2014/06/12

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

نيويورك تايمز: الموصل تعود إلى سوريا ما قبل الحرب العالمية الأولى..


ترجمة المدى


استولى مسلحون متسللون من الحدود السورية، يوم الثلاثاء، على مدينة الموصل شمال العراق و هي ثاني أكبر مدينة في البلاد بنجاح و سرعة يثيران الذهول، ما يهدد بجر البلاد إلى الحرب .

بعد ضمان سيطرتهم على محافظة نينوى، توجّه المسلحون إلى الطريق الرئيسي المتجه إلى بغداد، حسب مسؤولين عراقيين، واستولوا على أجزاء من محافظة صلاح الدين. هرب آلاف المدنيين جنوبا باتجاه بغداد وشرقا إلى إقليم كردستان حيث الأمان مضمون على يد جيش شرس يتصف بالولاء - قوات البيشمركة .

يبدو ان الجيش العراقي قد تفتت أمام هجوم المسلحين، حيث رمى الجنود أسلحتهم واستبدلوا زيهم العسكري بملابس مدنية واختلطوا بالجماهير الفارة من المحافظة.

قام المسلحون بتحرير آلاف السجناء واستولوا على القواعد العسكرية وأقسام الشرطة والمصارف ومقر المحافظة قبل ان يرفعوا الراية السوداء الخاصة بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فوق المباني العامة، بينما انتشرت جثث الجنود وأفراد الشرطة والمدنيين في الشوارع.

وأكدت وكالة رويترز ان الجنود لم يظهروا الكثير من المقاومة. يقول الجندي الهارب حيدر "لقد سيطروا على كل شيء وانهم يتواجدون في كل مكان".

هذا الاستيلاء السريع على مناطق واسعة من المدينة من قبل مسلحين مصطفين مع دولة العراق الإسلامية، يمثل لحظة مهمة على المسار الطويل لانهيار العراق منذ انسحاب القوات الأميركية نهاية 2011.

ويبدو من المحتمل ان يضيف التمرد المتصاعد في البلاد إلى محن السياسة الخارجية لإدارة أوباما التي تواجه انتقادات حادة بسبب مبادلة خمسة من أعضاء طالبان بالعريف بوي بيردال وعليها الآن ان ترد على تساؤلات حول مقتل خمسة أميركان بنيران صديقة في أفغانستان ليلة الأثنين. وحذر المنتقدون منذ زمن من ان سحب القوات الأميركية من العراق بدون ترك قوة رمزية سيكون سببا في انتعاش المتمردين .

و اندلع قتال شرس يوم السبت بين قوات الأمن العراقية ومسلحين في الموصل، وفي يوم الثلاثاء استولى المسلحون على المدينة وحرروا آلاف السجناء واستولوا على قواعد عسكرية وأقسام للشرطة وعلى المصارف والمطار ومقر المحافظة.

وتقدّر الأمم المتحدة أعداد العراقيين الهاربين من الموصل بحوالي 500 ألف، كما يهدد العنف بالانتشار إلى إقليم كردستان شمال البلاد . وعلى مدى الأشهر الستة الماضية استولى متطرفون مسلحون على محافظة الأنبار بما فيها مدينة الفلوجة وأجزاء من مدينة الرمادي.

إلى ذلك أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بإعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد ودعا الحكومات الصديقة لتقديم العون دون ان يذكر الولايات المتحدة تحديدا. وفي واشنطن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية جين ساكي في تصريح له ان الولايات المتحدة "قلقة جدا من الأحداث في الموصل وان إدارة أوباما تدعم ردا قويا منسقا لدرء هذا العدوان".

وذكر التصريح ان الإدارة الأميركية ستوفر "كل المساعدات المناسبة لحكومة العراق"، وقال ان مجموعة داعش "لا تشكل تهديدا لاستقرار العراق فقط وإنما للمنطقة بأكملها".

وكانت مدينة الموصل آخر المناطق المدنية التي ساد فيها الهدوء على يد القوات الأميركية، وبعد مغادرة تلك القوات ادّعت الولايات المتحدة بأن العراق يسير على طريق السلام والديمقراطية.

رغم ان المسلحين استولوا على الموصل وضواحي محافظة نينوى ، فإنهم يتطلعون إلى أهداف أخرى. حيث قطعوا جزءا من الطريق الرئيسي الذي يربط المدينة بالعاصمة بغداد وأمنوا القرى القريبة من كركوك المتنازع عليها بين العرب والكرد، حسب مسؤولين أمنيين .

وقبل أكثر من ستة أشهر، سيطر المسلحون على مدينة الفلوجة التي قتل فيها مئات الأميركان في محاولتهم سحق التمرد. ورغم ان للفلوجة أهمية رمزية بالنسبة للولايات المتحدة، فإن السيطرة على الموصل ذات المليون وأربعمئة نسمة من الأعراق والطوائف والديانات المختلطة، تعتبر أكثر شؤما على استقرار العراق.

ويقول جيمس جيفري السفير الأميركي السابق في العراق "انه أمر يسبب الصدمة وخطر للغاية، أكثر خطورة من الفلوجة ". فالموصل هي مركز لنقل البضائع القادمة من تركيا ومناطق أخرى، وقريبة من خط أنبوب نفطي مهم يحمل ما يقرب من 15% من نفط العراق المتدفق إلى أحد الموانئ الواقعة على الساحل التركي.

كما ان الفوضى في الموصل تبين كيف ان العنف في العراق قد ظهر تدريجيا مع الحرب الأهلية في سوريا، حيث ان المتطرفين يعملون اليوم على كلا جانبي الحدود المليئة بالثغرات. وادعى مسؤولون محليون الثلاثاء ان العديد من المقاتلين هم من الجهاديين الذين جاءوا من الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا التي ينعدم فيها القانون حيث يعملون بمأمن من العقوبات.

ومن جانبه أطلق رئيس البرلمان أسامة النجيفي – السّني من مدينة الموصل – على القتال بأنه "اجتياح أجنبي للعراق تنفذه مجاميع إرهابية من مختلف البلدان ".

إن الهزيمة في الموصل تعتبر إذلالا لقوات الأمن العراقية التي يقودها رئيس الوزراء نوري المالكي و حكومته، والمجهزة والمدربة على يد الولايات المتحدة بكلفة بلغت مليارات الدولارات.

وعندما استعاد التمرد قوته العام الماضي، تعرّض المالكي لانتقادات بسبب اتباعه نهجا أمنيا استاء منه عموم السنّة مثل الاعتقالات العشوائية للمذنبين والأبرياء على حد سواء واعتقال زوجات المتهمين. قال السيد جيفري وهو يشير إلى القوات الأمنية في الموصل "لقد فقدوا دعم الشعب لهم بسبب اتباعهم نهجا طائفيا شهدته أنا نفسي بأم عيني".

ولتسليط الضوء على خطورة الوضع، فقد أصدرت بعض السلطات الدينية الشيعية في مدينة النجف الأشرف الثلاثاء تصريحات تدعم القوات المسلحة التي يهيمن عليها الشيعة، حيث أكد آية الله العظمى على السيستاني "دعمه لأبناء القوات الأمنية"، وذهب ممثل آية الله خامنئي في النجف إلى أبعد من ذلك عندما حث الشيعة على الانضمام للقوات الأمنية.

هذا الاستيلاء الجريء على الموصل لم يكن مفاجئا أبدا، فالقتال متأجج منذ أيام هناك، وفي السنوات الأخيرة – حسب قول المحللين – كان المسلحون يجمعون ملايين الدولارات شهريا من خلال الابتزاز والخطف. وتقول جيسيكا لويس مديرة البحوث في معهد دراسات الحرب مشيرة إلى هذه المجموعة المسلحة "كانت داعش تستهدف الموصل منذ سنتين".

الآن، وبعد ان أصبحت الموصل تقريبا جزءا من سوريا التي كانت تحت السيطرة الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى عندما أعاد الحلفاء رسم خارطة الشرق الأوسط، يمكن ان تصبح قاعدة اكثر أهمية بالنسبة للمجموعة وهي تتابع أهدافها في مسح الحدود مع سوريا وتأسيس الدولة الإسلامية التي تتجاوز البلدين .

فصل آخر في كارثة العراق، هو مع ان التورط كان خطأ كبيرا بالأساس، فان التخطيط للحرب كان سيئا جدا. فهل يحق لنا الآن ان نحاسب نهجنا في فرض الديمقراطية على بلدان أخرى؟

بالنسبة المالكي، فان العنف في الموصل يمثل تحديا سياسيا كبيرا مع محاولته ضمان ولاية ثالثة كرئيس للوزراء. وفي الانتخابات الوطنية التي جرت في نيسان حصل ائتلافه على أغلب المقاعد في البرلمان ولكن ليس الأغلبية وانه يتحاور مع الفصائل الأخرى لتشكيل حكومة جديدة. ويقول جيفري "هذا يثير تساؤلات جادة عن قيادة المالكي، وعلى الشعب ان يفكر ويحسب حسابه إذا ما أراد استمرار المالكي في منصبه".

ويأتي الهجوم على الموصل بعد أسبوع من محاولة حكومة المالكي دحر هجوم المسلحين في وسط و شمال البلاد . ففي الرمادي وسامراء اقتحم مسلحون أقساما للشرطة و دوائر حكومية و إحدى الجامعات. يوم الأحد انفجرت سيارات مفخخة قتلت عددا من الأشخاص في بغداد في واحدة من الهجمات المميتة خلال أسبوع واحد .

وبعد استيلاء المسلحين على الفلوجة نهاية العام الماضي، سارعت الولايات المتحدة بدفع الأسلحة والعتاد وصواريخ هيلفاير إلى العراق إلا ان ذلك لم يحدث فرقا كبيرا، وفي بعض الحالات وقعت تلك الأسلحة بيد المتمردين في الأنبار، وفي يوم الثلاثاء يبدو ان المزيد من التجهيزات الأميركية قد وقعت بأيدي المسلحين بما فيها عجلات الهمفي.

ورد الجيش على هزيمة الثلاثاء بتفجير قاعدة عسكرية واحدة على الأقل استولى عليها المسلحون لكنه لم يشن هجوما مقابلا لاستعادة المدينة.

صباح الثلاثاء اقتحم المسلحون مكتب المحافظ وفي وقت متأخر من نفس اليوم كانت عشرات من عجلات الشرطة تحترق في الشوارع حسب شهود عيان. ويقول السكان ان المسلحين بدأوا بدخول المدينة في الليلة السابقة واستولوا على مواقع كان الجيش قد تركها.

ويقول أحد السكان "في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل كان المسلحون يقودون عجلات مدنية والبعض منهم يرتدي الجينز وآخرون بملابس أفغانية ويتحدثون اللغة العربية بلكنة غير عراقية. كانوا يلقون علينا التحية وعندما وجدونا خائفين قالوا بانهم لم يأتوا لقتالنا لكن علينا ان نبتعد ولا نتدخل. نحن هنا لقتال جيش المالكي". وعند حلول ليلة الثلاثاء كانت المدينة هادئة لكن الكهرباء كانت مطفأة وتدفق مياه الشرب كان ضعيفا وكان وقود المولدات قليلا.

تم دفن جثث قتلى المسلحين، أما جثث القوات الأمنية فلاتزال ملقاة في الشوارع .



http://www.almadapaper.net/ar/news/4...5%D8%A7-%D9%82