ندوة في الرباط تسلط الضوء على المعالم الكبرى للخطاب الإسلامي في عصر العولمة


الرباط: عمر عبد السلام

أثارت الندوة الفكرية التي نظمتها أخيرا في الرباط حركة التجديد والإصلاح المغربية حول قضية (تجديد الخطاب الديني) نقاشا ساخنا ومستفيضا نظرا لتباين الانتماءات والرؤى الفكرية للمشاركين والمعقبين في الندوة، ولشعور الجميع بأن هناك أزمة حقيقية في الخطاب الإسلامي تطلب البحث عن فهم جديد وغير مشوه لهذا الخطاب، ولتلافي التطبيقات الخاطئة التي تكونت وتراكمت تدريجيا مع الزمن.
الدكتور محمد يتيم الكاتب الإسلامي، والعضو البرلماني عن حزب العدالة والتنمية المغربي، استهل الندوة بالتأكيد على أن تجديد الخطاب الديني، هو فرع من تجديد دين الأمة التي لا تستحق العظمة إلا إذا حققت مقاصد الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي ينبغي عليها أن تولي قضية تجديد الخطاب الديني أهمية كبرى والتي أصبحت تفرض نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد أن شهد العالم في السنوات الأخيرة كثيرا من الأحداث على رأسها الهجوم الإرهابي على واشنطن ونيويورك، والتي على إثرها وجهت أصابع الاتهام إلى الخطاب الديني ورؤية المسلم للآخر وتصوره لقضية الإصلاح والتغيير، وهذا تزامن مع عصر العولمة التي سهلت سبل التواصل بين الشعوب والتفاعل بين الثقافات بحيث لم يعد بالإمكان إنتاج خطاب معزول عن العالم ولا يستفز ويستنفر الآخرين، هذا بالإضافة إلى أن الإسلام أصبح له وجود عالمي وجزءا لا يتجزأ من العالم الغربي نفسه ، بل أصبح أكثر الأديان الذي لديه أتباع، كما أن العولمة التي ينظر البعض فقط إلى جوانبها السلبية، تقدم فرصا أكبر لتقدم الدعوة الإسلامية وتحقق للمسلمين فرصة لتجديد الفكر والخطاب الديني الإسلامي، والتقدم في قضايا كالأسرة، والمرأة، والديمقراطية والشورى، والدولة المدنية، والعلاقة بالمنتظم الدولي، وغيرها من القضايا التي تفرض ملاءمة الفكر والخطاب الديني مع معطيات العالم المعاصر.

وقال الدكتور يتيم إن القضايا المذكورة تطرح في العالم الإسلامي اليوم عدة إشكاليات وتساؤلات منها: كيف التعامل مع الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وإصلاح مناهج التعليم حين تصدر من مراكز قرار ولوبيات معادية للإسلام والمسلمين هدفها أن يكون الخطاب الديني الإسلامي منسلخا عن الهوية ومهادنا لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ ثم ما هي الأهداف التي ينبغي أن ترسمها حركة تجديد الخطاب الديني؟ وما هي المعالم الكبرى في منهج التجديد في ظل عصر العولمة؟ وما هي مظاهر الخلل اليوم في الخطاب الإسلامي المعاصر؟ الباحث عبد الصمد بلكبير، المحاضر في كلية اداب مراكش، واحد المتبنين لتيار المصالحة والمواءمة بين الفكر القومي والإسلامي الأصولي، قال إن قضية تجديد الخطاب الديني لم تعد رهانا يهم المسلمين وحدهم، لأن هناك نهضة وانبعاثا للدين والتدين على الصعيد العالمي، وبالتالي على المسلمين ألا يرتبكوا أو يترددوا من خطاب الآخر عندما يسعوا لتجديد الخطاب الإسلامي، لأن ذلك ليس استجابة للآخر، بل هو واجب ديني لأنه يستحيل الحفاظ على الدين ما لم نجدده، وبالتالي يجب ألا يخاف المسلم من الاجتهاد، فالتطور في علاقة المسلمين مع غيرهم يفرض عليهم أيضا التجديد في دينهم وخطابهم.

ونبه بلكبير، إلى أن الحرب المعلنة اليوم ضد الإسلام هي في حقيقتها ضد المسلمين كأمة بدأت برأسمالها المادي في النهوض، ولهذا استهدفت العديد من المؤسسات الإسلامية المالية الكبرى وإفشال مشاريعها في شتى أنحاء العالم، وعندما يستخدم المسلمون الدين لتحقيق نهضتهم الاقتصادية، توجه السهام إلى منابع هذا الدين لوقف هذا الانبعاث المادي بحجة محاربة الإرهاب.

أحمد الريسوني، أستاذ الفقه الإسلامي، والرئيس السابق لحركة التجديد والإصلاح المغربية، قال إن هناك بعض القضايا تعتبر اليوم من أهم الأمور المعروضة على خطاب التجديد الديني وتعتبر نقطة الانطلاق للفكر الديني عموما، وهي : ماهية رسالة الدين ـ لأن الخطاب الديني عليه أن يركز ويعيد النظر في هذه المسألة خاصة أنه توجد في واقعنا اليوم تصورات متعددة للدين ورسالته، فالبعض من السياسيين والمثقفين ينظرون إلى الدين على أنه مشكلة من مشاكل العصر، فهو بالنسبة إليهم مشكلة أمنية، ومدخل للنزاعات والحروب، وبالتالي يحاول هؤلاء كبح هذا الدين بشتى الوسائل. فيما البعض من المسلمين كذلك يرى الدين فقط مجرد تكليف وتكبيل وتضييق أراده الله لعباده وما عليهم إلا أن يمتثلوا له ليلقوا الجزاء في الآخرة، وبهذه النظرة الضيقة تقتل الأفكار والطموحات لدى المسلم فيضيق على نفسه وعلى أسرته ومجتمعه، في حين أن الدين هداية وليس نكاية وتعذيبا للنفس، فهو رحمة وليس نقمة، فالدين سعادة وليس شقاء. فالدين حل للمشكلة، وليس هو مشكلة، وبالتالي عند مراجعة خطابنا وتجديده كيف نجعل من الدين حلا لكل مشاكلنا.

وأضاف الريسوني، إن أهم الأمور التي تحتاج إلى مراجعة في الخطاب الديني هو ذلك الفكر المتسم في جزء كبير منه بـ (المظلومية) وهذا الفكر نابع من كون الأمة منذ ظهور مشكلة فلسطين وقعت في سلسلة من الظلم الفادح الذي ولد لدى البعض مرارة وغضباً وألماً وأنتج خطابا متسماً برد الفعل العنيف، وقد توالى هذا الفكر وتضخمت لديه نزعة التكفير والعنف ونزعة استحلال الأموال والدماء والتنكر للقوانين فظهر ما يعرف بالتيار الجهادي، فهذا النوع من الفقه الذي أطلق عليه الريسوني (فقه المظلومين) يرى أنه يجب أن يتراجع ويعيد النظر في مفاهيمه لأن الظلم شيء والدين شيء آخر، فالظلم لا يمكنه أن يحلل حراما.

أما الدكتور المختار عبدالاوي، المحاضر في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قال أن هناك الكثير من التغيرات مست العالم الإسلامي نتيجة لهجمة العولمة بكافة وسائلها على هذا العالم وحدثت الكثير من التغيرات خاصة في الجانب الاقتصادي والسياسي، ولكن الرهان الثقافي للمسلمين ما زال صامدا أمام هجمة العولمة وهناك مقاومة ثقافية إسلامية ضد هذه العولمة، ولكن لتقوية هذا الدور الثقافي والحفاظ على استمراريته أن تنخرط النخب والأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية في حركة العالم الكونية ولا تعزل نفسها بأن تربط مصيرها بمصير حركة دول العالم الثالث التي تكافح بدورها هيمنة العولمة والرأسمالية المتوحشة ، وتعمل معها من أجل قضايا مثل، البيئة وصحة الإنسان، وإلغاء المديونية للدول النامية، حتى تعطي للقيم الأخلاقية والروحية الإسلامية انعكاسها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وعقب الدكتور محمد سبيلا، المحاضر في الفكر الفلسفي، على الآراء التي طرحت في الندوة، وقال أن العالم الإسلامي من خلاله نخبه يجب أن يفهم أن منطق العالم المعاصر اليوم هو منطق القوة المادية المبنية على التفوق العلمي والتكنولوجي ويستعمل المنطق الأخلاقي للتمويه فقط، وبالتالي فتجديد الخطاب الديني يتطلب تجديد النظر إلى الذات والعلاقة مع الآخر من خلال ما يتوفر عليه العالم الإسلامي من مصادر قوة تكنولوجية وعلمية، وهذا يتطلب الإنصات لمعطيات العلم ليس في جوانبه الرقمية والإحصائية فحسب، بل من حيث التصورات الجديدة التي يأتي بها هذا العلم، فالعلوم الطبيعية تقدم اليوم ثورات فيما يخص الكون. كذلك يجب الإنصات للعلوم الإنسانية لفهم الظاهرة الإنسانية الاجتماعية من حيث إنها ظاهرة تتحكم في عدة عوامل يتعين اكتشاف قوانينها، وفهم الظاهرة الإنسانية خارج هذا المنطق يعتبر فهما خارج العصر، ولفهم الظاهرة الدينية باعتبارها ظاهرة إنسانية فقط لم يعد فهمها من الداخل فقط، لابد من مراعاة محدداتها الاقتصادية والتكنولوجية وغيرها، وتجديد الخطاب الديني يتطلب استيعاب معطيات العلم الحديث ليس في منظوره التقني فحسب، بل في منظوره الفكري والفلسفي أيضا.

وقال مصطفى القباج، أستاذ علوم التربية في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن التجديد لا يعني فقط ترميم وإصلاح وإعادة صياغة للمفاهيم الدينية، ونقل الحوارات والمناقشات من الغرف والقاعات الضيقة إلى فضاء رحب وأن تكون المشاركة فيها مفتوحة على العموم، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المصيرية للأمة الإسلامية كقضية التجديد في الخطاب الديني، واضاف أن فرنسا أعطت درسا مفيدا هنا عندما حولت مسألة الاستفتاء على الدستور الأوروبي من ( قضية نخب ) إلى قضية عامة فتح فيها نقاش جماهيري واسع قال كل واحد كلمته ، ومثل هذه الرؤية المتقدمة في فهم القضايا المصيرية تنير معالم الطريق للناس ليتبينوا الجهة الصحيحة التي يجب أن يسيروا إليها.