2019.04.20

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

نبيه برجي – صحيفة الديار

قالو في روما،بعتب شديد بل بغيظ شديد حيناً على الازدواجية الاميركية، وحيناً على الانهزامية الاميركية، وحيناً على البلاهة الاميركية، والى حد القول ان ادارة باراك اوباما تخطط لصفقة استراتيجية بعيدة المدى مع موسكو للوقوف في وجه التنين الصيني الذي اذا ما ظل على تعاظمه الحالي، فلن يكون هناك موطىء قدم للولايات المتحدة لا في آسيا ولا في الشرق الاوسط…

معارضون سوريون، ويُعرف جيداً من يملأ جيوبهم ورؤوسهم، يلاحظون كيف ان واشنطن لم تبدِ اي اعتراض على اتفاق الغاز الذي عقدته شركة «غازبروم» الروسية العملاقة مع اسرائيل، ولا على ذاك الاتفاق الذي عقدته مع كردستان. انها «ألغاز الغاز» كما يقولون، والتي تجعل الصراع على سوريا الاكثر تعقيداً منذ ان وضعت الحرب الباردة اوزارها.

خبراء «الائتلاف الوطني» حددوا عدد صواريخ ارض – جو وصواريخ ارض – ارض التي يحتاجون اليها لكي لا يبقى من النظام اي اثر وخلال مهلة لا تتعدى الثلاثة اشهر، حتى ان معلومات ترددت على هامش مؤتمر روما تؤكد ان رجل اعمال سوري معارض التقى تاجر سلاح اسرائيلي معروف في الاسواق الدولية وبحث معه في كيفية الحصول على «الاسلحة النوعية» حتى من تل ابيب…

لكن معلومات اخرى تقول ان دولة عربية دأبت على تمويل نشاطات الفرنسي برنارد – هنري ليفي الذي لا احد يجهل علاقته «الوجدانية والايديولوجية» باسرائيل، والتعبير له، طلبت منه البحث مع اصدقائه الاسرائيليين في مسألة تأمين انواع معينة، ومحددة، من الاسلحة، حتى ان المعلومات اياها تقول ان الدولة المعنية ابدت استعدادها للتفاهم او للتعاقد مع ضباط احتياط اسرائيليين كانوا يعملون في حقل الصواريخ، كمستشارين لـ«الجيش السوري الحر» في التدريب على استخدام الصواريخ بل وفي اعداد العمليات الميدانية ضد جيش النظام…

عادة تأخذ تلك المؤتمرات مظهراً فولكلورياً. الذين يظهرون في الصورة معظمهم كما تماثيل الشمع، ثمة فريق آخر يلعب في الاروقة الخلفية والخفية، ووراء الضوء، وبطريقة شكسبيرية بما تعنيه الكلمة، فالمهم هو ازاحة او ازالة بشار الاسد. اما ماذا بعد ذلك، فهذا ما يتكفل به القضاء والقدر.

ولعل هذا ما حمل معارضا ابتعد عن تلك «الثورة العرجاء» وقد وصفها كذلك بـ «الثورة العمياء»، ولا ندري ما اذا كانت «الثورة الصماء» ايضاً، دون ان يبرىء النظام من اوصاف مماثلة ،على القول انه اذا كان فلاديمير بوتين قد اعتبر ان قواعد النظام العالمي الجديد تتحدد في سوريا، فإن ما يجري على الارض او وراء الستار، لا يدع مجالاً للشك في ان في سوريا تتحدد قواعد الفوضى الاقليمية الجديدة اذا كان للفوضى من قواعد…

وعلى هامش مؤتمر روما ايضاً، برزت التناقضات الاستخباراتية بايقاع درامي مثير. ثمة من رأى في «جبهة النصرة» ومشتقاتها على كامل الارض السورية مجرد «فقاعات ايديولوجية» لا تأثير لها على المسار العام، والفعلي، للثورة، وثمة من وجد فيها الوحش الذي سيبتلع، في لحظة ما، كل رفاق السلاح، اذ ان مسؤولي الجبهة لا يرون في الجماعات الاخرى اكثر من «عصابات» تحترف السلب والاغتصاب والثرثرة التلفزيونية. اللهم الا المجموعات المحدودة التي يتولى ادارتها ضباط قلائل من «الجيش السوري الحر» مازالوا يتمسكون بالمناقبية العسكرية بالرغم من كل الاغراءات التي تحيط بهم…

واذا كان الكسي دوتوكفيل قد قال ان الديمقراطية مثل اولاد الازقة تربّي نفسها بنفسها، فإن هناك من يقول ان الثورة ايضا تربّي نفسها بنفسها. وان الفوضى هي ظاهرة ضرورية لكي تغتسل الثورة تدريجاً من الغبار مثلما تغتسل من الدم. واذا كانت الثورة الفرنسية تتخذ مثالاً، وهي المثال فعلاً، فكم اكلت من ابنائها، ومن فلاسفتها، ومن شعرائها، ومن ابطالها؟ ولكن اي ثورة عربية تلك التي تنتج رجلاً مثل نابليون بونابرت؟ في مصر كما في تونس كما في ليبيا، ألا تبدو القامات قصيرة، وقصيرة المدى، حتى ان جورج اسحق، احد نجوم المعارضة، يشكو من اولئك الاسلاميين الذين يتعاطون مع الناس على انهم قطعان من القردة، ولم يأت ذكرهم في الكتب المقدسة او كما لو ان هذه الكتب لم تنزل من اجلهم..

لكن العشوائية التي تحكم «الثورة» في سوريا تجاوزت كل الحدود. اين هي الثورة حين تدار من انظمة لا تزال تقبع في العصر الحجري؟ واين هي الثورة التي لم تحدد حتى الآن مفاهيمها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية خشية ان تخدش هذه الجهة او تلك، ان لم يكن خشية اندلاع الحرب الاهلية داخل القاعات الباذخة.