الدكتور خليل أبراهيم آل عيسى

ممثل المنظمة الوطنية للمجتمع المدني
فرع فرنسا

ومنذ ثلاثة وثمانون سنة يتطلع الشعب العراقي وبمرارة قصوى الى عراق آمن ومستقر ينهل من خيراته وتراثه الأصيل كل مايحتاجه ليشارك باقي الأمم وشعوب الأرض في الأبداع والعطاء الحضاري الذي لاينضب في بلد يرث أهله بكل فخر وأعتزاز تراث أقدم الحضارات الأنسانية كعراق الرافدين وهو الذي أول من أخترع أسلافه الكتابة وأول شريعة لحقوق الأنسان ] شريعة حمو رابي [ تستهدف أحقاق الحق ونشر العدل الأجتماعي والأمن بمختلف الميادين السياسي , الأجتماعي , الأقتصادي ويكون قيمة الأنسان هي أسمى غاية لحركة وبرامج المجتمع ومؤسساته المدنية .

أن سر قوة وحصانة أي أمن قومي في بلد ما في العالم يتمثل منطلقه نشر العدل الأجتماعي وشعور الفرد بحريته وكرامته وهذا ماتؤكده الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم ]يا داوود أنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق [ صدق الله العلي العظيم.

وبعد خلاص الشعب العراقي المظلوم من حكم الطاغية صدام التكريتي البغيض الذي فرض على المجتمع العراقي عسكرة الحياة وثقافة العنف والتجهيل الشامل والأستئصال للرأي الآخر ونتيجة للجهود السياسية المضنية لرموز المعارضة العراقيية من مختلف مشاربها وتوجهاتها وخلال فترة الحصار على العراق وبالتنسيق الحثيث بقيادات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكان يوم 9نيسان 2003م عيدا بهيجا للشعب العراقي الذي تحققت أحلامه الوطنية للتحرر من دكتاتور لم يسبقه دكتاتور كمثله ولابعده مطلقا.

طالما حطت حرب تحرير العراق أوزارها وخرج العراقييون الى دنيا الحرية ليعبروا عن فرحتهم وتشفيهم بالطاغية صدام وأيتامه البعثيين النازيين ظهرت علينا مشاهد وصور وجوه اهلنا ملئها البئس والحرمان والعزلة والخوف وكأن المجتمع العراقي كان رهينة أو سجين عاش حالة الأختفاء القسري لمدة 35 سنة ولذا لابد للأستراتيجيين العراقيين أن يأخذوا بنظر الأعتبار نتائج وتراكمات ثقافة الأستبداد والعبودية الكبيرةعلى شخصية ونفسية الأنسان العراقي في عملية تخطيط وأعداد برامج وأهداف الأمن القومي العراقي.

أن المجتمع العراقي اليوم يعاني فقدان المرجعية القيمية والأخلاقيية ولم يعد الدين حاجزا ومعيارا سلوكيا يتحكم به القصد رضا الله ومن شييم العراقي الأصيلة قبل عام 1968 م أنه يحمي عائلته وجيرانه ويؤتمن أصحابه وجيرانه وأقربائه وقريته على ماله وعرضه وممتلكاته ولكن ثقافة البعث النازي الأجرامية والأرهاب التكريتي أفقدت هذا العراقي الأصيل شيمه وعاداته النادرة ويكون اليوم أن أول من يسرقك ويعتدي عليك في المجتمع العراقي هو الأصدقاء والأقارب والجيران وتشكل هذه القضية هاجس أستراتيجي خطير لبناء الأمن الأجتماعي الذي يعطي للمؤسسات الأجتماعية دورا حاسما في أرساء أمن قومي وطني فعال بمثابة الحارس الوطني ليسهر على مصالح الحيوية للأنسان وأمته العراقيية العريقة.

نعم أن المجتمع العراقي اليوم يعاني نسيجه الممزق المرض العضال والتخلف الشامل وتصدعات أخلاقية كطفرات في السلوك والوعي السياسي الضبابي للمرحلة الجيوسياسية وأستحقاقاتها السياسية التي يمر بها البلد وينجرف الشارع العراقي نحو الشعارات الدينية المتطرفة الفاشلة سلفا] حركة مقتدى الصدر وهيئة جماعة العلماء المسلمين وبعض الحركات الأسلامية الشيعية المتواطئة معهم [ والثورية الحزبية البائدة واللهث وراء تراث العشائر العراقية المستهلكة أجتماعيا من قبل النظام البائد وجلاوزته ويتسلل هذا المشهد الى كافة أجهزة ومؤسسات الأجتماعية والسياسية والأقتصادية كالعائلة والدولة الحديثة والمدرسة والأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية والأعلام .

وفي الدول المتخلفةالمتعبة يبدأ الجهاز الفكري والعلاقات الفكرية التي هي روح الحضارة الأنسانية بالضعف والتراجع والأنحلال واللهث وراء السلطة والمناصب والكسب الغير نزيه والأستحواذ على ممتلكات العامة تبدأ بنية المجتمع بالتدني وينتشر الفساد والأنهيار تدريجيا وكلما أتسع نطاق الأنحراف الأجتماعي أزداد سريانه الى باقي الوحدات الأجتماعية الأخرى ومؤسسات الدولة الخدمية وتتحول هذه الظاهرة الى تيار أجتماعيا -سياسيا وسلوكا عاما يشترك به الأفراد والنخب والوحدات الأجتماعية وتصاب المجتمعات البشرية بالأمراض الحضارية.

أن تصرفات الأسلاميون العراقييون اليوم بعد حكمهم للعراق أكثر من عام يعطون أنطباع للمراقبين أنهم يعرضون عن الديمقراطية والتستر بها ويتواطئون مع مثيرين الفتن كالرفيق مقتدى الصدر وهذا هو خذلان لتعهداتهم للدول التحالف سابقا ولأتباعهم الكوادر العراقية الديمقراطية أيام المعارضة السرية للنظام البائد وهو حقا سقوطا حضاريا مريبا ولابد لنا أن نذكرهم أن الأسلام دين المسؤولية ودين التكليف والواجب لأن الحياة بلا أحساس بالمسؤولية تغدو ضياعا وفوضى وشرذمة شاملة يقول رسول الله ]ص[ من أصبح لايهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم [ وهنا جاء الحديث النبوي ليشير على أن الأسلام يرتبط بالأيمان من جهة وبشؤون المجتمع الأسلامي من جهة أخرى .

لابد للعقل الأسلامي السياسي العراقي أن يتحرر من الفردية والأنانية والتآمر على أنفسنا بأيدينا وألا سوف يؤدي الى ضمور الحس الأجتماعي العراقي وغياب الأحساس بالمسؤولية العامة نحو العراق المتعب وهذه حقا من عوامل الهدم والتخريب الشامل في البناء الأجتماعي الجديد.

يواجه الشعب العراقي ظاهرة مقتدى الصدر وجيش المهدي الذي أثبتت ممارساتهم وتصريحاتهم اليومية والشهادات التي تخرج علينا من عراقيين الداخل تؤكد دو شك أنه أمتداد عدواني لنظام الطاغية صدام وأن أتباعه معظمهم من مدينة الثورة والآلاف العناصر القمعية من الأمن العامة والمخابرات وفدائي صدام والحرس الجمهوري والأمن الخاص وهو بالتنسيق الكامل مع قيادات أبطال المقابر الجماعية في فلوجة ويدعي تيار الرفيق مقتدى أن هؤلاء قد أخذ مقتدى منهم توبتهم ويعلم العراقييون أن البعثييين النازيون كلاب آكلة لحوم البشر لن تحل عليهم التوبة ولكن ما يملئ القلب أسى هو التواطئ الأسلامييون الشيعة أن كانوا في مجلس الحكم أو خارجه وتحت شعارات ومبررات التقية منها ودفع نار الفتنة مرة أخرى بين صفوف الطائفة الشيعية وذهبوا نتيجة للغباء السياسي الى التوسط بين الرفيق مقتدى الصدر وقوات التحالف .

وفي الحقيقة كانت هذه الخطوة خطأ أستراتيجي قاتل وقعت فيه كل من حزب الدعوة ] حيث يطالب الدكتور أبراهيم الجعفري بأعطاء دور للتيار الصدري بقيادة مقتدى في الحكومة الأنتقالية [ والمجلس الأعلى للثورة الأسلامية ] ليس لديه وضوح في الخطاب ومرتبك ويطالب مظاهرات مليونية ثم يتراجع عنها وهو يدعي أنه ذراع المرجعية فأين دفاعه عن مطالب المرجع الكبير آية الله السيد السيستاني ؟؟؟[ وحركة العمل وغيرها في فخ سياسي خاطئ وزاد من تعنت الرفيق مقتدى وتحدى بشكل صارخ وغير مقبول كافة دعوات المرجع الديني العظمى آية الله السيد علي السيستاني ]دام ظله الشريف [ الى الألتزام الصمت والخروج من المدن المقدسة وهذا لم يحدث وأنتظرت قوات التحالف طويلا ولن ينفذ مقتدى ذلك .

تجاوز الرفيق مقتدى الصدر كافة الخطوط الحمراء وأستفز جيش المهدي قوات التحالف وهو يخوض الآن معارك داخل مدن كربلاء والنجف ويطلق التصريحات بكل وضوح على أنه يقاوم الأحتلال مازال هناك عراقييون لايقاومون وفي الحقيقة هنا يعبر نواياه للأسحواذ على السلطة والأنفراد بها مع أتباعه البعثيين المعممين الملتحين وهناك تواطئ حقيقي معه من مختلف الحركات الأسلامية الشيعية والسنية التي لو تصرفت بحكمة وروية وألتزمت خطابا سياسيا موحدا يقول يامقتدى أصمت وأن تصرفاتك سوف تبدد مصالح الشعب العراقي الذي يتطلع الى أرساء الديمقراطية والأستقرار لما بلغنا هذا الحال من الشرذمة والفوضى وخلط الأوراق وأعطاء الأرهابيين وقتا كبيرا لأعادة التنظيم والعودة الى أرسال العمليات الأرهابية ضد الشعب العراقي.

لن يستطيع المجتمع العراقي بناء مؤسسة الأمن القومي ألا أن يوفر مشروعه السياسي الوطني ويحضى موافقة كافة أبناءه وأن يكون واضحا مع الديمقراطية أو العودة الى الدكتاتورية وليس هناك خيار ثالثا أي أن نعمل من وراء لافتة الديمقراطية ونحن نحظر في الكواليس مستلزمات الدولة الأسلامية أو الدولة القومية وهذا مايفرض على النخب السياسية والأحزاب السياسية الفاعلة وخصوصا الأسلامية اليوم أن تتسرع بأعداد برامجها السياسية لحكم العراق أن حصلت يوم ما ثقة الشعب العراقي في صناديق الأقتراع.

وأن حصيلة عام من حكم المعارضة العراقيية التي تمثل شرائح كبيرة من الشعب العراقي وأن الأسلامييون يتحكمون في نظام الحصحصة لتوزيع المناصب الدولة وهناك أخطاء واضحة تشير لنا بأن العراق الغد لايمكن وصوله بر النجاة ألا تحت نظام العلمانية المؤمنة وهو نظام سياسي يتصالح ويحترم الدين الأسلامي والشعارات الأسلامية التي يقدسها المجتمع العراقي المسلم الملتزم ويسمح للمؤسسات الدينية بحرية أن تعمل على بناء المرجعية الروحية للفرد وضبط سلوكه لما يرضي الله والناس وهذا يعني أن الأسلام يستطيع الولوج الى قلب السياسية عندما تتهدد مصالح الأمة والوطن والمواطنة ولكن ضرورة أبعاد رجال الدين عن مؤسسات الدولة ومواقع القرار السياسي والأخطاء الأسلاميين تثبت عجزهم وفشلهم الحر من خلال قرار 137 وتعويض أيران ب140 مليار دولار وظاهرة مقتدى الصدر والمشاكسات حول توقيع وثيقة الدستور المؤقت.

أن تصرفات بقايا فلول النظام وشخص مقتدى الصدر وأزلامه والأرهابيين العرب الأجانب تحت قيادة السفاح الوهابي الزرقاوي يشكل بمجمله ملفا خطيرا يهدد الأمن والأستقرار قبل وبعد رحيل الأحتلال من العراق ولايمكن أن يكون للعراق أمن قومي والرفيق مقتدى يتربع على عرش حزب سياسي في العراق لأن أتباعه وعقليتهم الأجرامية الدموية تشربت بوسيلة العنف والأغتيالات والغش والخداع وسوف يشكل الرفيق مقتدى ألف منظمة حنين لتصفية الرموز الوطنية العراقيية ولذا لابد أن تكون هناك قاعدة سياسية وطنية تتلخص على أن أي مجموعة سياسية عراقيية أو حزبية تلجئ الى العنف لتحقيق غايات وأهداف سياسية يستوجب أن يخرجها بشك أستئصالي وجذري من الحياة السياسية وأجهزة الدولة وعلى هذا الأساس نطالب أن يأخذ المسؤولين على أدارة الأمن القومي العراقي قضية مقتدى الصدر وجيش المهدي وقانون أجتثاث البعث على محمل أولياتهم ولذا نهيب بالدكتور موفق الربيعي مسؤول الأمن القومي في العراق أن تكون قضية الملف الأمني من الأوائل الأولويات الوطنية والتحدي الرئيسي للأمن القومي ولابد للحكومة الأنتقالية أنشاء وزارة للأمن القومي العراقي لأجل الأسراع والأهتمام الحثيث بتأمين الأمن لجانب الغذاء والمعرفة حتى يتسنى للعراقييون الشروع بعملية أعمار وأعادة بناء العراق والتفكير أحداث تنمية وطنية ليعيد الشعب العراقي عافيته وحقوقه المشروعة في العيش الحر الكريم في وطن آمن يملئه المودة والرحمة.