2/8/2019 الجمعه


محمد علي فقيه

مذكرات المرشد السيد علي خامنئي عبارة عن رسالة للشباب العربي لتعرف على إيران ومشروعها الحضاري من خلال تجربة المرشد، وعلى أغلب المحطات التي جعلته رئيساً للجمهورية ومن ثم مرشداً لإيران حتى إنتصار الثورة عام 1979.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

كتاب "إنّ مع الصبر نصرا" للمرشد الخامنئي رسالة للشباب العربي

يتحدث كتاب "إنّ مع الصبر نصراً" عن مذكرات مرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي باللغة العربية حول مرحلة ما قبل الثورة.

وقد اقترنت المذكرات الصادرة عن مكتب "حفظ آثار ونشر آثار الإمام خامنئي" بالذكرى الأربعين لأنتصار الثورة الإيرانية، وطبعه مركز الحضارة لتنمية الفكر في بيروت.

فالمذكرات عبارة عن رسالة للشباب العربي لتعرّف على إيران ومشروعها الحضاري من خلال تجربة المرشد من الولادة، حيث تم التركيز على أغلب المحطات التي جعلته رئيساً للجمهورية، ومن ثم مرشداً لإيران حتى إنتصار الثورة عام 1979.

تقول مقدمة "مكتب حفظ آثار ونشر آثار الإمام خامنئي" للكتاب: كل المتخصصين في اللغة العربية وعلوم القرآن ممن يعرفون صاحب هذه المذكرات يلفت نظرهم فيه ولعه المتميز بالقرآن واللغة العربية، وعندما دخل في "الكُتاب" كان يقرأ الجزء الثلاثين من كتاب الله العزيز.

ويتضمن الكتاب الذي يبدأ بإهداء خطي من المرشد السيد خامنئي إلى الشباب العربي، حوارات شفوية باللغة العربية للمرشد الإيراني، تم تسجيلها أثناء جلسات كان يقيمها القائد –قبل عقدين من الزمن- على نحو أسبوعي، يتناول فيها مواضيع مختلفة من حياته الاجتماعية والعلمية والجهادية باللغة العربية منذ ولادته حتى تاريخ انتصار الثورة الإسلامية، وبالأخص الجزء المتعلق بالسجون والمعتقلات. وقد أعدها كنصوص أستاذ الأدب العربي في جامعة طهران الدكتور محمد علي آذرشب، وراجعها المستشار الثقافي الإيراني في بيروت محمد مهدي شريعتمدار.

يروي آذرشب أنه قيل للمرشد خامنئي في إحدى تلك الجلسات "أنت تتحدّث الآن باللّغة العربيّة وتتطرّق أحياناً إلى بعض ذكرياتك حول السجون والمعتقلات والمسائل الثّقافية والعمليّة باللّغة العربيّة، حبّذا لو تفضّلت بالحديث عن حياتك الأدبية والثّقافية والعلميّة والجهاديّة منذ البداية بالعربية، ومن دون أي تأخير استجاب وبدأ يتحدث باللّغة العربيّة عن هذه الذكريات التي سُجِّل بعضها وکُتِب بعضها الآخر، ثم بعد ذلك خرجت بهذا الشكل الذي ترونه في الكتاب".

تبدأ مذكرات المرشد خامنئي بالحديث عن البيئة العلمية التي تربى فيها:

والده هو السيد جواد خامنئي من أسرة علمية معروفة في تبريز. وقد تخرج على يد كبار العلماء مثل الميرزا النائيني وأبي الحسن الأصفهاني. وكان عفيفاً ذا حياء مترفعاً عن المال. يقول المرشد: لقد شاهدت من الفقر في بيت والدي ما قل أن يشاهد مثله أحد. كان يضطر أحياناً إلى بيع كتبه كي يوفر ما يسد به رمقهم من الفقر، مع أنه كان مغرماً بها ويعشقها.

ويضيف أن والده كان يذهب إلى المكتبة فيأخذ الكتاب من أجل أن يبيعه ثم يعز عليه بيعه، فيعيده إلى مكانه، ويأخد الثاني والثالث..حتى يقع الإختيار مرغماً على بعضها، فيأخذها ويقول لأحدنا خذ هذه الكتب إلى الشيخ هادي، وبعها له.

أما جدّه أي جد المرشد هو السيد حسين خامنئي الذي يتوقف كما – يقول – قليلاً عند شخصيته، فقد درس الجد السيد حسين عشرين عاماً في النجف، فكان من تلاميذ أهم علماء عصره: الشيخ الشريباني والشيخ حسن المامقاني والد الشيخ عبدالله المامقاني صاحب كتاب "مراَة الكمال". والجد هو والد زوجة الشيخ محمد خياباني الذي استشهد على يد أزلام الدولة القاجارية.

وينقل المرشد عن والده بأن جده كان ينام أول الليل بعد العشاء ثم يستيقظ قبل ساعتين من طلوع الفجر للعبادة والمطالعة، كان من الأعلام وكثير من علماء تبريز قد تتلمذوا عنده في النجف.

يعطي المرشد حيّزاً مهماً للقرآن الكريم واللغة العربية ومدى إهتمامه بهما: يبدأ بالحديث عن والدته التي كانت نجفية المولد وعربية اللهجة وتتكلم العربية باللهجة العربية النجفية. كانت تواظب على قراءة القرآن كل يوم بصوت رائع. "كانت طريقتها في القراءة يجذبنا ونحن صغار، فنلتف حولها، ونصغي إلى تلاوتها.

يقول: تعلمت من الوالدة أوليات القرآن وقواعد اللغة كما غذتني بروح الشجاعة. لقد عانت الوالدة من اعتقالاتي المتواصلة واقتحامات السافاك".

ويكشف القائد أن بداية دراسته بدأت من "الكتاب" قبل أن أن يلتحق بالمدرسة الإبتدائية، فبدأ مع أخيه بدراسة جزء "عم". وهنا يتذكر المرشد كم كان المعلم غليظاً. وكيف كان يقطع الطريق من البيت إلى محل الدرس بحذاء مثقوب يتسرب من الوحل إلى رجله في الشتاء.

ويستأنف بقوله: كنت في هذه المدرسة بارزاً في تجويد القرآن الكريم بصوت جميل. ويتذكر أنه قرأ القرآن أمام أية الله الكاشاني, وأمام السيد حسن القمي الذي قدم له جائزة وهي كتاب "تعليمات ديني".

يتوقف السيد خامنئي حول ما كان شائعاً في إيران من إستهزاءً بالعمامة بمختلف السبل وتحول إلى روح جماعية. ويعتبر أن هذا الجو هو نتيجة خطة مدروسة جندت لها الشائعات لفصل علماء الدين عن المجتمع والحياة.

ويسرد كيف كانت لعلماء الدين مواقف صلبة في تاريخ إيران المعاصر إزاء المحتلين والطغاة، من ذلك موقف الميرزا القمي تجاه الروس، فقد أصدر فتواه الشهيرة في رسالته المعروفة باسم "الرسالة العباسية" في زمن عباس ميرزا إبن فتح علي شاه، ومن ذلك موقف المرجعية الدينية في حادثة التنباك، وموقف علماء الدين في الحركة الدستورية. خذ على سبيل المثال موقف المرحوم المدرس.

حبّه للغة العربية


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المرشد الخامنئي في مذكراته: أهتز من الأعماق عند سماعي اللغة العربية

ينتقل المرشد بعدها إلى الحديث عن تجربته في الدراسة الحوزوية وبالأخص منه بحث الخارج. ويؤكد المرشد على أهمية كتابي "المطول" و"المغني" فالأول مفيد في العلوم البلاغة، والثاني كان لا نظير له في علم النحو.

ويرى المرشد الخامنئي بأن لحدة الوالد وشدته سلبيات، "لكني لا أنكر إيجابياتها فهذه الشدة جعلتنا منضبطين وأبعدتنا عما وقع فيه بعض أبناء العلماء من انحرافات بسبب تسيّبهم. وكان من أثر ذلك أنه أنهى علوم اللغة العربية وسطوح الفقه وأصوله خلال خمس سنوات ونصف السنة".

يقول: "يعتريني شعور خاص حين أستمع إلى اللغة العربية، وأهتز من الأعماق لسماع هذه اللغة. كنت دائماً أحب لو عشت شطراً من أيام طفولتي في منطقة عربية، سواء في إيران أو غيرها، لكثرة حبّي لتعلّم العربية. والواقع أن الإيرانيين عامة والمتدينين بشكل خاص، يحبّون اللغة العربية بدرجة وأخرى. والعلاقات الأخوية القائمة على مر التاريخ الإسلامي بين الإيرانيين وجيرانهم العرب ليس لها نظير بين أي شعبين من شعوب العالم..".

ويتحدث المرشد عن أنه كان خلال سفره إلى العراق يبذل جهده كي يتكلم باللغة العربية فقط، وكيف كان يواجه أحياناً مشكلة الفرق بين الفصحى والعامية، وكيف كان يبحث عن منطقة في العراق لا تتحدث الفارسية كي يتكلم العربية وحدها، فيذهب إلى الكاظمية في بغداد لأجل ذلك.

وقد ترجم المرشد الخامنئي بعض الكتب من العربية إلى الفارسية وبينها كتاب "دمعة وابتسامة" للأديب اللبناني الشهير جبران خليل جبران، بعد قراءته لبعض كتبه، وهو أول عمل ينقله من العربية إلى الفارسية. وبعدها ترجم بعض كتب سيد قطب ومحمد قطب.

من هوايات المرشد ولعه بالمطالعة حيث يقول: "كانت لي ذكريات كثيرة أذكر واحدة منها: وهي ولعي بمطالعة القصص والروايات المشهورة العالمية والإيرانية. ولعلي قرأت كل روايات ميشيل زيفاكو وتبلغ عشراً. وقرأت روايات ألكساندر دوما الأب والإبن، كما طالعت جميع الروايات الإيرانية او أكثرها".

وبقي المرشد في كل مراحل حياته كلها يعيش أجواء هذه اللغة من خلال القرآن والحديث ونهج البلاغة والجيد من الشعر العربي والنثر العربي. لم تنقطع يوماً علاقته بهذه اللغة في حياته العلمية على صعيد المطالعة والبحث والتدريس والترجمة.

إن مذكرات المرشد الخامنئي تشكّل خريطة معرفية إدراكية لمعرفة منهجية المرشد وما قرأه من أمهات الكتب والمراجع من خلال من ذكر فيها من إهتمام بالقران والشعر والروايات والأدب وغيرها.

نجح اذرشب في تحويل ما رواه المرشد في جلساته إلى سرد جميل تتخلله قصص وحكايات حصلت مع المرشد.

ولد المرشد الخامنئي في مدينة مشهد في شمال شرقي إيران في عام 1939. وكان والده عالم دين متواضع، وهو الثاني من بين ثمانية أطفال، درس في قم من 1958 إلى 1964، وخلال وجوده في الحوزة، انضم إلى حركة المعارضة الدينية التي تزعمها آية الله الخميني في عام 1962. وقد لعب دورًا مهمًا في الثورة الإيرانية عام 1979 واستمر في العمل ليصبح رئيسا لإيران، من 1981 إلى 1989، ثم أصبح خليفة الإمام الخميني كقائد أعلى للبلاد.

الجدير بالذكر أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وفي الذكرى السنويّة الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية كان قد تمنى الاعتناء بكتاب "إنّ مع الصبر نصراً"(7 شباط/فبراير 2019) وقراءته لأنّ الراوي أراد فيه أن يخاطب الشعب والشباب العرب بلغتهم العربيّة.

في الجزء الثاني سنتحدث عن تجربة المرشد الخامنئي في سجون الشاه ودوره في الثورة الإسلامية.

http://www.almayadeen.net/books/1329...b1%d8%a8%d9%8a