سعود السمكة
بعد صدور المرسوم الاميري بهذه الحكومة وبدء الوزراء بممارسة مهامهم، كل في موقعه، قمت كالعادة بالاتصال بالجدد منهم لأبارك لهم ثقة القيادة السياسية بهم طالبا لهم التوفيق والعون من الله.
من بين الوزراء الجدد الذين قمت بالاتصال بهم السيد وزير الاعلام محمد ابو الحسن الذي قلت له وبالحرف الواحد: يا بو فهد اذا اردت ان تبحر بسفينة الاعلام دون منغصات عليك الالتزام بالدستور والقوانين المعمول بها، ولا تلتفت الى المزايدين على خلق الله بدينهم واخلاقهم.. فهؤلاء ليس لديهم سقف ولا حد يقفون عنده، واذا تنازلت لهم اليوم عن شيء مخالف للقانون طلبوا منك غدا كسر المزيد.
قال: سأمارس مهامي وفق المثل المهنية، ولن انصاع في عملي الا للقانون، وما يتفق والانظمة المعمول بها.
لم يمض على تولي ابو الحسن عمله في وزاره الاعلام أشهر معدودات واذ به ينحني امام اول «بلفة» ابتزاز من قبل قوى الاستحواذ في مجلس الامة، فيعكف على خلق ثماني عشرة بدعة اسماها ضوابط للحفلات، ضاربا عرض الحائط باذواق الناس، وممارسا خرقا فاضحا للدستور الذي اقسم على صونه متعهدا بالتمسك بمواده!
الحقيقة استسلام وزير الاعلام ليس اجتهادا منه، رغم انه يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية كونه فرط في سمعته الدبلوماسية وامكاناته المهنية التي تألق بها طيلة فترة الاحتلال أمام حفنة امتهنت المزايدة والمتاجرة بالدين! وهذا يعني مهنيا تحريضا على كل عمل مسؤول، ورغم هذا، فان الاستسلام في الأصل هو استسلام حكومي، وهو تعبير عن تواضع القدرة الحكومية على التماسك، مما يؤكد ان لا شيء تغير في التفكير الحكومي، وبالتالي تعاطيها مع إدارة البلد، للأسف الشديد، كون هذا التفكير مازال يعتمد على النخوة والتشيم، و«تكْفه وطلبتك وعطيتك»!، وكأننا مازلنا نراوح في مجتمع القبيلة، ولسنا دولة يحكمنا دستور وتسيّرنا انظمة وقوانين عصرية.
ومادام هذا هو التفكير الذي يحكم عمل الحكومة، فان القادم من الاستجوابات سيكون أتفه من الذي قبله، والنتيجة هي مزيد من بعثرة الوقت وضياع المصلحة، وقبل هذا وبعده نزع ما تبقى من هيبة لنظام المؤسسات القائم على الدستور، الذي لن يبقى منه سوى الورق والحبر الذي كتب فيه. وهذه هي النتيجة الحتمية لكراهية وازدراء النظام الدستوري لدى البعض، مهما تجملوا ظاهريا بالقبول به والتعهد بصيانته، فهم في الاساس لا يريدونه، وان ارادوه فعلى مضض، فليس أفضل عندهم مما هو موجود للحفاظ على نفوذ السلطة التي لا يشملها الدستور.. وهذا هو مربط الفرس.
المفضلات