نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

سليمان ماجد الشاهين

30 يوليو 2020

رحمك الله يا عم عيسى يعقوب بشارة إذ انتقلت إلى رحابه بعد قرن من الزمن، كنت شاهدا فيه على مراحل عاشتها كويتنا، التي عشقتها في كل مراحلها وأحوالها، وعند ملامسة القرن، فإن آحاد «السنيّات» أكثر أو أقل لا تغير شيئاً في هذا العمر المديد، فأنت تمثل أواخر من بقي من جيل النواخذة أطال الله عمر من يعيش منهم بيننا. .. في العاشرة من عمره – نعم في العاشرة – اصطحبه والده المرحوم يعقوب بشارة على سفينته المسماه «السهيل»،

في سفرة إلى الهند مروراً بالموانئ المتعددة لمدة سبعة أشهر متواصلة بعيداً عن والدته ورفاق طفولته ولم يكن الوحيد في جيله، فقد كان هذا الأسلوب متبعاً عند من يعتقد بأنها الوسيلة الأفضل لتدريب من يحلم باختيار البحر مهنة له.. هذا وبدأ مستقلاً في بوم «فتح الكريم» بمهنة «معلم» مع النوخذة المرحوم عبدالله العثمان، وهذا البوم ملك المرحوم عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان، بعدها ركب بوم «السردال» الذي يملكه المرحوم أحمد الخرافي.. وبطبيعة الحال،

فإن دور النوخذة لا ينحصر في تسيير السفينة إلى الموانئ المقصودة، بل كيفية إدارة البحارة حين يتجاوز عددهم الخمسة والأربعين في غالب الأحوال وما يتطلبه الأمر من حزم، ربما يصل إلى القسوة أحياناً بالإضافة إلى تغير نوع البضاعة التي يحملها «البوم»، فمثلاً يتحدث المرحوم عن نقل الخيول، حيث يتطلب الأمر العناية القصوى في التعامل مع هذه الخيول، ما يتطلب المزيد من كميات مياه الشرب التي تستغرقها الرحلة من البصرة إلى الموانئ الهندية.

هذا، ولعل المثل القائل «لكل بحار قصة مع البحر».. ينطبق على النوخذة – رحمه الله – إذ عندما يسترجع ذاكرته يتوقف عند الحادثة التي تعرض لها في البوم «نايف» للمرحوم محمد ثنيان الغانم، ففي عام 1945م والسفينة في طريقها إلى الموانئ الهندية ومنها إلى موانئ شرق أفريقيا، تعرض «البوم» إلى عاصفة عاتية في ليل بهيم بالقرب من جزيرة «خارج» الإيرانية أطاحت بالشراع، وتلاعبت الرياح بالسفينة،

وبالطبع أن النوخذة في مقدمة البحارة لمعالجة الموقف مما عرّضه إلى أن يقذف به الشراع المنفلت في البحر ورغم المحاولات في إنقاذه فقد تعذر على من بالسفينة إنقاذ النوخذة الذي يحاول عبثاً أن يتبين «البوم» بعد ان حالت الرياح بينه وبين السفينة وعلى مدى ستة ساعات من البحث والعم عيسى يصارع الأمواج لم ينقذه منها سوى نور الفجر الذي تبين له «البوم»،

كما استطاع البحارة إنقاذه بإعجوبة، ولذا فهو يردد «ان البحر لا يؤتمن». على أية حال حين أورد هذا الموقف بتفاصيله فإني أردت به ربط هذا الموضوع بالرؤية الشخصية للمرحوم حيال حدث عابر حدث له منذ سنوات قليلة مضت، فبعد اعتزاله للحياة العامة تم تجهيز حمام سباحة خاص للتمرين على تحريك العضلات بعمق لا يتجاوز المترين في حديقة منزله وبإشراف ممرضة أو مدربه وانزلقت رجله وفي لحظات كما يقول – رحمه الله – «وجدت نفسي مسطحاً في قاع الحمام انظر للسماء ولمنزلي ولا أستطيع تحريك أطرافي وأنقذ نفسي من موت محقق لولا انتباه الممرضة التي كانت على ما يبدو مشغولة بهاتفها» فبادرت لإنقاذه في اللحظة الحرجة.

وللحقيقة طرحت عليه سؤالاً مستدرجاً إياه للحديث عن شعوره في تلك اللحظات.. فأجاب دون تردد رغم انها ثلاث دقائق أو أقل فإنه سيطرت علي حالة غريبة إذ وجدت نفسي أصارع الموت خلال غرقي في حادث البوم «نايف»، فكيف انتهي بميتة رخيصة، لا معنى لها في عمق لا يتجاوز المترين في حمام السباحة من البورسلان «في حديقة منزلي».

رحمك الله يا عم أبا أحمد وأنت تغادرنا إلى رحاب الله تاركاً ذكراً طيباً عن حياتك في أذهان أحفادك وأولادك ومحبيك.

سليمان ماجد الشاهين


للمزيد: https://alqabas.com/article/5790421