السلام عليكم

لاشك ان في* ‬مسألة اثبات رؤية الهلال او نفيها من خلال الحساب الفلكي* ‬هي* ‬اليوم مثار جدل كبير عند اهل الاختصاص،* ‬وما سأعرضه لك ايها القارئ الكريم محاولة في* ‬المساهمة في* ‬هذا الميدان من خلال الماحه سريعة*.‬

فقد احتج المانعون عن الاعتماد على حساب الفلك بأمرين*:‬

الاول*: ‬كونه على خلاف ظاهر قوله* (‬ص* ‬صوموا لرؤيته*. ‬فان ظاهره اخذ الرؤية موضوعا فلا نحيد عنها الا بالمقدار الذي* ‬دلت عليه النصوص،* ‬ككون الهلال مطوقا في* ‬الليلة الثانية*. ‬ولكن هذا الاعتراض قابل للجواب بان قول النبي* (‬ص*: »‬صوموا لرؤيته*« ‬لا* ‬يزيد على قوله تعالى في* ‬سورة البقرة* - ٧٨١- (‬وكلوا واشربوا حتى* ‬يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر*.‬

فان التبين والعلم سنخ عناوين ظاهرة في* ‬الطريقة بحيث لو اريد منه الموضوعية للزم التنبيه على ذلك زيادة على اخذها في* ‬موضوع الدليل،* ‬فالمعتبر في* ‬اثبات الفجر ان نعلم بكونه طالعا في* ‬الافق وان منع مانع من رؤيته الفعلية كضوء القمر مثلا،* ‬وذلك لان التبين المذكور في* ‬الآية الكريمة طريقي* ‬لا موضوع،* ‬وكذلك الرؤية في* (‬صوموا لرؤيته* ‬ظاهرة في* ‬اخذها على نحو الطريقية،* ‬والرؤية كاشفة عن وجود الهلال في* ‬تلك المنزلة من الافق والتي* ‬يتحقق بها الخروج من الشهر والدخول في* ‬شهر آخر،* ‬فلا شك في* ‬كفاية العلم القطعي* ‬بوجود الهلال في* ‬تلك المنزلة،* ‬وان لم* ‬يكن ذلك العلم حاصلا عن طريق الرؤية البصرية ولا فرق في* ‬ذلك بين اخذها انها مأخوذة بنحو الصفتية ولا* ‬يتوهم ذلك لاحد لانها لو كانت مأخوذة بنحو الصفتية فإما ان تكون الرؤية مأخوذة بلحاظ بعض المكلفين فقط او بلحاظ عامة المكلفين،* ‬والثاني* ‬غير مراد قطعا،* ‬والاول لا موجب لاحتمال الصفتية فيه لانه لا خصوصية لبعض المكلفين على بعض في* ‬تحقق موضع الشهر*.‬

وكلام سيدنا الشهيد محمد باقر الصدر في* ‬الفتاوى الواضحة واضح في* ‬طريقة الرؤية حيث قال* (‬قدس سره*: ‬وبهذا امكن القول ان الشهر القمري* ‬الشرعي* ‬يبدأ في* ‬الليلة التي* ‬يمكن ان* ‬يرى في* ‬غربها الهلال اللاحق في* ‬ليلة الثلاثين من تلك الليلة،* ‬وامكان الرؤية هو المقياس لا الرؤية نفسها،* ‬فقد لا تتحقق الرؤية لعدم ممارسة الاستهلال،* ‬او لوجود* ‬غيم ونحو ذلك،* ‬غير ان الهلال موجود بنحو* ‬يمكن رؤيته لولا هذه الظروف الطارئة،* ‬فيبدأ الشهر الشرعي* ‬بذلك*. ‬وبكلمة*: ‬ان وجود حاجب* ‬يحول دون الرؤية* - ‬كالغيم والضباب* - ‬لا* ‬يضر بالمقياس،* ‬لان المقياس امكان الرؤية في* ‬حالة عدم وجود حاجب من هذا القبيل،* ‬ولا وزن للرؤية المجهرية وبالادوات والوسائل العلمية المكبرة،* ‬وانما المقياس امكان الرؤية بالعين الاعتيادية المجردة،* ‬وتلك الوسائل العلمية* ‬يحسن استخدامها كعامل مساعد على الرؤية المجردة وممهد لتركيزها*.‬

وفي* ‬استفتاء منشور على موقع المرجع المعاصر السيد السيستاني* - ‬مدّ* ‬ظله* - ‬ما* ‬يفيد كفاية الاطمئنان الحاصل من قول الفلكي* ‬بقابلية الرؤية،* ‬وهذه صورة الاستفتاء*.‬

السؤال*: ‬لو حصل الاطمئنان الشخصي* ‬بصحة الحسابات الفلكية في* ‬الهلال وكونه قائلا للرؤية بالعين المجردة فهل* ‬يمكن الاعتماد على هذا الاطمئنان في* ‬اثبات الشهر او العيد مثلا؟ وخاصة اذا صدرت عن أهل الخبرة في* ‬هذا المجال؟ الجواب*: ‬يجوز الاعتماد اذا حصل الاطمئنان،* ‬دون الظن وان كان قوياً*.‬

واما الاعتراض الثاني* ‬وهو ان قول الفلكي* ‬ظني* ‬لا* ‬يفيد الاعتماد ولذلك جاء النهي* ‬عن الاعتبار بقول المنجم،* ‬فيمكن الجواب عليه من خلال مقدمتين*.‬

الاولى*: ‬ان ما جاء في* ‬النصوص من النهي* ‬عن الاعتماد على قول المنجم ما جرى عليه فقهاء الاسلام الاوائل في* ‬المذاهب المختلفة من عدم الطرق الحسابية الفلكية في* ‬اثبات بداية الاشهر الهجرية* ‬يتناسب مع ما كان متعارفا في* ‬الازمنة السابقة،* ‬حيث ان الحساب الفلكي* ‬كان مقرونا بالتنجيم الذي* ‬يساوق الحساب الظني،* ‬الا ان الحساب* ‬يعتمد على علمين حديثين هما الهندسة الكروية والميكانيكا السماوية،* ‬وهما العلمان الاساسان اللذان استطاع بهما الانسان الهبوط على سطح القمر منذ اكثر من ثلث قرن*.‬

وعلماء الفلك مجمعون اليوم على ان توقيت ولادة الهلال وخروجه من المحاق وشعاع الشمس امر قطعي* ‬لا* ‬يقبل الشك ولا التردد،* ‬ولا* ‬يختلف فيه ولا في* ‬تحديد وقته بالدقيقه لا بل بالثانية احد من علماء الفلك من مسلمين وغير مسلمين ولا* ‬يشك في* ‬قطعتين الا من* ‬يشك في* ‬نتيجة جمع الخمسة مع الثمانية من التسعة او قسمة الثمانية على الاثنين*.‬
واذا كان المنازع لا* ‬يزال في* ‬منازعته في* ‬ان ولادة الهلال ظنية لا قطعية فعليه ان* ‬يأتي* ‬بقول واحد من علماء الفلك* ‬يقول بظنية الولادة لا قطعيتها،* ‬والمحصل هو انه اصبح بالامكان التفريق مضمونا واصطلاحا بين علم التجيم وبين الحساب الفلكي* ‬الدقيق،* ‬فلا* ‬يشمله ما ورد من النهي* ‬عن الاعتماد على قول المنجم،* ‬وذلك لتغاير الموضوع،* ‬فالمراد بالحساب هو ثمرة علم الفلك المعاصر القائم على اسس رياضية علمية قاطعة،* ‬والذي* ‬بلغ* ‬في* ‬عصرنا مبلغا عظيما،* ‬استطاع به الانسان ان* ‬يوصل المركبات الفضائية الى مدارات الكواكب البعيدة،* ‬فانه لو لا الدقة المتناهية في* ‬حسابات توقيت منازل تلك الكواكب لتاهت المركبات عن اهدافها المرسومة لها*.‬

وثانيا*: ‬ان علماء الفلك قد اختلفوا في* ‬المسافة المعتبرة،* ‬في* ‬بعد الهلال عن الشمس لكي* ‬يكون قابلا للرؤية،* ‬بعد اتفاقهم على اوقات الولادة،* ‬والولادة هي* ‬انفصال القمر عن الشمس بحيث تكون الشمس امامه من جهة الغرب،* ‬والقمر خلفها من جهة الشرق،* ‬فيظهر بالولادة نور الشمس على جزء من القمر،* ‬وهذا الاختلاف هو الذي* ‬اوجد خلطا عند بعض علماء الشريعة فلم* ‬يفرقوا بين الولادة وبين امكان الرؤية من عدمه،* ‬فظنوا ان الاختلاف في* ‬امكان الرؤية هو اختلاف في* ‬تحديد الولادة،* ‬على اي* ‬حال فمن الفلكيين من اكتفى بثلاث درجات ونصف اي* ‬سبع ساعات وربع بعد ولادة الهلال،* ‬ومنهم من اعتبر اكثر من ذلك،* ‬وينتج عن ذلك بان ما بينهما* ‬يكون محتملا للرؤية فلا بد من الرجوع الى البينة او ما* ‬يقوم مقاسها شرعا،* ‬واما الاقل من الحد الادنى وهو السبع الساعات قبل الغروب،* ‬فترد معه البينة لكونها مبتلاة بما* ‬يوجب الوثوق بالخطأ او الظن القوى على اسوا التقادير* - ‬ولا اطلاق في* ‬ادلة البينة* ‬يتمسك به لاثبات حجيتها في* ‬موارد الظن القوي* ‬بالخلاف فضلا عن الاطمئنان بالخلاف*. ‬هذا مع ضرورة الالتفات الى ما* ‬يسمى اليوم بظاهرة التدفق الريشي* ‬وهي* ‬احدى الاشكالات البيئية الناشئة عن تشتت الابخرة والادخنة في* ‬الافق،* ‬فاذا سطع على الريشة نور الشمس بدت للناظر كالهلال،* ‬ومن هنا فمن المطلوب جدا في* ‬هذا العصر التدقيق مع الشاهد في* ‬ما* ‬يتعلق بوضعية الهلال من حيث اتجاه القوس،* ‬فمن المعلوم ان الهلال* ‬يكون ناقص الاستدارة ومقوسا حتى ليلة تمام القمر* ‬يوم الخامس عشر وفي* ‬ليالي* ‬هذه الايام اي* ‬في* ‬النصف الاول من الشهر* ‬يكون نقص الاستدارة* - ‬فتحة القوس* - ‬من الشرق ويكون التقويس من الغرب*.‬

وفي* ‬النصف الثاني* ‬من الشهر* ‬ينعكس الامر فتكون التقويس الى الغرب ويكون التقويس الى الشرق*.‬

وأما الحد الاكثر وهو *٢١ ‬درجة اي* ‬مضي* ٤٢ ‬ساعة عن ولادة الهلال،* ‬فاذا اخبر به الفلكيون فهو دلالة قطعية على بداية الشهر بالنسبة للبلاد الواقعة في* ‬ذلك الافق،* ‬لانه لا* ‬يحتمل تأخر بداية الشهر عن ولادة الهلال بيومين،* ‬بل بالامكان دعوى الاتفاق على امكانية الرؤية فيما زاد على العشرين ساعة مما* ‬يفيد الاطمئنان المتاخم للعلم العادي،* ‬مضافا الى امكان التأييد ببعض الروايات كالذي* ‬رواه الشيخ الصدوق في* ‬كتابه* (‬المقنعة* (‬قال ابو عبدالله* (‬ع* ‬قد* ‬يكون الهلال ليلة وثلث وليلة ونصف وليلة وثلثين ولليلتين الا شيء ولليلة*. ‬فتلاحظ ان الامام* (‬ع* ‬جعل الليلة والثلث وهي* ‬معدل *٦١ ‬ساعة لولادة الهلال مما* ‬يتحقق معه كون الهلال لليلة*.‬

والمتحصل هو اعتبار العلم بكون الهلال في* ‬منزلة تتحقق معها امكانية الرؤية بالعين المجردة لولا المانع من* ‬غبار او* ‬غيم او رطوبة عاكسة لشعاع الشمس فيكفي* ‬اخبار الفلكي* ‬دون حاجة الى شهادة الشهود،* ‬واما اذا كان اخبار الفكي* ‬عن وقت ولادة الهلال مما* ‬يحتمل معه امكان الرؤية ويحتمل معه عدم امكانها فلا* ‬يكون حينئذ لاخباره اثر،* ‬بل لابد من الرجوع الى البيئة او ما هو قائم مقامها شرعا،* ‬نعم اشرنا في* ‬الفقرة الماضية الى ان مضي* ‬اكثر من عشرين ساعة مما* ‬يحصل معه العلم العادي* ‬بإمكان الرؤية لولا المواقع الخارجية،* ‬وحيث ان ولادة الهلال لشهر شوال *٥٢٤١ ‬ستكون مساء الجمعة الساعة الخامسة وست وعشرون دقيقة اي* ‬قبل* ‬غروب الشمس في* ‬مكة المكرمة بستة عشرة دقيقة وسيكون عمر الهلال مساء السبت ليلة الاحد اكثر من عشرين ساعة حسب افق مكة وكذلك حسب افق البحرين،* ‬وهي* ‬فترة كافية للعلم بقابلية الهلال للرؤية البصرية،* ‬وبما ان القابلية كافية في* ‬اثبات الشهر كما تقدم شرحه،* ‬فعليه سيكون عيد الفطر لهذا العام بإذن الله تعالى* ‬يوم الاحد الموافق *٤١/١١/٤٠٠٢.‬


المصدر : جريدة الأيام لهذا اليوم .

http://www.alayam.com/ArticleDetail.asp

-------