القرود التي .. لا تأكل الموز ...

[هبة الله]

مجرد قصة إفتراضية .. تحكي بأن مجموعة من العلماء .. أرادوا أن يقوموا بتجربة على مجموعة من القردة .. ليختبروا مدى غبائها وبلاهتها ...

فأحضروا قفصا كبيرا جدا .. ووضعوا فيه كمية من الموز .. وكمية من التفاح .. وأدخلوا داخل القفص قردا واحدا .. وتركوه يسرح ويمرح داخل القفص ...

وما إن شعر القرد ببعض الجوع .. لجأ إلى التفاح .. وأكل منه القليل .. وإستمتع بمذاقها الحلو .. حتى وصل إلى الموز .. فأراد أن يأخذ قليلا منه .. خاصة .. والموز بأشد حالات الإصفرار والإغراء .. بالنسبة لذلك القرد ...

وما أن أراد القرد أن يمد يده .. ليقطف من ذلك الموز .. حتى قام العلماء .. برش القرد بالماء البارد المثلج .. والتي أرعبت القرد .. وأصابته بالذعر الشديد .. وبالدهشة عما حدث .. وأصابته أيضا بصدمة عصبية .. فهو متحير حقا .. عما حدث له ...

المهم .. بعد فترة .. عاد القرد إلى حالته الطبيعية .. ونسى ما كان عليه من ذهول .. حتى بدأ يلعب تارة .. ويقفز تارة .. ويتأرجح تارة أخرى .. حتى شعر قليلا بشيء من الجوع ...

فذهب حالا إلى التفاح .. وأكل منه قليلا .. وإستمتع بمذاقها .. حى وصل إلى الموز .. ذلك الطعام المفضل للقردة .. وأراد أن يقطف منه القليل .. حتى إنهال عليه ماء بارد مثلج .. أرعدت جسده .. وأرعشته .. وأصابته بالذعر الشديد ...

وحين تلك اللحظة .. شعر القرد بعقدة نفسية .. من ذلك الموز .. فلا يدري ما حصل له بالضبط .. وكأن الموز .. قد صار " بعبعا " بالنسبة لذلك القرد ...

المهم .. قام العلماء بوضع قرد ثاني داخل القفص .. فبدآ يلعبان معا .. على سجية واحدة .. قفزا وركضا وتأرجحا .. وإستمتعا بوقتهما الكثير .. حتى حان موعد طعامهما .. لأنهما شعرا بالجوع ...

فلجآ إلى التفاح .. وأكلا منه القليل .. وإستمتعا بطعمها اللذيذ .. حتى وصل الدور إلى ذلك الموز .. فأردا أن يأخذا شيئا منه .. وما أن أراد القردان أن يقطفا منه شيئا .. حتى إنهال عليهما سيل من الماء البارد .. القارص للجسد .. فشعرا بالفزع الشديد والذعر ...

فيمكنك أن تتخيل .. أنهما كانا بقمة السعادة والبهجة .. ثم فجأة .. يصابان بالذعر الشديد والصدمة .. جراء ذلك الماء البارد .. تخيل ماذا سيكونان من حال .. بعد ذلك ...

بعد فترة .. إستحكم أمر الموز في نفس القردان .. وأصيبا بعقدة نفسية .. جراء ذلك الموز .. فما عادا بعدها يفكران بأخذ شيء منه .. بل إقتصر تفكيرهما على ذلك التفاح .. اللذيذ والشهي ...

المهم .. قام العلماء بوضع قرد ثالث داخل القفص .. وهنا ستبدأ المشكلة الحقيقية ؟!؟!

في البداية .. فرح القردان .. بقدوم قرد ثالث كمقيم .. وبدؤوا يلعبون .. بسعادة وهناء .. حتى حان وقت طعامهما .. فذهبوا ليأكلوا شيئا من التفاح .. وما أن حاول القرد الثالث .. أن يأخذ شيئا من الموز .. حتى إنهال القردين الآخرين عليه ضربا .. فأوجعاه وجعا شديدا .. ولا يدري القرد الثالث .. سر سلوك القردين الآخرين ...

تكررت تلك الحادثة أكثر من مرة .. فكلما يحاول القرد الثالث .. الأخذ من ذلك الموز . يقوم القردان .. بمنعه وضربه ضربا مبرحا .. خوفا من ذلك الماء البارد .. حتى ما عاد القرد الثالث يفكر مرة أخرى .. بالأخذ من ذلك الموز .. أو مجرد التفكير فيه .. خوفا من عاقبة ذلك ...

المهم .. قام العلماء .. بوضع قرد رابع داخل القفص .. وحدث نفس الشيء له .. حين أراد أن يأخذ شيء من الموز .. فقد إنهالت عليه القردة الثلاثة .. ضربا .. وضربا وضربا .. حتى شعر بالفزع والذهول .. من ذلك السلوك الغريب .. الذي إنتهجته القردة الثلاثة ...

الغريب بالأمر .. أن حتى القرد الثالث .. بدأ يسلك سلوك القردين الأوليين .. ولا يعرف سبب ذلك .. أو مازال لا يعرف سبب المنع من أكل الموز .. لكنها مجرد أن صارت عادة إجتماعية ..على القردة أن يلتزموا بها .. ولا يدرون ما سببها ...

أعتقد .. أنه من الواضح ما مصير القردة الباقين .. الذي قام العلماء بوضعها تباعا .. داخل القفص ...

لقد قام العلماء .. بوضع مجموعة من القردة تباعا .. داخل القفص .. حتى صار عددها مئة قرد .. وكلهم ما عادوا يأكلون الموز .. وصار التفاح هو الأكلة المفضلة لهم ...

حتى كونت تلك القرود .. حضارة عظيمة .. حضارة القردة التي لا تأكل الموز .. وباتت تلك العادة الإجتماعية .. عادة متوارثة .. يتعلمها الأجيال .. بدون أن يفكروا بسببها أصلا ...

وإذا أردنا أن ندقق في سبب المشكلة .. سنجد أن المشكلة تكمن في القرد الثالث .. لأنه بدأ يقلد القردين دون أن يعرف سبب ذلك التقليد .. فبدأ ينقل ذلك التقليد .. إلى باقي القرود ...

وإذا أردنا أن ندقق أكثر في سبب المشكلة .. سنجد أن المشكلة بشكل أساسي تكمن في القردين الأوليين .. لأنهما لم يُفهما القرد الثالث .. عن سبب منعه من أكل الموز .. فصار يقلدهم دون تفكير ...

فهل يا ترى .. سيأتي يوم على تلك القرود .. أن يأتي إليهم رسول قردي .. يخرجهم من الظلمات إلى النور .. ويخرجهم من ظلمات الجهل والتقليد الأعمى .. إلى نور العقل والمنطق .. ويحل لهم ما حرموه على أنفسهم ...

أم سيبقى الوضع على ما هو عليه .. لأن القردة ليس لها عقل .. تفكر فيه ...

هل يا ترى .. سيأتي يوم على تلك القردة .. أن يأتي أحد القردة .. ويسأل تلك القرود .. عن سبب المنع من أكل الموز ...

بل ربما .. سيتمرد على تلك العادة الإجتماعية السخيفة .. ويقوم بثورة قردية فكرية .. تدعو المجتمع القردي إلى إستعمال العقل .. والتحرر من التقليد الأعمى ...

ويمكنكم أن تتصوروا .. ما سيتعرض له ذلك القرد من أذى ومحاربة .. لأن الخصوصية الثقافية لتلك القردة .. والتي تميزهم عن أمم القرود الأخرى .. تمنعهم من التنازل عن تلك العادة .. لأنهم سيشعرون بالعار .. فماذا ستقول عنهم .. أمم القرود الأخرى ؟؟؟

المشكلة .. أننا – نحن البشر – لا نختلف عن تلك القردة بكثير .. فهناك ربما .. الكثير من العادات الإجتماعية المتوارثة .. التي نعملها .. ولا ندري عن مصدرها الحقيقي .. ولا ندري سببها .. وربما يكون مصدرها خرافي ...

ويا للهول .. إن أتى أحدنا .. وإعترض على تلك العادة .. أو مجرد أن سأل عن سببها .. فإنه سيتلقى سيل من الشتائم والإهانات .. وكلمات التسفيه والتحميق ...

إن ما فعله القردان الإثنان الأوليان .. هو بقمة الصواب والمنطق .. لأنهما لم يعملا ذلك الشيء .. إلا بسبب الخوف من خطر الماء البارد .. وهذا شيء مشروع ...

لكن إذا زال السبب .. أو زال الخطر .. فلماذا تصر باقي القردة .. على التمسك بتلك العادة .. على الرغم من أن سبب وجودها قد زال ؟؟؟

ربما لأنها لا تدري أصلا .. عن سبب إتباع تلك العادة ...

لماذا عندما يقوم أحد القردة .. بمجرد السؤال عن تلك العادة .. والمناقشة حولها .. توجه إليه عبارات جارحة وغير موزونة ؟؟؟

هل لأن تلك العادة الإجتماعية .. عادة مقدسة .. لأن الآباء والأجداد كانوا يمارسونها ...

ولماذا كان الآباء والأجداد يمارسونها .. هل سأل أحد القردة هذا السؤال ؟؟؟

ربما كان لممارسة تلك العادة .. سبب وجيه ومنطقي .. لكن هل مازال ذلك السبب موجود .. هل مازال خطر الماء البارد موجود .. أم أن الخطر قد زال ...

وإن زال خطر الماء البارد .. فلماذا تصر باقي القردة على عدم أكل الموز ؟؟؟

ربما لأن الأساطير قد كثرت حولها ...

فمن القردة من يقول .. أن الموز طعام مسموم .. يفتت المعدة ...

وربما يقول آخر .. أن الموز يسكنه الجن والعفاريت ...

وربما يقول ثالث .. أن من أكل موزا .. فإنه سيصاب بالفقر حتما .. أو سيصاب بالبرص ...

وتكثر الشائعات .. ويتفنن المحللون والمنظرون .. حول وصف أسباب عدم أكل الموز . وكل ذلك .. لأنهم يشعرون .. أن تلك العادة .. متوارثة من الآباء والأجداد .. فهم يشعرون بعراقة تلك العادة .. وبالتالي يصعب التخلي عنها .. وإستخدام العقل ...

آمل من الله تعالى .. أن يهدي تلك القردة إلى سبل الرشاد .. وأن يستخدموا عقولهم التي منحها الله لهم .. بدلا من تعطيلها .. إنه ولي المؤمنين ...

والسلام مسك الختام ...

بقلم : محمد عادل الكاظمي ( هبة الله ) ...
____________________

* مستوحاة .. من مقالة للدكتور .. ساجد العبدلي .. بعنوان .. " قرود لا تأكل الموز " ...
http://www.arabgate.com/article.php?sid=3649

[خديجة]

يبدو أن قصة القردين مشابهة لحالة الإنسان الذى يقلد من سبقوه من غير استعمال للعقل أو التفكير .

[الجهاد]

قصة رائعة ........
وقلم اسلامي واعي........

واسقاط اجتماعي ياحبذا لو نتعظ من الحيوان؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!

والسلام

[موالى]

أوافق على الجملة الموجودة فى المقالة وهى ( المشكلة .. أننا – نحن البشر – لا نختلف عن تلك القردة بكثير .. فهناك ربما .. الكثير من العادات الإجتماعية المتوارثة .. التي نعملها .. ولا ندري عن مصدرها الحقيقي .. ولا ندري سببها .. وربما يكون مصدرها خرافي ...) اوافق ما عدا كلمة ( خرافى ) لأن رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافى راح يزعل .