نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

انتصار السلطة

رانيا السعد

لقد انتصرت السلطة مؤقتاً ، وعزاؤنا أن رحم الشعوب في النهاية يلفظ الجنين المشوه لينمو في داخله من جديد أجنة معافاة

حين تتشوه الفطرة السليمة يشكر المظلوم الظالم لأنه عفى عنه بعد أن أدانه عبر قضاءٍ مسيسٍ على جريمة لم يقترفها، وحاكمه على فعل لا يجب أن يُعاقَب عليه.

حين تضعفُ الهمم ينسى المناضل لماذا ناضل في المقام الأول، ويتوه عن هدفه الذي بدأ به وجمّع مؤيديه حوله ، في احتقار بيّن لكل من الهدف ومؤيديه .

حين ينفذ الصبر تختل الموازين القيمية، وتتولى العاطفةُ قيادة ردود الأفعال بعشوائية بلهاء.

حين تفقد الكلمةُ قيمتها المبدئية يتراجع السياسي عن تصريحاته، فتصبح المقاطعة وجهة نظر ، والتفاوض مع السلطة العابثة مرونةٌ سياسيةٌ.

مما طواه النسيان أن المطالبات في حراك ٢٠١٢ تمحورت حول رفض التفرد في السلطة والعبث بالنظام الانتخابي ومقدرات الدولة.

أما عن التفرد فقد تمدد واتسع حتى وصل لأن تدعو السلطة لحوار تختار هي من يمثل الشعب فيه، ليحاور رئيس السلطة التنفيذية الذي طالبت تلك العناصر برحيله ، ورئيس السلطة التشريعية الذي أجمعوا ظاهرياً على رفض رئاسته، ثم يشكرونها على كرمها.
ولا تكتفي بذلك بل توغل في التعسف وتأمر بعدم إشراك الناخبين بالمعلومات، وتمنع التصريح حول مجريات الأمور .

من البديهي أن السياسي الذي يمثل الشعب لديه التزام أدبي نحو ناخبيه بأن يشركهم ويجعلهم على علم ودراية، لا أن يمارس عليهم الفوقية ويعزلهم ، وكأن ما يناقش أسرار عسكرية.
هذا وإمعاناً في تكميم الأفواه أوعزت السلطة لعناصرها بإيصال رسائل للمهجرين السياسيين بأن الصمت عربون حسن سيرٍ وسلوك.

لقد قرأت تعليقات متنوعة لمواطنين يعانون من خلل في الفهم يمدحون السياسي المهاجر الذي يلتزم الصمت لأنه بذلك يثبت ولاءه. أيُّ ولاءٍ ذلك الذي يعيق الصدح بالحق؟ بل يثنون على السياسي المهاجر الذي يجامل السلطة بتقديم واجب العزاء كبرهان لطيب نواياه ونظافة سريرته، ولسان حال المُجامِل يردد مع الشاعر :

مالي مرضتُ فلم يعدني عائدٌ
منكم ، ويمرضُ كلبكم…. فأعودُ

وأما العبث بالنظام الانتخابي فلم يعد يشغل حتى أعتى معاديه الذين أقسموا على عدم المشاركة به فقد أجبرتهم السلطة لا على القبول به فحسب ، بل والترويج وفق هذا النظام. لا بل سنرى قريباً من شباب الحراك الذين وقفنا أياماً متتالية حتى كلّت أقدامنا لمساندتهم في سجنهم يرشح نفسه وفق الصوت الواحد المفروض من السلطة و( يصفّر العداد) على طريقة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح.

وأما عن مقدرات الدولة فلقد تراجع من حمل راية فضح الفاسدين عن استكمال السعي لمعاقبتهم بانشغاله برفع الظلم الخاص به نتيجة ذلك الموقف، ولم ينشغل وحده بل شغل جماهيره معه.

لنواجه أنفسنا بأننا خسرنا كل ما تم تقديمه من تضحيات في سبيل رفض التفرد بالسلطة والعبث بالنظام الانتخابي ومقدرات الدولة، فالمواطن الحصيف لن يصدّق مستقبلاً أولئك السياسيين في أي( قَسَم ) أو (شعار) أو ( بيت شعر حماسي) بعد أن أثبتوا له أن تراجعهم مسألة وقت .

لقد سقطوا باختبار الصلابة في اليوم الذي أصبح فيه جُلّ اهتمامهم هو ( تقليص الخسائر ) من إعادة بعض الجناسي المسحوبة بتحصين الرئيس السابق، إلى تسوّل العفو بقبول التفاوض مع الرئيس الحالي .

لقد انتصرت السلطة مؤقتاً ، وعزاؤنا أن رحم الشعوب في النهاية يلفظ الجنين المشوه لينمو في داخله من جديد أجنة معافاة.

ويبقى الأمل ببزوغ جيل جديد أكثر صبراً و صلابة ومصداقيةً وتمسكاً بالكلمة والموقف. جيل لا يشحذ عفواً من ظالمه ولا يتنازل عن حقوقه. جيلٌ يتحمّل مسؤولياته التاريخية ويسمّي بصراحة سبب ما نحن فيه من حالة الهزل السياسي عوضاً عن تتويجه بالألقاب الفارغة.

ختامها شعر :

سم السبب يا عارفن عنه سّمّه
سَمّ السبب يا عارفه قبل أسمّيه
بندر بن سرور

١٨ اكتوبر ٢٠٢١

لندن