال صرف المرأة من عملها في حال قدّمت شكوى عن تحرّش مديرها بها تردّ "يفرض القانون على المتحرّش في حال صرف الناجية من عملها دفع تعويض مادي لها"، وهنا تضيف أنه "في معظم الحالات يتمّ اعتماد مبدأ الترغيب والترهيب مع المتحرّش بها، إمّا عبر زيادة الراتب أو تقديم ترقية أو عبر التهديد بالصرف أو الخصم من الراتب وهو ما لا يجب أن تقع في فخه الناجية وتلجأ للقوانين لاستحصال حقها، لأنه وفي حال تم طردها من المؤسسة سيعتبر هذا الفعل بالقانون "انتقام" وسيصنّف في خانة التحرّش أيضا".



في المحّصلة يبقى على عاتق النساء مهمّة عدم الخوف والضعف أمام المتحرّش أو كل ّمن يحاول إساءة استخدام السلطة المعطاة له عليها، وعدم التردد عن التبليغ وفضحه واللجوء إلى القضاء، فور وقوع حادثة مماثلة، فبالشكوى التي تقدمها هي لا تحمي نفسها فقط بل تحمي جميع النساء اللواتي قد يتعرضن للموقف نفسه من "المجرم" نفسه.



https://addiyar.com/article/1952923-...B6%D8%AD%D9%86

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي