نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


أسامة غريب

زمان كنت أشعر بالغضب عندما أجد نفسى محاصرًا مع قدوم شهر رمضان ببرامج دينية إذاعية وتليفزيونية، يتلقى فيها فضيلة الشيخ أسئلة المستمعين والمشاهدين التى تشغل بالهم عن حُكم من يشرب سهوًا أو يأكل دون قصد.

كنت أستاء لتفاهة السؤال وحماقة السائل مع جدية الشيخ وحماسته فى الإجابة، وكأنه يجيب عن سؤال خطير! كان ضغطى يرتفع وأنا أرى من يسأل عن رأى الدين فيمن يبتلع ورقة!

أنا أعلم أن الناس لا تبتلع الورق فى رجب أو فى شعبان، فلماذا يخشون من قفز الورق إلى أفواههم ثم تسلله إلى أمعائهم فى رمضان؟

وكان يدهشنى أن الشيخ لا يغضب من السؤال ولا يحاول أن يطلب من الناس أن يرتفعوا إلى مستوى الشهر الكريم ويكفوا عن الأسئلة الخائبة. ولعل هذا هو ما كان يشجع السائل التالى على أن يسأل مولانا عن حكم من يبتلع ريشة!

لا أنكر وجاهة رأى من أرجعوا سعادة الشيوخ بهذه الأسئلة الهايفة وتشجيعهم الناس عليها إلى أنها بالنسبة لهم كنزًا يكسبون منه مالًا وشهرة، وبدلًا من أن يستفيدوا من قوة الدين فى نفوس الناس لحضهم على العلم والعمل ورفض الظلم، فإنهم يساهمون فى صُنع المواطن الجاهل، وهذا بالتأكيد يعفيهم من حرج مواجهة أسئلة تليق بإنسان محترم مثل: ما حُكم المسؤول الذى يعد ولا يفى؟ وما قول الدين فيمن يجمعون المليارات فى رمضان باسم العمل الخيرى، ثم يستولون على المال السايب دون محتاجيه من المرضى والمعوزين؟

ومثل: ما رأى الدين فى رفع الدعم عن الغلابة دون زيادة مرتباتهم وتركهم للعذاب والجريمة؟ وما حكم إنتاج مسلسلات خليجية تمجد العدو الصهيونى؟ وما القول فى رجل أعمال يختبئ مع أسرته داخل حصن بينما يطلب من العمال النزول فى ذروة الجائحة؟

كل هذه أسئلة لا يريدها رجال الدين ولا يسعدون بها، لأنها تُحرجهم وتضطرهم إما لقول الحق الذى قد يؤذيهم أو الجهر بالباطل الذى قد يكشفهم أمام الجمهور، لذلك فإن سعادتهم تتعزز كلما عرض لهم سؤال من عينة حكم نكاح الحيوانات نهار رمضان، وغيرها!

لكن أقول لكم الحق.. كل الغضب الذى كان ينتابنى فى السابق من مثل هذه الأسئلة وإجاباتها قد زال وحلت مكانه حالة من الرضا والسكينة.. لقد أصبح مزاجى يعتدل عند سماعى لسؤال من عينة حكم استخدام الشطاف فى رمضان، وأصبح يسعدنى الاستماع إلى الإجابة العميقة التى تبيح الشطاف بشرط ألا يصل الماء إلى المعدة ثم يعبرها ويملأ الفم!

.. لا أرحب بهذه الإجابات لأنها كوميدية أو مسلية كما قد يظن البعض، وإنما بالأساس لأنها إجابات فلسفية تعبر عن خصوصيتنا وهويتنا الثقافية التى نخشى عليها من الضياع.. فى الغرب مثلًا لن تجد سؤالًا كهذا، لأنهم لا يعرفون الشطاف!.



https://www.almasryalyoum.com/news/details/1972811