آخـــر الــمــواضــيــع

موحدي كرماني رئيساً لمجلس خبراء القيادة في إيران بقلم الحاج مؤمن :: الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي يبكي على الامام الحسين (ع) ويشارك بالمشاية ... فيديو بقلم لن انثني :: بالفیدیو ... مظاهرة في إيطاليا تضامناً مع مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج بقلم السماء الزرقاء :: السلطات الإيرانية تعلن عن تفاصيل مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه بقلم السماء الزرقاء :: رسالة ايرانية لمجلس الامن والامين العام بعد استشهاد رئيس الجمهورية ووزير الخارجية بقلم مسافر :: مدعي عام الجنائية الدولية لـcnn: تقدمنا بطلب مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت والسنوار وهنية والضيف بقلم المصباح :: أهالي غزة يفرحون بقتل الرئيس الإيراني ويوزعون الحلويات ... فيديو بقلم بسطرمه :: تعرف على "بيل 212".. المروحية الأمريكية التي تحطمت وأودت بحياة الرئيس الإيراني بقلم أبو ربيع :: وزيرة «الشؤون» تستقبل المواطنين الأربعاء من كل أسبوع تطبيقاً لسياسة الباب المفتوح بقلم أبو ربيع :: بوتين يعزي قائد الثورة بوفاة الرئيس الإيراني: عمل لتطور العلاقات الاستراتيجية بقلم أبو ربيع ::
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 33

الموضوع: ذكريات سجين

  1. Top | #1

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    Post ذكريات سجين

    لقد مرت على البحرين أيام عصيبه ومن تلك الأيام , أيام الإنتفاضه في تسعينيات القرن الماضي حيث مارس النظام القمعي في تلك الفتره كل أصناف التنكيل و التعذيب بحق أبناء الشعب البحريني وقتل من قتل في السجون و تعذب من تعذب و لكن تبقى الذكريات المره على أبناء هذا الشعب

    و أحببت في هذا الموضوع أن أنقل لكم مذكرات أحد المعتقلين من فترة التسعينات و التي يروي فيها العذابات التي كان يعاني منها الشعب

    وسأنقل لكم المذكرات بالتدريج علما بأن المذكرات نشرت من أربع سنوات في البحرين على صورة كتيب و المذكرات تعود للأسير الرادود الحسيني عبد الشهيد الثور

  2. Top | #2

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    الحلقة الأولى : جاءوا مع الفجر

    سهدت العيون وتوسدت الأجفان توائمها واستقرت بي الأحلام إلى حيث التحليق في آفاق العبور في روضة البقيع الوادعة .أخذتني لذة المنام شيئاً ما ، شيئاً ما لم يطل حتى أرقت سمعي قعقعة أحذية قاسية تعبر الزقاق المجاور لمنزلنا . أستيقظت أفرك جفني بأصابع مازالت متخدرة بسكرة المنام ، خفضت أناملي ورفعت جسمي من فراشي معطياً عيني جهة الباب متحفزاً للإمساك بمقبض الباب .

    خرجت في الظلام الداجي متسللاً للمطبخ المجاور لحجرتي ، دون أن أشعل الضوء حملت جسدي حملاً متأنياً كي لاتصدر من خطواتي أية حركة تنم عن وجود متحرك ، توجهت للنافذة الخشبية المطلة على الشارع الخارجي ، كانت النافذة من النوع الخشبي القديم ، كنا نسميها ( دريشة ) تتكون من خشب يتيح للضوء والهواء فرصة التسلل للداخل ولايمكن الناظر من بعث نظراته لما خلف ( الدريشة ) .

    هذا في الجانب السفلي من النافذة حيث يقف صفان من الخشب المائل ، أما القسم العلوي من النافذة فتنفرج منه بوابتان صغيرتان ليبدو أمامهما صف من الأعمدة الحديدية المطلية . كانت النافذة مغلقة ومن خلال البوابتين المقفلتين تسلل شعاع هادئ ينبأ عن وجود ضوء خلفهما ، دسست عيني في ثقب صغير في البوابة اليمنى من النافذة مستجلياً خبر ما يجري في الخارج .

    كلما قربت جسدي ورفعت رجلي لأتمكن من تسديد عيني في الثقب أتسع بؤبوآهما ، أخيراً لاحت لي بعض الحركات السريعة في الزقاق ، حشد من رجال الأمن المدجج بأسلحة مقاومة الشغب ، لم تتمكن عيني من رصد وجه ما ، فهناك حركة دائبة في الزقاق ، كأنهم ينتظرون أحد ما أو يحرسون أحدا آخر .

    شعرت برجلين تتسحبان وتدخلان المطبخ ، بلى هذا أخي ( محمد ) ينفتل من ( المجلس ) خاطبني هامساً : إنهم يملأون الشارع بالعشرات ولقد رصدتهم من خلال نافذة المجلس الحديدية ، لقد لاحظوني ونادوني طالبين مني فتح الباب لهم . كانوا يعتقدون أني سأخافهم وأبادر مهرولاً لفتح الباب ، وكأني لم أسمع صراخهم علي ..... أفتح الباب ........ أعطيتهم آذاناً صماء ووليت مدبراً عن النافذة . قلت في نفسي : إتعبوا على أنفسكم ، كنت متيقناً من عدم إستطاعتهم فتح الباب ، باب البيت حديد محكم الإقفال .

    سمعت صوت الرفسات المتتالية على الباب وأصوات صرخاتهم المتعالية في الخارج . أعتقدت للحظة ما أنهم سيملون من المحاولة ويعودون منصرفين ، أخذت نفسي ودخلت إلى حجرتي متناسياً ما يدور خلفي من عويل الأحذية وأنين الباب .

    طرحت جسدي فوق السرير وأقفلت جفناً على الآخر وأسترسلت في الضغط على أفكاري للولوج إلى عالم السبات . غفت عيني لدقائق وجيزة وأستلبني قرع خفيف على باب حجرتي من بين يدي ملكوت النوم .

    هببت واقفاً أبحث عن سبب يدعو من يطرق على الباب في هذه اللحظات ، بالطبع سيكون الطارق من أهل البيت مادامت الطرقات حنونة الوقع !

    هل يكون الصخب الدائر في الزقاق الخارجي أيقظهم وشردهم من أسرتهم؟! ... لا أعتقد هذا فتلك حالة أعتدناها مع تتالي الأحداث في البلد ، ولطالما أدرنا لها ظهراً وغرقنا في غطيط لا ينهيه إلا أذان الفجر .

    أدرت المفتاح ببطء يخامره هاجس الإستغراب ، مكنت يدي من المقبض وأنزلته بسكينه ..... أخذت الباب إلى حيث بدى الضياء يقتحم الغرفة من بين الباب والإطار .

    فتحت الباب على آخره ، بدى وجه أبي مفزوعاً ، رفع عينيه الممتلئتين بالدهشه في وجهي وقال : يبغونك ... ( يطلبونك ) . كما قالت السيدة زينب (ع) عندما لمست التأكيد على قتل أخوتها وسبيها قالت : أيقنت أن البلاء قد وقع ، أنا كذلك أدركت أن الرحيل قد حان ، كانت تكفي تلك الكلمة ( يبغونك ) لتترجم كل الإجابات المتيقظة للتعبير عن غربة أسئلة حائرة . تلك الكلمة كانت أوضح من الصبح المسفر .

    كان الوقت محملاً بالبرودة المشرعة على فصل الشتاء وكنت لابساً بيجامة من الصوف تلبس تحت اللباس عادة ( الدكاك ) .
    أدرت وجهي للخلف ، وألتقت عيناي بعيني زوجتي الحائرة ، قرأت في بحر عينيها قلقاً لايجففه إلا عنفوان الصبر أعدت رأسي للأمام أحمل معه نية الظهور من الحجرة ... هبطت من العتبة المحاذية لباب حجرتي وعطفت عيني لساحة المنزل الضيقة فما راعني إلا اكتظاظها برجال الأمن .... جيش بأكمله يتخم المنزل ، أسلحة مستنفرة للهجوم بأقل من ربع أمر ! أكل هذه الجنود والأسلحة لإعتقال أعزل ؟! بلى هم هكذا دائماً لايثقون في مقدرتهم علينا .... أخيراً إستطعت أن أميز إخوتي الثلاثة مقيدين في فناء المنزل .

    حين توسطت ساحة المنزل بادرني أحدهم وكان ملثماً وقال : أنت عبدالشهيد .... أجبته بسكينه : نعم ...... أنطلقت يده ذاهبة عائدة بإشارة إصبع قال : خذوه ، ذكرتني كلمته بالآية الكريمة ( خذوه فغلوه ) وما أبرد أخذهم وغلهم قياساً لأخذ الجبار وغله .

    إنقضت يد أحدهم على يدي تقيدني بسلك من البلاستيك ، أحكم إقفاله وشده شداً وثيقا .... كلما ضيقت دائرة السلك لايمكنك توسيعها . نهاية الأمر لايمكنك الفكاك من السلك إلا بقطعه .

    حين استوثقوا بوقوعي تحت قبضتهم هرع ثلاثة أو أكثر منهم لداخل الحجرة يجرون بعضاً من الروتين البارد في البحث عما يعتبرونه دليل إدانة لأسيرهم . ولكم كنت قلقاً على طفلين صغيرين نائمين داخل الحجرة ، سيدخلون الآن الحجرة مخلفين قلوبهم المتحجرة الجامدة في قبضة أسيادهم ... سيدخلون بأحذيتهم يدنسون مواضع صلاتنا غير مكترثين لحجم إزعاجهم ودناءة قسوتهم .

    في الواقع هم لم يكونوا يريدون غنيمة أكبر مني أجروا نظرات خاطفة على مكتبتي وبعض أوراق بعثروها وسرعان ما قفلوا خارجين من الحجرة ... عندما ظفرت هجمتهم الغجرية بي ....أمرهم سيدهم المتقنع بالغترة الحمراء بإطلاق سراح إخوتي الثلاثة .

    أمي وقفت تفتح أبواب السماء بالدعاء عليهم وتمطرهم بسجيل دعواتها ، وكأنهم بلاقلوب .... لهم آذان لايسمعون بها سوى أوامر سيدهم المحيطين به .

    أبي ولكثرة ماعلمته الستون عاماً يرجع عينيه بين حشودهم مسترجعاً ومحوقلاً ، وماذا ينتظر من جنود يتلفظون بالعربية المكسرة المعوجه ؟!

    أما صبره فقد إكتسب المراس على مثل هذه المشاهد من كثرة مامر بها ومرت به وأضطر للتعود عليها ، كثيراً ما استدعيت سابقاً للقسم الخاص ... بات قلبه منيعاً تجاه الحدث الأخير .

    توجه أحدهم إلى قطعة قماش ملقاة في فناء المنزل ، قطع منها جزءاً طويلا .. شدها فوق عيني بلا رأفة ... عصب عيني بإحكام ، هكذا يريدون الكل أن يمشي معصوب العينين .... لايتقن طريقا ولايرى ولايبصر ماسيواجه .

    قبض العسكري على زندي الأيسروإقتادني بينما أمي تتبعه بصوتها : أين ستأخذون ولدي ؟! ... أجابها رئيسهم بلغة الواثق : غداً نعيده إليكم .... لم يكن قوله كذبا فهو في الغد يعيد لهم أملاً في الرجوع ويبقى الرجاء متوقداً في ذاكرتهم .... لم يكن قوله كذباً بإعتقاده فهو يمارس العبارة ذاتها في اليوم مئة مرة على الأقل ، هو يكذب على مرؤسه ومرؤسه يكذب على سيده وهكذا هم في أغلب حالاتهم يقضون ساعاتهم بمعاقرة الكذب على أنفسهم وعلى ضحاياهم .... فمن يوثق في وعودهم يسقونه سراباً في الأحلام .... .........يتبع .

    عبد الشهيد الثور


  3. Top | #3

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    الحلقة (2) رحيل بعيد


    لم تتمكن عيناي من الإبصار حين اقتادني هبوطاً من درجات منزلنا إلى سيارة ( الجيب ) ... أخرجني من البيت فحاصرتني النسمات الباردة مع اقتراب وقت الفجر ، لم أتمكن من الرؤية عبر قطعة القماش برغم شفافيتها نوعاً ما ... مشى بي على بعد 50 متراً حيث الجيب .

    أصعدني عتبة الجيب الحديدية .... دفعني بلكمة على ظهري ، انكببت على وجهي في ثلاث ظلمات ..... ظلمة الليل ... والعصابة ..... و أرضية الجيب الباردة . لم يكن جسدي مستحوذاً على أرضية الجيب لوحده... شعرت بكتلة جسم ضخم بجانبي ... تحركت السيارة من الزقاق المحاذي من منزلنا تاركة خلفها من أحب في لوعة وجفاء نوم لاينقضي أبدا ..... واستدارت شمالاً مع حلول وقت الأذان ، وهبطت في آذاني ترنيمة الأذان بصوت ( محمد علي ) من المسجد الوسطي . ويالسخرية القدر ، الأذان يدعونا لتأدية الصلاة والعباد تحجبنا بقيودها عن طاعة الرحمن .

    نأت السيارة شيئا فشيئا عن أذان محلتنا مسافرة بي إلى مجهول لاتعرف مدته ولاتقدر قسوته .... ولا تقاس مسافته ، تكلم زميلي الأسير بجانبي مخاطباً الشرطي ... عسكري يداي تؤلماني ... عبرت كلماته صيوان أذني سريعة وتلقفتها أذني تلقف المشتاق إلى السماع بعد انقطاع عن البشر ، ترجم السمع صوت المتكلم فما كان إلا جارنا ( عباس ) ... كان كلامه مع العسكري مجرد حجة يرتكبها ليرسل إشعاراً بهويته ... إستطاع العسكري إخماد مطلبه بركلة من حذائه القابع جنب رأسي الملقى على سطح أرضية الجيب ، حذاء ملمع بإتقان كعادة العسكريين في توظيب مظهرهم... لم أر ذلك الحذاء ولكني كنت أشعر ببريق الضوء ينزلق من جوانبه .

    بركلة رافضة من العسكري إستجاب جاري للصمت بعد إيصال شفرة صوته لي .... السيارة تجوب شوارع السنابس منعطفة تارة شمالاً وأخرى يمينا ، حتى توقفت أخيراً ... ها هنا أيضاً صوت أم يشبه صوت أمي في دعواتها عليهم ..... ما أصبر قلوبكن أيتها الأمهات ، تتكبدون عناء الحمل والولادة والتربية وتكبير أولادكن ثم تقذفون بهم في خضم المعاناة ، يستنشقون القهر ويقتاتون الجوع ..... وأخيراً ينتزعونهم من عيونكن انتزاع النور من العين .
    أضافوا إلينا نحن الإثنين ثالثاً من غنائمهم في غزوة الفجر هذه ، واستعدت السيارة ( الجيب ) للإنطلاق مودعة بدعوات أم تستعر في جوانحها صور أياديهم تخطف فلذة روحها .... وأنطلق الجيب ينهب الشارع الإسفلتي ليس جيباً واحداً إنها قافلة مدججة بعتاد القهر والجبروت .

    غادرت القافلة المغولية أرض السنابس مع تيقظ الأنفاس من سباتها ... نعم غادرت بنا مرغمين مكبلين .... غادرت بنا مطفئة أجفاننا عن النظر إلى أعتاب قريتنا الحبيبة .... أوصدوا أعيننا كي لا نودع مراتع صبانا وكي لا نلتقط آخر صورة لها مع إشراقة الفجر الملكوتي .

    الليل ينسحب من سمائنا رويداً رويدا وقافلة زوار الفجر تلتهم الشوارع الفارغة التهام الجائع إلى رؤية الطعام ... ماذا عن صاحبنا الثالث .. أسئلة تومض في أفكاري ؟ وكما يتحرك الفضول والرغبة فينا لمعرفته كذلك كان هو . قليلاً فقط وباحت حنجرته مستنجدة بصوت ينادي : شرطي يداي ألمهما السلك ..... صاحبنا ذو صوت مبحوح إنه ( ياسر ) نعم هذا هو ياسر يبعث لنا بحة صوته إشعاراً بوجوده عله يسمع من أحدنا جواباً يواسيه .

    أنفاس الفجر تبعث بنسيمها القارص إلى بدني وما عسى ( الدكاك ) أن يقي ويحجب والشتاء عازم على إكتساح البلاد والأجساد .... دخلت السيارة أسوار القلعة عابرة شوارعها على علم وهدف تقصده ..... بعد دقائق فقط حاذت بنا حائطاً في عمق القلعة .

    تناهت إلى أسماعنا ضوضاء وصخب يملآن المكان ، ترجل الجنود وأنزلونا من ( الجيب ) كانت أسماعنا متيقظة لما يدور حولها عوضا عن أبصارنا ، أسندونا إلى الحائط في انتظار مالا نعلم . كانت شباكهم في تلك الليلة مترعة بالصيد وكانت سياراتهم كل خمس دقائق تأتي بالمزيد من الأسرى .

    كانت تراودني فكرة أنهم صمموا القضاء على الشعب بأكمله ، ليس بعجيب ففي الحياة أحداث تأتي على غير ميعاد ! وعجلة الزمن تنقلب أحياناً بما لا تستوعبه التوقعات ، من كان يحسب قابيل يتورط بقتل أخيه ، هذه أول مرة أرتدت فيها عجلة الموازين إلى الخلف وخلفت إختلالاً في النتائج ، منذ ذلك اليوم وكل توقع ممكن في حساب الواقع .
    طرقت سمعي أصوات لاحصر لها ،بعضها أستطيع تلمس صاحبه والآخرون والكثيرون ممن قادتنا الأقدار لمصير يرسم على جباهنا عناء ليلة ولا كل الليالي . في صباح تلك الليلة إستفاقت البلاد على أخبار الإعتقال المباغت ، مايربو على مئة معتقل باتوا في أحشاء ليلة مجهولة المصير .

    مع بزوغ خيوط الضياء ليوم جديد أكتملت غايتهم من الأسرى ، وأكتمل الموقوفون قبال الحائط ، أخذنا نلح في طلب الدخول لدورة المياه ، أخيراً إقتادني أحدهم لدورة المياه حيث أنهيت حاجتي منها وتوضأت لصلاة الفجر ، صلاة هتكوا أقداسها ودنسوا نقاءها ، وما أتاحوا لفم رغبة في طلب الصلاة ... صليت في ركن منزو ٍ برعاية عين جندي كل مايخشاه إنفلاتي من قبضته .

    أعادني الشرطي إلى مجموعة الحصيلة من غنائم ليلتهم الفائته ، وجائتهم الأوامر بترحيلنا إلى مستشفى القلعة ..... لازالت أعيننا مدججة بالظلام وأيدينا لا تفتؤ يطلق سراحها ثم يحل عليها الأسر غير بعيد . أوقفونا في تسلسل منظم ... يدخلون واحداً واحداً على الدكتور يجري الفحص السريع ... ويتلوه كاتب يسجل البيانات كاملة ، مضحك أن يعتني بصحتك من لاتعني له حياتك شيئا ، إنما هو روتين لايستطيع التخلص منه مثل هؤلاء ..... ولربما هو خوف من الرأي العالمي ... نعم فالرأي العالمي أولى أن يخشى منه ولا يخشى من الله .

    أنهوا فحوصاتهم ومعصمي في ذلك السلك اللعين تكادان أن تتقطعا ، أخرجونا من المستشفى في سيارة إلى خيمة كبيرة في ساحة القلعة ، خيمة أعدوها لإحتواء أمثالنا إن طال بهم المقام ولم تتهيأ لهم زنزانة تباشر كتم أصواتهم عن الجهر بما لا يرضي آذان الجدار وأصحاب الوشايات الرخيصة .

    كل إثنين وضعوهما فوق سرير واحد مكممة أنظارنا نتلمس بعضنا بعضا للتعرف على جيراننا ... الشرطة يجوبون الممرات حولنا يصفعون من تبدر من شفاهه بادرة كلمة لصاحبه ، هنالك كان الهمس ملجأ ً تتنفس فيه أفواهنا بتساؤلات لاحصر لها .

    نخنق الكلمات ونختزلها كي لايدركها الشرطي الباحث بين الممرات عن مطلع كلمة يصادرها من شفاهنا .... يبحثون عن الكلمة فهي الحد الفاصل بيننا وبينهم وظني أن ما جاء بنا لهذا المصير إلا الكلمة !.... صدعنا بها مرفوضة فكان كل ما نحن فيه وحقاً كما قيل ( في البدء كانت الكلمة ) .

    استوت الشمس في كبد السماء معلنة انقضاء نصف مشوارها من النهار ... شارف الوقت على الزوال من نهارنا ذاك . بعد مدة وجيزه صكت مسامعنا أصوات محركات لحافلات كبيرة .... لحظتذاك تمكنت من التخلص شيئاً ما من ضغط الساتر القماشي المجبر على حجب الرؤية عني .... صرت اتلصص النظر منه ... شاهدت خيمة على مد البصر تعج بحشد لايقل عن مئة شخص كلهم معصبي العيون .

    عرفت منهم ( الشيخ النجاس ) بعد لحظات فقط جرت مشادة بينه وبين الشرطي .... كان الشيخ رحمه الله جريئاً وذا عزيمة لاتتراجع ، خلاصة الأمر تضايق الشيخ من العصابة الجاثمة على عينيه فانتزعها وألقى بها ، الشرطي بادئ الأمر لم يلحظ الشيخ ولم يدر بجبروته أن يتجاوز أي كان الأمر ويطلق العنان لعينيه تسرحان في رفاق مأساته ..... صاح الشرطي في الشيخ معنفاً : لماذا نزعت العصابة عن عينيك ؟ ! أجابه الشيخ بتهكم المنتصرين : ألا تراني أعمى كفيف البصر ! بهت الشرطي من الموقف ولكنه أجاب : نعم نعم... ولكن هذه أوامر يجب عليك أن تضع العصابة .

    غريب أمر هذا الإنسان ! إنه يعبد أوامر الإنسان ويستجيب لها دون إعمال لعقله ودون التروي فيها ، هل هي حق أو غير ذاك .

    لكنه يستنكف أن يستجيب ويطيع أوامر خالقه الموجهة له .... مع مافي أوامر خالقه من مصلحة له ، فليته إنصاع لأوامر خالقه كما ينصاع لعبد مثله لايملك له نفعاً ولا ضرا .... آخر الأمر لم يستجب الشيخ للشرطي ، فأضطر الشرطي لتناسي الموضوع .

    جاءت الحافلات تهدر محركاتها ، توقفت قبالة الخيمة ، نشطت حركة الشرطة إستعداداً لترحيلنا الى مكان ما ... أخذوا يقتادوننا نحو الحافلات ... أرجلنا راحت تصعد مثقلة بالمصير المبهم ، أجلسونا كل شخصين في مقعد واحد ، رؤسنا ملقاة على المقعد الأمامي ... أعيننا تدور في ظلام خانق ، لكنني إستطعت أن اتلمس مايجري حولي من خلال القماش المتراخي حول عيني .

    إمتلأت حافلتنا بنا وبآسرينا ، بين كل مقعدين شرطي يدير طرفه بيننا لعل وعسى تصله همسة من أحدنا لصاحبه ، أياديهم مبسوطة بالصفعات واللكمات جزاء وفاقاً لكل نأمة صوت ..........يتبع

    عبدالشهيد الثور

  4. Top | #4

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    الحلقة الثالثة / حفل استقبال


    انطلقت السيارة من القلعة تقطع الشوارع في راحة واطمئنان بينما تقل في جوفها من لا يعرف الراحة في البال ولا اطمئنان قلب . الحافلة تسير بنا للمجهول .... ذلك المجهول الأسود الذي لا نعرف عنه شيئا ، رؤسنا المنسكبة على المقاعد الأمامية غرقى في تأملاتها ، كل منا يضرب أسداساً في أخماس ، أين تراهم يذهبون بنا ؟ وقد طالت مسافة المسير بنا ؟ السير للمجهول أقسى من السير للمصير القاسي . فقدر تعرفه وتقصده أهون من قدر تقصده بلا دليل .

    سلكت الحافلة دروبا طويلة لم نخل أن في بلادنا بعداً كهذا ، يسألني رفيق مقعدي بهمس مكتوم : من أنت ؟!، لم أكمل تهجي اسمي في مسامعه إلا والصفعة مستقرة في قفاي يتبعها صوت الشرطي : ساكت .... يسلطون أكفهم لتغتال الكلمات فهم وقوف لدى مولد أية كلمة وعند انبعاث فجر كل نية نحو الكلام .

    أخيرا تراخت السيارة في السير وفتحت أمامها بوابة واسعة فدخلت جميع السيارات بعد دخولها... ماهي إلا لحظات من السير المتلكئ حتى استقرت عجلاتها فوق الأرض معلنة محطة النزول . اتضحت لنا حركة الشرطة من حولنا في النهوض والإستعداد .

    انزلقت البوابة الأوتوماتيكية بالإنفراج ، باشر الشرطة آخر مشوارهم معنا بإنزالنا من الحافلة ، مع نزول أول ركب انطلقت صيحات الإستغاثة من كل الجهات وبمختلف الصياغات ... آه ... آه .... ياعلي ... باموت... أصوات متنوعة ، شباب وشيوخ وكهول .

    ماذا عسى أن يكون الأمر ؟ وماذا يجري تحت الحافلة ؟ إنهم يضيفونهم بوجبة استقبال من أعماق حفاوتهم ، أنزلني الشرطي من الباب وتركني ، رحت أتعثر ببطئ اسحب خطواتي في توجس واندهاش ... عجب هاقد نزلت من السيارة ولم يصلني بريد ضربهم للآن ... أتراهم لايبصرونني ، مازلت في خطواتي الثقيلة بالتوجس حتى صدمت حائطاً بعدما صعدت عتبة رصيف ... تراجعت قليلاً وكلي سمع حاضر بإستغاثات وتوجعات وصيحات من رفاق مأساتي ، تراجعت واستدرت لليمين علني أجد الطريق ... ثلاث خطوات إلى اليمين ....وجاءت صفعة من يد خشنة على الرأس وضربة أخرى بحزام جلدي على الظهر حينها أدركت أن هذا هو الطريق الصحيح .

    في تلك الأثناء أمسكت بي يد شيطانية كأنها يد أحد خزنة جهنم ، يد تدفعني وتتعتعني وأخرى تشاطرها وظيفة البطش والنيل مني ... عندها سقطت العصابة عن عيني ، كان ما رأيت مهولاً لايدركه وصف بصر .

    صفان من الشرطة وقوف على الجانبين ، وصف آخر يمشي بإتجاه معاكس لسيرنا .... والصف الأخير يقتاد غنائمه إلى داخل الممر ، كل هؤلاء يتفانى في نيل حصته من ايجاعنا والتشفي من أجسامنا بما أوتي من قوة حقد ، أيديهم لم تكن أقسى من ألسنتهم .... ألسنتهم بارعة في مفردات الفحش والبذاءة ، وأحسب جراح أيديهم برئت وجراح ألسنتهم لا تبرئ الدهر كله .

    ممر طويل عبرناه مفروش بالصفعات واللكمات وسقطات الأحزمة والسياط . مشاهد ذكرتني بالأفلام المصرية ومايجري فيها لمعتقلي الرأي ، نعم نسخ تختلف مواقعها وأحجامها وتتفق في الهوية وانسلاخها من وازع الضمير .

    يظهر أن أحدهم أستاذ للآخر في ابتكار فن الضيافة والإستقبال ... الدماء المضيافة تقطر من عروقهم ، لايمكنك أن تحل ضيفاً عليهم دون ضيافة تليق بمستوى استهتارهم بالمشاعر الإنسانية . ... يتبع

    عبدالشهيد الثور

  5. Top | #5

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    الحلقة الرابعة : ضيوف في الغربة

    [color="rgb(72, 61, 139)"]
    سارت بنا الركلات والرفسات وحزم الشتائم حتى أدخلتنا في ممر أضيق من ذاك ، سقطت قطعة القماش ( العصابة ) عن عيني ... صارت عيوني تلتقط صور العذاب المر . الشرطة في كل الصفوف لاوقت لأيديهم لتعيد العصابة عن عيني ... مشغولون بتوضيب أجسامنا بوجبة الإستقبال .

    ممر طويل طويل ...تتصدر على جانبيه زنازين تواجه بعضها بعضا ... أبواب حديدية زادها اللون الرصاصي كآبة على كآبة المكان ، الأبواب تتربع على صفحتها أرقام عربية باللون الأسود ... نعم هذا هو ( العنبر 2 ) في سجن جو .... الزخم المتدفق من الأسرى يقاد إلى الزنازين مع تحايا الإستقبال القهري.

    زج بي الشرطي في الزنزانة 47 مصحوباً بحصيلة وافرة من الأوجاع في أنحاء جسدي ... وجدت نفسي ملقى على مجموعة أسرة وفرش إسفنجية على غير نظام ، بجانبي ثلاثة رفاق معصبي العيون ... زفير وشهيق متعب ينفرج من أنفاسهم ، آثار التعب والإجهاد بادٍ على سحنة وجوههم ...وحالهم كحالي .

    رخيص أصبح الإنسان في زمن الفضاء ... رخيص لا يأبه لمشاعره ولا يحسب لنفسه أي حساب وحقوقه غائبة في ظل زمان حقوق الإنسان .

    ذاكرتي تعود للوراء لترصد مدى معرفتها بهذه الوجوه ، البعض كأني أعرفه ولكن سأنتظر ريثما يفرج عن باقي ملامحهم ... الوجه الثالث ذو لحية كثة وجسد مفتول البنية ... ثوبه تقطعت أزرتها من شد وسحب أيدي الشرطة ، الأيدي مغللة بالأحزمة البلاستيكية ... مرفقي تقرحت عروقه من ضغط الحزام البلاستيكي ، لازلنا نلتقط أنفاسنا من عناء رحلة القسر هذه .... أقفلت على أجسادنا الباب الحديدية السميكة لفترة وجيزه .

    أصوات الصخب في الخارج تطرق أسماعنا ... أصوات التألم والتشكي ممتزج بأصوات الأبواب مفتحة مغلقة ... الأبواب حادة الأثر ... سحب العمود الحديدي يحدث صخباً بإرتطامه بجسد الباب .. ذلك الصوت يشبه سكيناً يغور نصلها في أعماق الدماغ .

    بعد لحظات هي دهر بأكمله في ميزان الألم انفرجت الباب ثانية ، شرطي يمني الأصل بحوزته ملف وقلم شرع في تدوين أسمائنا كاملة في ملفه ... عندما وصلني سألني عن إسمي ... أجبته : عبدالشهيد ، زم شفتيه ممتعضاً واستنكر قائلاً : عبد رب الشهيد ؟ ... إيش عبد الشهيد ، لم يكن استنكاره يحتاج إلى إجابه مني... لم تكن توجد لدي الفرصة للأخذ والرد ومقارعة الحجة بالحجة ، هو أيضاً لم يكن ينتظر رداً ...

    عجبي من رؤسهم المحمولة فوق أجسادهم ، رؤوس ببغاوات لايعبرها سوى الحفظ الاجوف ... أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ، أليس القرآن يقول : ( إن الله على كل شئ شهيد ) ؟! الشرطي عقليته كأولئك أيضاً ، لا تقبل نقاش ... عقل مجبول على استقبال الأوامر فحسب ... الأوامر لايفكها إلا من يربطها ... حتى الذات الإلهية ليس لها قدرة على تغيير تلك التركيبة ... كالأعمى الذي لم ير إلا الأسود قبل عماه ، مهما حاولت لتقريب باقي الألوان لفهمه ..... دخل الأسود مهيمناً على النتائج كلها .

    سجل الشرطي صاحب السن الذهبية أسماءنا ، أعاد على عيني العصابة ثانية مستنكراً من الحرية المتاحة لعيني تسرح في أوجه رفاقي المغلقي العيون . بدأت أنفاسنا تستعيد وضعها الطبيعي ... ما إن دلف الشرطي مغلقاً الباب خلفه ، إلا وعاد آخر يصحبه رفاقه .

    أكف تحمل أهوازاً بلاستيكية سوداء معتمة ... لو أتيح لها الكلام لباحت بما صنعت فوق أجسادنا في رحلة القدوم ..... بعضهم غصت أيديهم بالقيود الفولاذية ، راحوا يحررون أيدينا من القيود البلاستيكية ليبدأ عهد قيد جديد .... يقطعون السلك ويدخلون اليد في القيد الفولاذي ( الهفكري ) مباشرة ...... بمجرد دخول القطعة البارزة في فتحة الإقفال يبدأ الأسر مشواره ... هذا القيد كسابقه كلما ضغطت عليه تضايقت دائرته حول معصم اليد .

    أحسب هذا القيد أصلاً والثاني ( البلاستيك ) تقليداً .... باتت أيدينا معتقلة في إعتقالنا .... كل يد يحيط بها سوار فولاذي وتجمع بين الكفين سلسلة محكمة حلقاتها .... كأنها خلقت مغلقة لم يفضضها فراغ ... سلسلة لايتعدى طولها ست بوصات ، فكوا أعيننا من ليلها الطويل لتتعرف على رفاقها ولتدرك بعد ماوصلت إليه .... ولتعلم أين صارت .

    الليل هبط علينا بسكونه .... سكون جديد وليل جديد... لم نعايشه قبل هذا الأوان ، أول ليلة في غربة المعتقل , وما أطول تلك الليلة ... نأنس فيها ونتسامر مجبرين ... نغتصب الفرح إغتصابا .... ننتزع الكلام من أفواهنا بلا رغبة ، ليل سواده كسواد الغراب لايحمل في طاقاته يمنا .... ليل ثوانيه بطيئة كالسلحفاة ، ونسماته تلفح جلودنا بصقيعها ... ليل كالبئر العميق نمد حبالنا لنرتوي منه فلا تصادفنا الا الأفاعي تشردنا من أمننا ............. يتبع .

    عبدالشهيد الثور[/color]

  6. Top | #6

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    الحلقة الخامسة : الزنزانة 47

    استفاقت أعيننا من أسرها تتصفح المكان والصور .... أربعة نحن في الأسر ... زنزانة جدرانها الأربعة من الخرسانة الصلبة إضافة إلى السقف ... إرتفاع المكان لا يتعدى إثنا عشر قدما بالكثير ، العرض ثمانية أقدام تقريباً يتوسطها الباب ، وكذلك الطول في حدود أربعة عشر قدما .... في هذه المساحة المختزلة أربعة نحن يجب علينا أن نعيش ... نهضنا نباشر ترتيب مكان اقامتنا ... أسرة اسفنجية أشبه بالأثرية ، تكفي ضربة واحدة فوقها لتثير في وجهك عاصفة من الغبار الخانق ... الرائحة المنبعثة من الأسرة تأباها الموتى ، أجمل تقدير لحقيقة هذه الأسرة ، كما قال أحد رفقاء زنزانتنا ... إنها أسرة موتى وجدوها على البحر فجاءوا بها .

    بقايا النزلاء السابقين باقية بصماتها على الأسرة ... أنواع متعددة من الشعر ملتصقة بالأسفنج ... أغطية اللحاف كذلك حالها يشبه حال الأسرة طبعا إن لم يكن أردى حالا ... الشعر العالق بها يكفي ليكون فروة رأس كاملة .... أختاروها لتكون باللون القهوائي الداكن ليحجب كل ما يتبقى عليها ، أظنها لم يلامسها ماء منذ وجودها أول مرة .

    سرير على الجانب الأيمن ذو طابقين .... نحن أربعة ... يعني أن ينام أحدنا في القسم السفلي والثاني عليه الصعود للأعلى ، أما الإثنين الباقيين عليهما التسليم بالنوم على فراش ملقى على البلاط ، علينا جميعاً تقليص حركاتنا في مساحة يحسبها سجاننا فائضة الأطراف ولعله يعتبر أسرته وفرشه تفضل لا يسعنا شكره عليها بما أوتينا من ثناء .

    وسائدنا نحيفة تحسب أهل الكهف تقلبوا عليها ذات اليمين وذات الشمال .. تحسب الرؤوس مافارقتها منذ ألقيت فوقها ، قطنها مشبع ريان بدموع التحسر لفراق الأحبة والأمهات ... قطنها تفوح منه رائحة العرق المجهد ... ولدماء الجراح نصيب في صفحة قطنها ، أغطية الوسائد بيضاء غادرها بياضها إلى غير رجعة فإستحالت رمادية تتفرق خرائط العرق على مساحتها .

    لاتهجع العين على وسائد كتلك وكأن آلام من سبقوا تلح في الغليان في أي رأس تتوسدها ، لاتغفو العيون إلا من تعب وارهاق.

    أمام البوابة في الطرف الأخير من الزنزانة حمام بمساحة القبر الذي نحفره لموتانا ... يحتوي على مرحاض ومغسلة صغيرة مثبتة في الزاوية ، الحمام معزول عن الزنزانة بجدار مكشوف . باب من الخشب الرخيص ينفتح وينغلق على الحمام ....الجانب السفلي منه أكلته الرطوبة والمياه .... الباب اذن ساتر لايستر .

    الزنزانة تطل على سور المعتقل المحاذي للبحر ... من النافذة القابعة في أعلى الزنزانة المتاخمة للسقف نستنشق هواء الحرية الغالي ..... من هذه النافذة المربعة تتطلع أعيننا إلى ماتركناه وراء ظهورنا من جمال الحرية ونعيمها .

    الجو بارد ولاذع يقتص الأجسام ... أفترشنا إحدى البطانيات فوق البلاط لتأدية الصلاة مغرباً وعشاء برفقة فرضين فاتا لم نصليهما ولكن صلت علينا سياط جلادينا . مرافق الأيدي مغلولة لبعضها البعض ... لايسعك تحريك اليمنى دون اليسرى , تشبهان في وضعهما وضع التوأمين المتولدين من بويضة واحدة .... لايكاد يصدر من الأول فعل إلا وكان الآخر قد أصدر الفعل ذاته في نفس الزمان .... كأنهما في مرآة .

    في ذات الحمام الضيق شرعنا في اسباغ الوضوء ... تضع الماء في اليد اليمنى فترفعه بتأن ليصل إلى الوجه فيستوعبه ..... لاتصل قبضة الماء إلا ويكون نصفها قد تبدد من الجانبين لصعوبة رفع اليد ويد أخرى تشاغبها .

    حتى محاكم التفتيش لم تحاصر الصلاة بهذه الصورة .... أعن الصلاة تغلل أكفنا ؟ أم عن تكبيرة الإحرام تقرن اليدين معاً ؟.... تكبيرة الإحرام بذلك القيد تأدى مودؤة مغتصبه .... هكذا بقينا ثمانية عشر يوماً رفقاء ( الهفكري ) أربعاً وعشرين ساعة ... نأكل .. ننام .. نصلي .. برفقة (الهفكري).

    ( الهفكري ) هذا رسولهم المزعج الملاحق لنا حتى في النوم .... بعد الأرق المضني تستسلم أجفاننا للسهاد ومايروعها إلا صقيع ( الهفكري ) إن تقلبنا على أحد جنبينا ... الوقت أخذ في شدة البرد ... ( الهفكري ) من الفولاذ القاسي ... لك أن تتصور برودته العاتية في أجسامنا .

    نعم بات القيد الفولاذي توأماً لأيدينا كل تلك الفترة .... تنام عيوننا وأيدينا ملقاة فوق صدورنا وتنثني أطرافنا وأكفنا لاتنعم بالحرية حتى في المعتقل ... وللخيال أن يحلق في آفاق مرة مروعة عن الحالة القاسية لصاحب هذا القيد إن أراد الدخول إلى الحمام.

    لاتطمئن نفس آسرنا ونحن في قبضته ... إنه يتفنن في بعث الإهانة للإنسانية ويتلذذ بإضفاء المرارة على ساعاتنا الطوال ... وكم كان الفرق كبيراً بينما عشناه من قيم وبين ما ذقناه من سجاننا ..... كنا نعيش وصايا أمير المؤمنين ( ع ) يوصي على أسيره قائلاً : أطعموه من طعامكم ، لم نكن نطمع في طعامهم .... كنا نتوق أن يدعونا لنبحث عن طعامنا وأنى لهم بالتشبه بعلي قدوة الكمال ... إن استطاعوا التشبه بأحد ما , فإنهم يتشبهون ويشبهون يزيد... إنه والدهم الروحي فكما صنع بالنساء والصغار صنعوا وكأنه دستورهم يقتدون بكل سلوكياته .

    ولم يعلم سجاننا أنه مهما برعت قساوته في تعذيبنا فإن في ذاكرتنا تجارباً من أسلافنا ... إننا نحتفظ بكربلاء حية في أعيننا ونحتفظ بصور الأسرى مربقين من كربلاء إلى الشام ... تباكرنا السياط صبحاً وعشيه وفي أعيننا لقطات من سجون أئمتنا الطويلة ... نحن تلامذة هؤلاء ... وهم تلامذة معذبيهم ولنا لقاء معهم عند حكم عدل يوم الحساب ( إن يوم الفصل كان ميقاتا ) .

    صلينا صلاة المؤمن بقضاء الله وقدره .... وكانت تكبيرة الإحرام صادعة في وجوه المتجبرين ... الله أكبر من تمردهم على سننه ... وسلمت ألسنتنا من الصلاة على أنفاس كل مخلص لله ولدينه ورسالته ........ البقية تأتي .

  7. Top | #7

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    رمضان المعتقل ( 6 )

    تغرب الشمس مودعة نهاراً مضى على محجوبين بين أربعة جدران خرسانية خرساء جدران قدت من قلوب بنائيها ... تغرب الشمس غير مرئية ، تغرب لتحيل الأفق بشفق أحمر دام لقلوب هؤلاء المحرومين من أريج الحرية الفواح ... تغرب منحية النهار في زاوية الغيب جالبة خلفها ليلاً بشدة اسوداده يلفع شكوى الموقوفين خلف الأبواب الحديدية يلوكون الحرمان .

    في الليل تتمدد الساعات بأبعد من مسافاتها .... تصبح الساعة عمراً بأكمله على شعب يبحث عن كرامة ينصبها تاجاً على هامته ، فلا يجد سوى قيداً يسخر من مطالبه ... وفي أطراف الليل الأخيرة تبوح الأفئدة بمخزون ذاكرتها لرفقاء ليلها .

    أيام الإعتقال الأولى كانت قاب قوسين أو أدنى من شهر رمضان الكريم ... أقبل الشهر الفضيل علينا في سفر مكروه .... شهر رمضان بعيداً عن هنا كنا نعيشه جميلاً ممتعاً بالعبادة والطاعة ... وبالتزاور وقراءة القرآن ليلاً في بيوت القرية داخلين في بيت خارجين من آخر ... تعمر المآتم بالوجوه المستبشرة بليالي البركات .

    كذا كنا نقضيه هناك ... أما ونحن هنا فالحناجر إن رتلت من وحي ذاكرتها فإنما ترتل مايشجي الخاطر ويؤرق الفؤاد .... الأيام الأولى ماكان للمصحف في زنازيننا أثراً .

    النزلاء السابقون في زنزانتنا كان لهم فضل علينا كبير . فتشنا ماقد نعتبره مخبئاً في الزنزانة لم نجد مايروي غلتنا ويشفي صدورنا ... السابقون صنعوا من الجدار قرطاساً يدونون فيه مايحتاجون إليه ... وأي شئ يحتاج السجين ؟! في محنة كتلك لاتتعلق المشاعر بسوى الله ومناجاته .

    في كل جانب أودعوا لنا دعاء يأنس وحشتنا أو ذكراً يفرج عن هم يحيق بنا ... الجدران مزينة بكم وافر من الأدعية المأثورة ... مزينة بحق .. وأي زينة أجمل من ذكر يضفي بلسماً على الروح ويسمو بها في أعلى عليين .

    اللهم إني افتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك وأيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ...مع الإنتهاء من العشاء كل ليلة استقبل الحائط جهة القبلة .... أحد رفاقنا الذين سبقوا أسدى لنا جميلا حسنا .... لوحة رائعة أبدعتها يده المثابرة على لذة المناجاة ... بخط جميل مهذب رسم دعاء الإفتتاح كاملاً ... بقلم رصاص ناعم جداً ...استقبل الحائط لأتنعم في بساتين دعاء الإفتتاح ... اللهم اني افتح الثناء بحمدك .

    تسترسل مشاعري في تلاوة فقرات الدعاء ... مقاطع الدعاء تمازج شغاف القلب برقتها وتنقلك إلى فضاء ملائكي ينسيك السجن ومرارته ... القراءة بلحن هادئ حزين ... هادئ كي لايتطرق الصوت لأسماع الشرطة المملوئين تحاملاً على عقائدنا ... وكي لايداهموننا نقارف القراءة من صفحة الجدار ..

    أخيراً وبعد عدة أيام جاءتنا نسخة من القرآن الكريم بصحبة ملابس أرسلت للأستاذ عـ.. كانت فرحتي بوجود القرآن معنا ... فرحة لاتعادلها إلا فرحة الظهور من المعتقل ... بلى كان الشوق للقرآن شوقاً غامراً ... القرآن ذلك الفيض الإلهي ... مهما باشرنا في مقاربة آياته نبقى فقراء لرشحات عطائه ... لذا كان الإمام السجاد (ع) يقول : لومات من بين المشرق والمغرب وكان معي القرآن لما استوحشت .

    بعد التزود من نمير الدعاء الصافي نقرأ القرآن منشدين لآياته الساحرة بجمال تركيبها ... الوقت كريم معنا يتيح لنا فرصة التأمل والوقوف لمرات ... نعمة لو أدرك مختطفونا مدى ابتهاجنا بها لما توانوا في حرماننا منها ... فكل مايبعث السرور في القلب ممنوع وكل ماكان مباحاً في أيامنا الخوالي بات محجوباً عنا .

    الشتاء جاد في أحكام صقيعه على الأجواء ... اشتدت البرودة في زنزانتنا ... الجدران كصقيع ثلاجة نتجنب الإستناد عليها ... وفي الأعلى فتحة تبعث لنا من البحر أول لافح من الشتاء مع تبكير كل صبح جديد ... شتاء لاتشابهه إلا برودة المشاعر في جلادينا .

    في أحشاء الليل البهيم تنطلق صيحات تنادي الشرطي من أسفل بوابة الزنزانة .... بعد اللتيا واللتيات يستيقظ أحدهم .... ينفتل متململاً حتى يصل إلى مصدر النداء .... يقف قبالة البوابة متسائلاَ :شنو في ؟ ينبعث الجواب من أسفل البوابة في خجل ملتهب : أنا أريد الإغتسال قبل أذان الفجر، يسخر الشرطي من الطلب قائلاً : شنو هذا مافي ( فندك) .

    يسخر من رزية يعانيها مسلوب المشيئة في قبضته .... ساعة عن الفجر أول أقل ، عليه الإغتسال قبل حلول وقت الإمساك ليدرك الصيام ، إنصرف الشرطي غير عابئ بحجم المعاناة ... اضطر صاحبنا أن يسلك أقصر الحلول ... كان يريد الشرطي ليفك ( الهفكري ) ليتمكن من نزع فانيلته .... لايستطيع خلعها والكفين مقيدين . اضطر أخيرا للدخول إلى الحمام ... خلع الفانيلة من رأسه ... وضعها مجموعة في كفيه الأسيرين ... أمسك الأنبوب والماء يتدفق من فوهته كالبركان .... لو كان الماء مستخرجا من ثلاجة ثلجته بأقصى درجة برودة ماكان إلا ذلك .... الماء ينحدر فوق رأسه صقيعاً جلمدا .

    النافذة مباحة للهواء يرتادها أنى شاء ، ماهي إلا قضبان عمودية لصيقة ببعضها البعض .... هذه النافذة تبيح الزنزانة لجليد الشتاء ..... كل هذا وصاحبنا يغسل رأسه والماء ينزلق ببطء فوق رقبته فيطبع فيها وشماً أخضراً من أثر الإرتعاش الرهيب . أحال الأنبوب للجانب الأيمن صاكاً على أضراسه ... قاسراً أعصابه على تحمل مالا طاقة لأعضائه عليها ، بات عود جسده ينتفض انتفاض المصروعين من البرد .... غالب ضعفه واستمر منصرفاً للجانب الأيسر يكلله بلسعات أضفت خدراً على بشرته ، الكف لايتمكن من إيصال الماء دون إعطاء الفانيلة نصيبها من الماء ... الفانيلة مكورة في كفيه غير منزوعة منهما .... أنهى وظيفته الصعبة وأطرافه كالسعفة في الرياح العاتية ، ترتعش أطرافه مصروعة على أعتاب الإمتهان ، قطرات بقت على جسده تكمل مهمة الإعتداء ، نشف القطرات الباقية بباقي ملابسه فلاسواها يزيل صقيع الماء وإلا بقت أطرافه لايجففها إلا النهار .

    الليالي والأيام تعبر متشابهة في التفاصيل .... قبل الصباح بعد تقديم وجبة السحور يغلقون باب المعتقل ويحكمون القفل الثقيل فيه .... ثم يعود أحدهم يجرد العدد ، أحدهم كان أسمر البشرة شديدها ، أيام متتالية يأتي لإحصائنا ... يدخل يتوسط الزنزانة ... يبدأ في العد وبعد ذاك وذياك يتراجع مقفلاً الباب وما يفتأ يعود بعد لحظات ليعدنا من جديد .... كلما أطل علينا بتقاسيم وجهه قال الأستاذ عـ... : ( جاكم لبلاكي ) أحسب المدارس في بلده الأم لاتعتبر الرياضيات من ضمن مناهجها .... بنائاً عليه يكون خريجوها يحفظون الأعداد بالصفات لا بالتسلسل ومن تردت به المعيشة في موطنه كانت أرضنا أماً تحتضنه وترضعه بنفطها ، وتضع في راحة يده عصاً يروض بها الجياع التائقين إلى عيش الكرامة ....... البقية تأتي

  8. Top | #8

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    أربعة لأربعة (7)

    إذا قيل لك يوماً أن سجاناً شاخ على سجين ولم يتمكن السجين من النفوذ إلى مايريد ولو بالقليل فلك أن تعتمد الشك أساس...تتالى الأيام على اعتقالنا ونحن في صندوق من الخرسانة ... جدار عن يميننا يفصلنا عن أصحاب لنا في المصير وجدار آخر يقع على شمالنا ويفصلنا عن أصحاب آخرين أيضاً ....ساعات السجن الفارغة تجبرك على شحنها بالمغامرات.

    قرعنا الجدار بقبضات متتالية .... عادت لنا القبضات المتتابعة برد يخبرنا بالتجاوب .... لغة الأيدي تلك كانت معبراً للتواصل والتغلب على قهر القامعين لغة يحكمها الصمت البليغ .... الحيطان الخرسانية كانت وضعت لتكون حاجزاً منيعاً يفصل الأجساد والأرواح ... لكنها أصبحت مطواعة في التعاطي مع قبضات الإستئناس وكأنها استولدت إحساساً يشاطرنا...وكأنها أذابت كتلها الإسمنتية شيئا ما لتتناغم مع حرارة شقائنا .

    أربعة جدران تفصلنا عما يدور حولنا ، أربعة كما أرادوا لها أن تكون ...بعددها كانت لنا سبل نقفز بها على جدرانهم .... أربع وسائل للتنفس بحريتنا أمام أربعة جدران جاهدة في وأد حريتنا .

    البوابة الحديدية ذات سمك يتجاوز 3 بوصات ، لاتترك ثغرة للولوج منها ... إلا أنها تقصر عن القاع بثلاث بوصات ... ثغرة صغيرة وظفناها لإمتاع أنظارنا بكل ما هو خارج زنزانتنا .... نستلقي بكامل الجسد على الأرض ، ونفرش الخد على الأرض محاذياً للبوابة ... نتواصل بالكلمات المقتضبة من الزنزانة المواجهة لنا ... مع جهد مضني نتمكن من رؤية زنزانتين أخريين على جانبيها ... تنطلق الكلمات في التنفيس عن كبتها تاركة للعيون مسئولية مراقبة الممر ، وللأذن مساندتها في إرسال رسالة الخطر لدى بروز وقع أقدام الشرطة .... مع قدوم الأحذية تحتفظ الألسنة بمكنون لواعجها .... وتنطفئ الحروف فوق الشفاه ....أصواتنا تزعجهم وتقلق سكينة أمنهم .

    إذا تحقق الشرطي من مصدر الصوت وأدرك وجودك أسفل البوابة تلاحق خطواته ، ركل الباب ليصك مسامعك صوت الحديد ... بمجرد إنصرافه تعود الحياة للكلمات ... وتستمر العيون في التردد والإستئناس حيث لاتعرف ممن تخاطبه إلا العيون .

    أطلقنا للأصابع حرية التجول والتخاطب مع أصابع مخاطبيها تعويضاً عن اللمس والأحضان وعند السحر تنهض الأجساد عن البوابة لتقضي حق من بالداخل من الكلام .

    النافذة في الزاوية اليمنى نستطيع الوصول لها برجل على طرف السرير وأخرى فوق الجدار... عن يميننا الزنزانة 45 ... نافذتها تقع عند الجدار الفاصل بيننا وبينهم ... للأحاديث الخاصة نتسلق السرير ونستدعي من نريد ... إذا تمادينا في الأمر نستطيع المصافحة المختزلة العاجلة ... الطريق الخلفية يرصدها برج المراقبة ... لسوء حظنا ربما, يقع البرج قريباً منا ,الشرطة لهم أيضا جولات خلف زنزاناتنا يتنصتون أحياناً ويراقبون أحياناً علهم يظفرون بتائق للحرية وجدوا صورته في النافذة .... الويل لمن تحفظ ملامحه ويستدل على رقم زنزانته ... ماعليه إلا الهبوط والإستعداد لوجبة دسمة من الأحذية الملمعة والأهواز الملساء .

    ومن الضيق القاتل ذاك مابرحت أجسادنا عالقة في النافذة ... تتعب الأيدي , والأرجل تتشنج الدماء فيها ، ولا نكل من سكب قرائحنا في مسامع أصدقائنا ..... ولانمل من زرع التواصي بيننا .

    تسلقت النافذة بنداء عاجل من (م) .... تجاذبنا أحاديث حياتنا في الخارج .... اتفقنا في رؤانا كثيراً وأختلفنا كثيرا ، في خاتمة الكلام دلت لهجته على قلق ينهش تفكيره .... حاول التخفي بإختلاق موضوع آخر ، قسمات وجهه لا يمكنني الجدار من كشفها ، ولكن في بطء كلامه سقم يشير إلى هم يداخله ... ختاماً باح لي بسره الخافي .... أودى به سوء تفكيره وتدبيره إلى الزواج سراً للمرة الثانية في إحدى الدول العربية ، والندم لايترك له راحة سالمة .... يخشى من أهلها إن فارقها وربما طلبوا منه مبلغاً كبيراً عند الطلاق .... وهنا يخشى من زوجته الأولى ...

    يداي تتناوبان في حمل جسدي مرفقاً بالنافذه ... يد تستريح والأخرى تبدأ مهامها .... استقبل (م) مني جرعة وافرة من اللوم وإبتلعها بجناح خافض ... ما أجمل العائلة مهيئة لحمل أعباء حياتها بالتقاسم والتعاون ... وما أصعب أن يجمع الرجل بين ضرتين الأولى في أرض والثانية في أرض لايطئها بدون جواز سفر .... حياة إحداهما على حساب الأخرى ومابينهما أبناء ضحايا .

    انتصر الندم في قرارة (م) وعزم على إصلاح الأمر بعد الإنعتاق من أزمة السجن الغامضة ,الزنزانة (49) على شمالنا لابد من وسيلة للتواصل معها ..... الشرطة يتركون لنا كوباً كبيراً من أكواب الشاي والحليب ..... كوب بمقاس راحةا ليد ... طلاؤه أبيض ذو حافة زرقاء كحلية داكنة .... قاعه مثخنه بالصدمات والتعرجات ، نوعية تسميها النساء ( شمندر ).

    نحدد من جدار الحمام عدة أشبار ونبدأ عملية الإتصال ... بالقرع بالكوب على الجدار عدة طرقات ,فيصل الصوت إلى الزنزانة (49 ) بمثابة رنين الهاتف ..... هم كذلك كما نحن يضعون الكوب , فوهته بإتجاه الجدار ، في حالة نصف إغلاق .... نمكن فمنا من النصف المفتوح من الكوب ... نبوح بما يجب نحو الفضفضه .... الطرف المقابل يلوي أذنه في الجزء المفتوح من الكوب ، وتستمر الأحاديث في تفصيل واسع ، واسهاب مترامي المعاني ... عند الإنتهاء من مأرب الكلام يختم المتحدث المكالمة بإشارة (حول) ويقرع الجدار بالكوب مرتين متتاليتين ، فيستلم الخط المتحدث الآخر بعد القرع مرتين متتاليتين على الجدار أيضاً .

    في مرة من المرات القليلة جداً التي كنت أستخدم هذا الهاتف العصري .... شاقني الحديث مع الأخ ( جعفر الدرازي ) حيث هو وشقيقه صالح في زنزانه ( 49 ) ... أصبحا زميلين في قفص واحد ... أظنها هفوة من هفوات الشرطة هناك .... بل علامة من علامات النباهة لديهم .... وإلا كيف يتسنى لضيق عواطفهم أن تضم أخا الى أخيه في مأوى واحد . حين يريان بعضهما البعض ينبعث التلاحم والتوادد وينصرف القلق مولياً عنهما . هذه الحالة لايرضاها شخص يحمل قلب سجان .

    في تلك المرة باغتني الشرطي بفتح الباب .... ألفاني منكبا على الجدار أرسل كلامي في الكوب المقلوب .... ما حسبته أدرك صنيعتي ، لكنه بفطرة الذئب لايميز علاقة بين الهجوم والفائدة العائدة على معدته جراء هجومه .... إنما هي فطرة الهجوم وتمكين الظفر والناب ، بهذه الفطرة السبعية انقض علي ..... وبشحنة من الغضب المتدفق قال : ( أنت شنو يسوي ) ؟ كان الصمت أفضل وسيلة للخروج بأحسن النتائج وكانت مصادرة الكوب من زنزانتنا أقل جزاء لما اقترفته يداي .

    الأكواب في منازلنا ( على قفا من يشيل ) لكنها في ظرفنا ذاك كانت تعني لنا الكثير .... كنا نخزن فيها االشاي لإستخدامها اثناء الجوع الطاغي بين الوجبة والوجبة .

    ولها وظيفة الهاتف بعد الفراغ ... وتكفي هذه الوظيفة لتكون عزيزة على مقطوعين يتوصلون بها إلى تقليم أشواك الغربة من أحشائهم ..... البقية تأتي

  9. Top | #9

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    قناة أخبار المضطهدين ( 8 )

    يضطجع جسد السجين على فراش أشواكه لاترى ولاتزال .... يتقلب جنبان ليفرغان سيول الهم فلا تنقضي ..... العيون ملئ بمشاهد الأحبة الأبعدين .... هم في أقصى الوطن ونحن في أقصاه الثاني ، نفتح من أجفاننا أقصاها فلا يواصلها إلا السراب والأوهام .

    يحتسي صور الذاكرة ببطء ..... يتزود من أطياف أحبته الغالين ... الوله مستعر في شرايين الفؤاد .

    عند العاشرة من كل ليلة تنكفئ الأنوار خامدة ..... لتصبح الوجوه ذات صورة واحدة والأجسام كتل ملقاة في زوايا الأقفاص الكنكريتية .... تسترخي الهامات على وسائد المعتقل ... آماقها معلقة بالأعلى .... ومن عتمات الظلام تنبجس صور الأبناء والزوجات والأمهات ، الأب يرى ابتسامات أبناءه تضاحك عينيه ... والأبن يشاهد أحضان أمه مشرعة لتضمه بين جانحيها المهيضين ، أطياف الزوجات الثاكلات ماثلة تكسر قيود النسيان ... لاتغرق العيون في المنام إلا بعد معارك شرسة مع الأرق الكئيب .

    عندما تصطك الأجفان كل مناها أن تزورها الأحلام الوادعة .... الأحلام في تلك الفضاء لا تأتي إلا لماماً .

    قلوب مغلفة بصدور بدى أثر الهزال عليها .... قلوب يشغلها الخوف على أعزة يكابدون الفرقة وحضور المداهمات ... البلاد لازالت حبلى بالتوتر .... مادامت القيود موثقه على المئات لايهدأ أنين الجراح ..... الغضب الشعبي يخبو فيحسبه الجلاد تلاشى واستحال رمادا .... لكنه ما إن يثيره إلا وتترجل في وجهه فوهة الغليان .

    وقلوب أحبتنا هناك بعيداً تطير تبحث عنا فلا تجد لنا أثرا ولا خبرا يوقع بالإطمئنان في خفقاتها .... في شهر التوبة والغفران عند إنقضاء نهايات السحر تشعل الأضوية في الزنازين ... تنتزع الأسرى أجسادها من أسرة أهل القبور .... تلتقط الإنتباه من سهادها وتمتد الأصابع بالضغط على الأجفان المتخدرة .... علها تفيق من رقدتها ... يمر الشرطة بعربتهم على الزنازين بالتسلسل ..... كومة من المفاتيح بأيديهم ... بنفس رقم الزنزانة يستخرجون مفتاحاً يدسونه في القفل ... يفتحونه ... ينتزعونه من الباب ، تفك الباب حصارها فتطل وجوه عيونها ذابلة النظرات .

    يقدمون لكل منا صحناً من ( البلاليط البني ) وكوباً من الحليب الصناعي بالإضافة لأربعة أقراص يلاحقها سواد التنور حول كامل قطرها .

    نقضي واجباً بتناول السحور .... ننتظر صلاة الفجر الوادعة ... نستقبلها بركعات تحية وترحيب ... نصف أقدامنا مؤدين صلاة الفجر في سكينة ووقار .

    تنقضي ساعات النهار نصفها ، وتستعر الشمس في وسط الأفق معلنة وقت الزوال , بعد صلاة الظهر جمعا بالعصر .... تنشد أعصاب الإنتظار ... ننتظر أخوة لنا ذهبوا صباحاً بعضهم ورثته أجواء المعتقل أمراضا راح يطلب لها دواء في مستشفى القلعة .... وبعضهم شاءت الأقدار وقوعه في ذلك اليوم بيد ( اللجنة ) .... وآخرون ضحك الحظ لهم مؤقتاً .... حصلوا على زيارة من أهليهم .

    ننتظر كل أولئك بعودة محملة بالأخبار ، الأخبار لازالت تحاكي حاجة في النفس للكشف عن المجهول ، نعيش في ركن ناء كما يريد ظالمينا ... لو قامت الدنيا هناك أو قعدت لانعلم ، نحن عضو من هذا الوطن يؤلمنا ما يؤلمه ، وتفرحنا رؤيته فرحاً .

    ننتظرهم على أحر من حمم البركان .... يعودون وأسماعنا مسمرة لإلتقاط خطواتهم .... وأعيننا ساهمة على صور أقدامهم ... وقلوبنا تتحرق لأسرار لازالت خلف ألسنتهم ... يؤدي العائدون صلاتهم هادئة مستقرة ... وأعصابنا في إنتظارهم لاتعرف القرار .

    الإنتظار يلعب بعقارب الأزمنة .... يحيلها فجة ثقيلة بعين الراغبين ، ويرسمها هشة خفيفة أسرع من البرق على الكارهين .

    في نهاية الأمر يصعد أحدهم من إحدى الزنازين ينادي على أحد العائدين ... هنا يأزف وقت الإتصال بالوسيلة الرابعة .... نصعد على السرير الحديدي ، نميل جذع جسدنا لليمين حيث فتحة التهوية بين السقف والباب ، فتحة بإرتفاع 8 بوصات وطول لربما تعدى 14 بوصة ، تمتد عموديا في ارتفاعها قطع من الالمنيوم كما في فتحة المكيف .... أيدينا تدخل بين قطعتين من القطع لتوازن الجسد ... بينما الأخرى تحلق في فضاء الإعتقال .

    غالبية هذه الفتحات منزوعة القطع ، أو احتفظت بقليل منها ، نثبت ما بين الحاجب وأسفل الفم في الفتحة .... بالنظر داخل الفتحة نلتقط صورة الواقف أمامنا في الزنزانة المواجهة ... وما لم تمكنا من رؤية رؤيته الفتحة السفلى تحت الباب ، أخذناه من الفتحة العليا وجوه نرى في تغضناتها صور عن أنفسنا .... الفتحة ممتدة ومتفرعة لكل الزنازين في قسمنا من ( الثلاثينات ) حيث تبدأ الزنازين من الثلاثين حتى ( الستينات ) .

    كل من يتكلم في هذه الفتحة يصلك صوته .... يختلف الصوت قوة أو ضعفا بحسب بعد الزنزانة عن المسامع ....... عند كل فتحة يتعلق مندوب عن زنزانته ، يدون في رأسه حصيلة اليوم وبعد الهبوط يفرغها في آذان المتشوقين لتفاصيلها .

    كل يوم عدا الخميس والجمعة نصعد نتسقط الأخبار حسنها وسيئها .... الأوضاع في الخارج تحوم أطيافها في أذهاننا ... استقرار الوضع وهدوئه يومي بإنفراج الأزمة وتأجح الحالة وتوترها كذلك تؤكد أننا في ذاكرة من هم بالخارج .

    المعتقل يتعلق بأحرف الفرج حرفا حرفا ..... مرات تأتيك الأخبار متصادمة متساقطة خبر يؤكد و آخر ينفي .... للناقل دور ونفس في صناعة الخبر .... فمن يود الخلاص بالإستقرار ينحاز لأنباء الهدوء عامة . ومن يرى الإستمرار بالمطالب بأقصى الوسائل يرجح أن التوتر قائم في أنحاء الوطن .

    أعجب ظاهرة حارت بها التحليلات ، فتحة التهوية تلك كانت بريداً للصوت والصورة ... وبريدا ممتازا لتمرير الضروريات من زنزانة لأخرى .... الذين سبقونا في الفضل والمعتقل اخترعوا وسائل التواصل تلك .... ألا يقولون الحاجة أم الإختراع إذا عليهم اختراع طريقة تربطهم بأشقائهم في المحنة .

    ماذا صنعوا ياترى ؟ استخدموا إطارا قماشيا نزعوه من اللحاف وأوصلوه للزنزانة المقابلة لهم .... جعلوه بطريقة البكرة يذهب ويعود .... كلما استخدمنا اختراعهم قلنا لهم : شكرا على ما أسديتم لنا ! هذا ليس عجيبا بالنظرة الطبيعية ... إنما أعجب ظاهرة تقرع أفكاري للآن وجود حبل سري كالسابق يصل بين زنزانتين متجاورتين وليستا متقابلتين .... هذا يعني أن يسير الحبل مستقيما فينحرف لليمين وبعد مسافة لا بأس بها ينعطف لليمين مرة أخرى ليصل بعد مسير بسيط للزنزانة المجاورة .... كيف تسنى لهم تمديده وبنفس طريقة البكرة ؟! بهذه الوسيلة تكون 8 زنزانات متواصلة ويمكنك نقل ما بالزنزانة الأولى للثامنة عن طريق النافذات الخلفية وفتحات الهواء ( الدك ) كما تسمى هناك .

    أربعة جدران تعتقلنا وأربع وسائل نفك بها جزءا من قيدنا وأربعة نحن .... ولاأجمل من مرة كنا نحن أربعة نتنعم بأربعة انتهاكات بنظر الجلاد ... واحد متسلق بالنافذة يقضي من منادمة وطرا بصوت ولاصورة .... والثاني يغمر الكوب بما تجود به قريحته بصوت ولا صورة أيضا .... والثالث افترش الأرض ومكن عينيه من أسفل البوابة يسترق المحادثة استراقا حذر الهوز ..... محادثة بصوت ونصف صورة كالأسود والأبيض ..... والرابع حاز على نصيب الأسد من الدك يواصل البوح بما استجمعته ذكرياته السابقة .... بوح بالصوت والصورة بعيدا عن أقدام الشرطة وعن عيونهم مالم يقتحموا الباب ..... البقية تأتي.

  10. Top | #10

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    اليوم تغيرت الأدوار (9)

    تتوق الروح للحرية وللتنفس خلف القضبان .... تبادر أكفنا بطلاقة للنافذة العليا أتأمل الدنيا خارج أسوار السجن .... أراقب البحر لازال يمارس الذهاب والإياب .... ولا زالت القوارب ساكنة فوق سطحه تنتظر الصيادين .... هذا البحر بآخره على الطرف الآخر من شاطئه ترقد أرض قريتي البعيدة .... يحط طائر على سور السجن .... على السلك الشائك بالذات ..... الطائر عيناه متجهتان نحوي .... طويلا حدق في وجهي .. يالسخرية المقادير ، في يوم ما كنت ياطائر خلف القضبان تبتلع الحرمان وبرغمه تبعث تغريداً شجيا ، كنت تحلق في فضاء ضيق في قبضة القضبان .... وكنت لا أعبأ بك سجينا تحن للحرية .... اليوم عكست الأيام الأدوار ، أدخلتني خلف القضبان وأطلقت جناحيك للريح , الفرق كبير بين الأمس واليوم .

    بالأمس لم أعرك طرفا من انتباهي ، واليوم جئت تواسيني وتزورني .... بالأمس سجنتك ولست من بني جنسك ..... واليوم جارت أيدي بني جنسنا علينا ..... سافر ياطير وخذ من خلف القضبان الحديدية شوقا يتلظى بين أضلاعي .... خذه علك ترى أحبة يتمنون بريداً من جهتنا .... قل لهم كما قال علي (ع) الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر .

    أجسامنا تكلست من الغبار والأوساخ .... الماء لوحده لا يزيلها ، قلبنا الزنزانة رأساً على عقب ، نبحث عن إرث من السابقين يفيدنا .... أخيرا ظفرنا بالكنز المفقود .... قطعة مستهلكة من الصابون ، لا تكفي للإستحمام لمرة واحدة ... ملقاة خلف ( السيفون ) .... الأتربة تزيدها حجما .... رائحتها صدعت رؤسنا ..... منذ أمد لم تمارس أنوفنا مثل هذه الروائح .

    ( الصابونة ) إرث لايكفي لواحد ، علينا توزيعها على أربعة .... على أجسامنا أن تشم رائحتها على الأقل وإلا أدركتنا الأمراض الجلدية المتربصة بالمعتقلين .... علينا برغم البرد التزود بشيئ من بركات الصابون .

    الصابون ممنوع هناك ، فلا يمكن أن تكون معتقلاً ومحقاً ونظيفاً ... يتوهمون .... المظلوم كقانون الفعل ورد الفعل ..... لكل فعل رد فعل .... يساويه في المقدار ويخالفه في الإتجاه ، إذا منع الصابون, مبادئنا أنقى من الصابون .... الصابون يذوب ويتحلل وتتبخر رائحته .... ونحن لا نذوب ولا نتحلل وعبق الكرامة غالب أينما نكون .

    الفرشاة ومعجون الأسنان تلك الأشهر الأولى نسيناها مجبرين .... مبالغة في التحقير ولربما نظام كان ذلك, يقتدون به في تأديبنا ، كذلك الشامبو حرمته علينا شريعتهم .

    كما يقول الأستاذ عـ .... طعامهم يبقيك على قيد الحياة ولا يقويك ، عندما تشرق الشمس وتبدأ في لبس عباءتها السوداء ، نصلي قبل الإفطار .... ريثما يأتون بالإفطار ، نتم الصلاة ونبقى أربعة نشبه بعضنا بعض في المظلومية وفي القيد الرابط بين الكفين .

    يشرعون في توزيع الفطور علينا .... صحن من الخضار المتهرئة المطبوخة ( شخر نخر ) ورغيف ... رغيف كلمة ترسم لك صورة لقرص تفوح رائحة الفرن منه وأطرافه تتسابق في نظامها ، أما رغيفنا فمجازا نسميه رغيفا ... رغيفنا جسد ذابل كالجلد في القطع نعترض على رداءته أحيانا ... نصر على استبداله ، يتجاوب بعض الشرطة أحيانا.. يستبدلون القرص بآخر أقل رداءة منه .... ولكنه يبقى من نصيب آخرين في المعتقل ...يقال في الحديث (( لولا الخبز لما عبدالله .... إنما هذا الخبز يناسبه أن يقال لولا الخبز لما كفر بالله ....

    كوب من الشاي الأسود .... يذكر أحد الأخوة أنهم يضيفون ( الكافور ) فيه ، في ليلة الأحد يستبدلون الخضار المطبوخة ( شخر نخر ) بالعدس ..... صحن مليئ بالعدس مع البصل المقطع وقد تجد فيه قطعة من البطاطا لا يتسع لها فم إنسان .

    العدس طعام الأنبياء كما يقولون .... ما أحسبهم يريدون لنا أن نكون أنبياء ولكنها مشيئة القوي في الإبقاء على الحياة .... مرة من مرات العدس اللا متناهية ، رحت أعب العدس مغلفاً بقطع من أقراصنا السابقة ..... لقمة .... لقمات متتابعة ... وما أوقفني إلا فرقعة في فمي كادت أضراسي أن تتفتت منها .... أوقف الحدث أصحابي عن الأكل ريثما يخلصوا لنتيجة تجاسرت أصابعي متسلسلة إلى فمي .... واستخرجتها ..... كانت قطعة كنكريتية بحجم نصف بوصة تقريبا .. !!

    ألقيت بها فوق صفيح الباب .... فأصدرت صخباً لازلت أسمعه لليوم حينما أعود بالذاكرة قال (ج ): إنهم يختبرون مدى تحمل أسناننا ! أما زالت قوية أم انهارت من جفوة الإهمال ؟"

    الأيام تعبر علينا رتيبه بطيئة ، الخميس والجمعة ينزلان علينا كما نزلت الصيحة بقوم ثمود ، تأخذنا صيحتهما فنصبح في زوايا زنزانتنا جاثمين .... في الخميس والجمعة لازيارات أهلية .... ولا مرتادي مستشفى ... يغلق العنبر أبوابه عن الخروج ، 48 ساعة نجتر فيها السأم والإنتظار .... الإنسان مدني بالطبع ، يأنس بالآخرين وتنفرج أساريره برؤية إنسان .... الصاحب في المعتقل إنسان لكنه مع طول المدة تماهت روحه بأرواح أصحابه .... أصبح النظر منا للآخر كالنظر في المرآة .

    الأدعية النورانية فوق ( الطيفان ) لاتكفي لملأ الروح بالطاقة الإيمانية ... نعمة من الله علينا أن رمت الأقدار الأستاذ -ع- في زنزانتنا ، ذاكرته لازالت طرية تحتفظ بفقرات دعاء الصباح .... نعم يا أستاذ هاته نحلق في رياضه كل صباح . استللنا للأستاذ قطعة من الألمنيوم .... راح الأستاذ بخط جميل يرصع الكلمات في طلاء الجدار .... اللهم يامن دلع لسان الصباح بنطق تبلجه ، وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه ... أتم كتابة الدعاء بخط واضح كبير ... في صفحة الجدار بالقرب من البوابة .

    الأدعية عزيزة الوجود ... نخاف أن يلاحظوا وجودها في الجدار وتعلقنا بها ، فيزيلونها ويقطعون بهجتنا بالعثور على بساتينها العاطرة .

    لابد من الإحتفاظ بوسيلة لايتمكن القهر من إزالتها .... رحت انقله حفظا من ذاكرة الجدار إلى ذاكرة القلب ... حتى أكملت حفظه مستعينا بتلاوته عقب صلاة الصبح .

    في فقرات الدعاء استهلال بالثناء على الله .... والإتصال بساحته القدسية والإنقطاع عن المخلوقين .... فماذا ستجدي السجون في قلوب محلقه سارحة في أعلى عليين . هذه هي النفس توثق علاقتها بالله... تزداد قوة راسخه ... تنصرف في تهجدها وتضرعها فلا تهزمها أعتى القوى ... ولكن حين تغفل عن الطريق شيئا ما ... تتقاذفها الهموم والظنون .... ويعصف بمصيرها الضعف .

    هناك في السجن أقوياء وضعفاء .... كل بإرادته كان كذلك ، وهو محطة اختبار يعبرها الكثير .... ولكن ماذا أخذ منها كل على حدة ، الإعتقال مدرسة إذا كنت استاذا ... يعتقد الشرطة غير هذا ، إحدى المرات جرى جدل بيني وبين شرطي أساء المعاملة كأكثرهم في التعامل .... قال أنتم مجرمون ! .... قلت له وكيف ذاك ؟ .... قال لايسجن إلا المجرم .... قلت له : ماذا تقول في النبي يوسف ؟ ألم يقل( رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه).... أيتمنى السجن ليكون مجرما .. وقال القرآن ( فلبث في السجن بضع سنين ) ... وبمنطق أهل الدنيا أيضا يقولون : ياما في السجن مظاليم ... كان جوابه أن انصرف بدون جواب .

  11. Top | #11

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    ها قد لاحت علامات انقضاء شهر رمضان .... رمضان يختلف عن الرمضانات الفائته ...طعمه الغربة والحرمان بالإضافة إلى الجوع ... ويطل العيد ، عيد غير سعيد .... انتصبنا لصلاة العيد قانتين .... اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل التقوى والمغفرة وأهل العفو والرحمة ، اللهم بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا .... وتختنق الكلمات في حناجرنا .... الذي جعلته للمسلمين عيدا ، أعيدا هذا حقا؟! .... أمسلمون نحن حقا .... نتم الصلاة ثاكلة بمثكولين .

    تنزوي أجسادنا متكورة في تأملاتها ، تعود بنا الصور إلى أعزتنا في عيد بدوننا ، أيعيشون الفرحة بعيداً عن أحضاننا ؟ ... أتنفرج شفاههم بالعيد أم يخنقهم البكاء ويحبسون الدموع كما نحن محبوسين .... من يلبس أبنائنا الجديد من لثياب ويطبع على خدودهم قبل الحنان ، أيلبسون الجديد ونحن غائبون ... غائبون في المجهول ... أتراهم يعيشون شعورنا الآن ؟ أفهل سهدت عيونهم بإنتظار اليوم أم راحوا يذكرون أعيادهم المنصرمة؟ .

    نعم قسوة سجاننا حالت بيننا وبين فلات أكبادنا ... وزرعت في أعيادهم ألما... صغار أجهضوا عيدهم ، واختطفوا السعادة منا ومنهم ..... اليوم من يقبل رؤس أمهاتنا ؟ ... ومن ينتزع الشيب من رؤسهن لفراقنا .... عيد بأية حال عدت ياعيد... كما يقول المتنبي ... تسح العيون فياضة على عيد غدرت به القيود .... البقية تأتي

  12. Top | #12

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    يازهراء للإنذار (10)

    يعود السبت محملاً بالنضارة في معنوياتنا .... السبت خارج هذه الأسوار يعود بي إلى سبت أسود بسواد الدجى ..... سبت لم تلد الأسابيع مثله سبتا .... نهاية نهاره لملمت السنابس جراحها ، هدأت زمجرة الجراح فيها مخلفة في أرضها شهيدين ... وجثث أخرى , مشاريع شهادة لم تكتمل .... زارها الليل مهشمة الضياء .... السكون يعوي في طرقاتها .

    السبت هنا يفتح أملاً منعشاً برائحة الطلقاء خلف أسوارنا .... تعود القافلة من القلعة لتجمع نتاج يومين صامتين ، وعندما تتهيئ الآذان في ( الدك ) في كل الزنزانات .... حينذاك لابد ( للعنبر ) من عين ترصد الشرطي ، لينذر المستمعين بالهبوط قبل إدراكهم متلبسين ( بالدك ) .

    في باطن زنزانتنا يقع جهاز المراقبة ( الرادار ) .... كيف مكنتنا الظروف الضائقة من تجاوزها ؟! ... قطفنا قطعة من قطع الألمنيوم الراسخات في الدك .... وحصلنا على قطعة صغيرة من الصابون متهرئة ... وببحث جاد في الثغرات المتفرقة في الزنزانة عثرنا على مرآة صغيرة لاتمكننا من رؤية وجوهنا الشاحبة كاملة .

    ألصقنا المرآة في قطعة الألمنيوم بالصابونة المنهكة ... وها قد تم تصنيع جهاز الرادار ... عند إلحاح العاطفة لتفجير ترانيم الولاء الحسيني أو التشاور أو التحليلات العامة ... عند كل ذلك .... يمتد أحدنا فوق الأرض معطياً صدره للأرض .... يضع الرادار بين الوسطى والسبابة .... يدفعه للخارج حتى يتمكن من كشف البوابة الرئيسية للعنبر ... يعطي العين اليسرى إجازة بإغماضها ....يركز النظر باليمنى ، فيرصد حركات الحارس مع بعد المسافة .... جهاز بسيط بدائي يفي بالغرض كاملاً .... كما يتفنن السجان في تشفيه يتفنن السجين في التنفيس عن كربه ..

    مع أول بادرة لأقدام الشرطي بالدخول .... مع تلك الخطوة الأولى ينطلق الإنذار من صاحبنا معلنا بدخول الشرطي .

    الشفرة المستخدمة للإنذار بقدوم الخطر كانت كلمة ( يازهراء ) تكفي مرة واحدة من صاحبنا مناديا : يازهراء لتترجم الآذان للأفواه أمراً بإلتزام الصمت ... حين يبتعد الشرطي يواصل صاحبنا بمراقبته بالعين مجرده عن رادارها وعندما يتعداه دخلا ( للستينات) .... يتعداه بخطوات لا بأس بها ... يهتف بــ ( يازهراء ) مدوية لتصل ( للستينيات ) وتخبرهم بقدوم الشرطي ... حيث لامراقبة لديهم .

    لا أعلم في الواقع من أسس شعار الإنذار ( يازهراء ) ، لكنه بالطبع اختيار موفق ويوحي بنضوج الرؤية ... يازهراء إعلان بالمظلومية ... يرفعه المظلومون يؤكدون فيه بقاء مظلوميتهم امتداداً لمظلومية الزهراء (ع) .... يازهراء تعود بالسمع إلى يوم وقع فيه الهجوم الأول على البيوت الآمنه .... وكانت حصيلته هذه الزنازين الممتلئة بالأسرى .

    يازهراء .... تبعث في النفس ارتباطاً بحق مضيع ... لازالت المطالبة به قائمة في الوجود ، نعم ( يازهراء ) كانت أمانا عند الخطر ، أليست هي من تلتقط شيعتها يوم الحشر التقاط الطير للحب الجيد من الحب الردئ .

    حين لا يتمكن صاحبنا المراقب من الكلام .... ذلك حين يعاجله الشرطي ويكون ملزما بالصمت تكفي ثلاث ضربات متتالية على الجدار ليكون الصمت حاكماً ... بقبضة اليد نوجه قرعا على كتلة الخرسانة تلك .... فيمتلئ العنبر بصدى مفخم مدو كقرع الطبول... نقرأ في وجوه الشرطة حيرة مخفية ... الإستغراب والإندهاش يعصفان ببساطتهم ... يفكرون كيف يتسنى لنا معرفة وقت دخولهم ..

    أحد أفراد الشرطة كبير في السن يطلي رأسه بالحناء ... شبهه رفيقنا (م) ( بطاسة الصفر ) نعم كانت هامه مصبوغة بالحناء كآنية النحاس .. هذا الشرطي كان يقول لأحد رفاقه : ( هذول عندهم شفره ) ... لما يدخل الشرطي يقولوا (ياسرى الليل) .

    التقطت مداركه وجود شفرة ... ولم تسعفه خبرته في معايشتنا بمعرفة ( الزهراء ) في أعماق عشقنا ... وما زالت صورنا مبهمة في نظره ... وملامحنا غير بارزة لدى مداركه المقتصرة على تصديق كل افتراء علينا .

    بهذه الصور تنتقل الأيام بنا من زمن لآخر ، نخوض الضيق ونصنع من شدائده عكاكيزا تسعفنا في اجتياز العقبات ، بطبع وظائفهم صاروا بارعين في السخرية من كرامة الإنسان .... الفريق الأول من شرطتهم عندما أنهى نوبته في (عنبرنا ) وصار عليه أن يغادرنا إلى غير مكان .... كان عليه أن يبدي سيطرته على الوضع ، بعد العيد مباشرة جاءوا ، فتحوا الباب ، راحوا يتملون النظر في الجدران ، وكأنهم لأول مرة يشعرون بإحتوائها على ممنوعات .

    أجبرونا على تمحية كل مايمت للكتابة والقراءة بصلة .... أيدينا مجبرة مددناها بقطع من القماش مبللة ... محونا نصوصاً غالية على وجداننا .... محونا نبضات من قلوبنا .. أزلناها وكأنما أزلنا بعض أعضائنا .... عقاب قاس ذاك ما أقساه .

    لم يكتفوا بحجب الكتب عن نواظرنا .... بل وأزالوا كل جميل من أبصارنا ، وكما يقال ( لا أرحمك ولا أخلي رحمة الله تنزل عليك ) .... كانت مرحلة لايشبهها إلا الإعتقال نعم كانت اعتقالاً آخرا يحل بروحنا .... ولم تكن الزنزانات الباقية أحسن حالاً ، لو فرضوا علينا نقلها بحبر من دمائنا قبل محوها لفعلنا ممنونين . كيف يسمحون لنا بنسخها وهم يستمتعون بنسفها .

    ألا تعطى الهدايا والعيديات في العيد , كذلك نحن أعطينا عيدية تروح العصور وتنتقل ونبقى لا ننسى عيديتهم ... أحالوا العيد إلى جنازة شيعنا في إثرها أغلى مقتنياتنا . نصبنا في العيد ( فاتحة ) على ما فقدنا من أحبة أدعيتنا ومأثوراتنا .

    كانت فاجعة لم يخفف الخطب بها إلا بقاء بعض الأدعية محفوظة في صفحات صدورنا لم يتمكنوا من محوها ولو تمكنوا لما توانوا عن إجبارنا في اتلافها ... وتشاء الأقدار أن تبقى القلوب مصونة من اقتحامها والتفتيش في أسرارها ... في حنايا قلوبنا طبعنا نسخا مما استطعنا نسخه فكانت عزاءا لنا في محنتنا ... وانصرم النهار وولى مدبرا وزنزانتنا جاثم على صدرها صمت المقابر القاتل ... يجول في زواياها الكدر البغيض ... ويعتصرها الألم المرير ويعشعش في مخيلتها نعيب البوم وتنفلت صور النحس في أجفانها انفلاتا ....

    زنزانة ضاقت بهمومها واتسعت لتكون مقبرة ملئ بالقبور ... قبور الممحوين والمصادرين والمحرومين من مناجاة رب العالمين .... البقية تأتي .

  13. Top | #13

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    صيد عشوائي ( 11)

    خلف ما ينصرف الشرطة محملين بالصحون الفارغة والأكواب الخالية ، يعود المسجونون إلى الإختباء بين الجدران الأربعة ... يعودون يسردون لشركاء زنزانتهم قصص طفولتهم .... وجل ما يداعب اهتماماتهم ، تغدوالألسنة يفيض من كلماتها الحنين .... تفضفض القلوب في بعضها البعض ، يتبادلون المعارف بينهم ، ويغرقون أصحابهم بسحيح من الخبرات ... حتى إذا نفذ ما في الذاكرة من مخزون ، أعادوا نفس القصص بصياغات مختلفة ولربما كانت هي هي ... يعودون لبث ذاكرتهم كشريط الكاسيت ، تعاود سماعه حين لا يصح بيدك سواه .

    يحكون شواغلهم ويتحاورون طويلاً في كل شي ... في الدنيا والدين ... في السياسة والشؤون الشخصية ... يتنازعون أحيانا ، طبعاً فما داموا ينامون ويفيقون على نفس الوجوه .... أينما أداروا طرفهم ، هي نفس الوجوه ، ألفوا كل التفاصيل في وجوه أصحابهم ، ختموا ما يحبونه ومالا يحبونه ... ألفوا بعضهم ألفة الشخص بذاته ... من الطبيعي حين يصلون لهذه المرحلة أن تبدر بوادر الخلاف والنزاع .... هم بشر تترسب في ذواتهم الصفات الأرضية ، ليسوا ملائكة منزهين عما لا ينبغي .

    الدنيا تقع خارج هذا الصندوق ، وأقرب طريق لها ولرؤيتها يقع في النافذة المربعة ... هناك حديث يقول النظر للبحر يذهب الغم ، إذن من النافذة المطلة على البحر أبدد الغم .... بحر هادئ ... أمواجه كبساط أسود ... النجوم تغازل مياه البحر بوميضها ، الساحل وادع لايعكر صفوه زوار .... بعض القوارب بعيدة ، تبحث عن صيد تسد به رمق الحياة ، لعل الصياد حين يلقي شباكه لا يتكهن بنوعية صيده .... قد تأتي شباكه بصيد متنوع .

    كذلك شباك مختطفينا أيها الصياد جائتهم بصيد متنوع عشوائي .... جمعت شباكهم في ليلة واحدة كل ما في هذا ( العنبر ) ..... مزيج لايجمعه مسمى إلا مسمى المضطهدين ، يضم عنبرنا كما وافرا من طلبة العلم ( رجال الدين ) وعددا كبيرا من ( الرواديد ) ومجموعا لابأس به من ( الأساتذه ) وآخرون ممن هم بين هذه الفئات .... مزيج لايلتقي في معادلة واحدة ، مزيج جمعته في مكان واحد ماتسمى بـ ( القمعة الأمنية ) أو الإعتقال الإحترازي .

    بلى أيها الصياد هذا قدرك وقدرنا ... الصيادون يعنونون قواربهم بمصابيح تحفظهم من القوارب المتحركة ليلاً ... البحر مزخرف بمصابيح الصيادين والسماء مزخرفة بمصابيح النجوم ، لوحتان متناظرتان تضوعان جمالا وسحر ا ... وزنازيننا بينهما تعصرنا حسرة وتصبرا .

    رأيت نفسي في النافذة ، ولم تبارحني قصة ( الشيخ النجاس ) ... الشيخ كان قدره زنزانة في الستينات ، أوثقوا كفيه في ( الهفكري) كما أوثقونا ، لم يرتح الشيخ لصنيعهم ... تحايل على ( الهفكري) دعك معصميه بصابونة وجدها وأخرج كفيه من ( الهفكري) ... ألقى بالهفكري في ( السيفون ) .

    كان لا بد لهم من اكتشافه طليقا بين رفاقه المقيدين ، سألوه أين ( الهفكري) ؟ نفى الشيخ أن يكونوا قيدوه بالهفكري ... جلبوا له ( هفكري ) آخر وغللوه ، هكذا وأعاد الشيخ الكرة ثانية ... وألقى بالهفكري مع رفيقيه في ( السيفون ) ، قيدوه للمرة الثالثة ... ولكون نوبة الشرطة مختلفة لم يدركوا انخداعهم ..... لكن وكما يقولون ( مو كل مرة تسلم الجرة ) بعد القيد الثالث ..... كان الشيخ متسلقا في النافذة يحاور ويتكلم براحة .... وما استفاق من غفلته إلا والباب تفتح .... أدركه الشرطي بالجرم المشهود ... جرم التطلع للحرية المسلوبة ، وجرم التحدث للزنزانة الأخرى ، ولعلهم عدوه يستمتع بالنظر للساحل البحري .
    تنبه الشرطي لخلو يد الشيخ من ( الهفكري ) فإنفرجت أساريره بصيده الثمين ... أغلق الباب وذهب مسرعا وأبلغ رئيس النوبه .... جاءوا مدججين بالأهواز ... أعادوا السؤال على الشيخ ! أعاد الجواب المعتاد عليهم . أدركوا وقوعهم في الفخ ! بدأ الإستنفار .... نقبوا الزنزانة عن بكرة أبيها ، وانتهى بهم التنقيب عن ثلاثة ( هفكريات ) ملقاة في باطن ( السيفون ) . كان العقاب أن وضعوا طرفا من الهفكري في رجل السرير ، والآخر في كف الشيخ . جزاءا لتجاهله كل رعبهم .

    حجر ياما ضمت أجسادا مهشمة الأعضاء ... يعبر المعتقلون الحجر نفسها ويتبادلون الآهات نفسها ، يتوارثون الآلام .... يحفرون بما أوتوا من وسائل أسمائهم في ظهر الجدار .... يحفرون أسمائهم لتكون سلوة للتالين ... ليقرأها اللاحقون مجلجلة بالعنفوان ، وتنتعش في دمائهم زهرة الصمود ... وتطل من لحظات عيونهم أشعة الإباء الحسيني .

    زنزانات تهجدت في أسحارها أحباب الله ، وتشوقت آباء لنظرة يتيمة من أبنائها ... آباء وأبناء عاشوا فيها حقيقة الحرمان ... أجساد قريبة من بعض ، تفصلهم جدران قاسية ... أب في الستين من عمره حنت المعيشة ظهره والأبن في زنزانة قصية عن والده ... يتخاطبان عبر فتحة الهواء ، يصل الصوت ضعيفا من صفائح (الدك) الإبن ينتابه القلق على شيبة أبيه . الأب الملاحق بتبعة الأمراض ، يتبادلان الوصايا ولا يسعهما أن يملأن حضنيهما من بعضهما البعض ... ألا تذوب الجدران من هول ما تسمع فيها ؟ ... ألا تتصدع تأسفا لما يطرقها من حرارة الحدث ؟ .. ألا تضج بالويل والثبور ؟

    لو اتسع الإحصاء لأمكننا أن نرى أكثر من أب في ذلك ( العنبر ) يسمع صوت إبنه ولا يراه ..... البقية تأتي .

  14. Top | #14

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    غلى هدايا السجناء (12)

    في غيابة المعتقل يختلف طعم الأشياء .... يكبر الشوق لأشياء كانت تافهة بالخارج أما الآن فلاوجود لها .... التفاحة التي تراها أمامك ولا تعنى بها ، تصبح أمنية كالأساطير ، بل وتصبح حلما أن تجدها بين يديك تقضمها منتشيا بلذتها .

    الأستاذ عـ يسند ظهره للحائط يتذكر ماضيا جميلا ... وإن لم يكن جميلا ... لكنه أجمل من حاضره .... يعصف به الحنين إلى تنسم أريج الزهور في باقة منها ... إن لم توجد الزهور فلا أقل من صورتها ، شرع الأستاذ في رسم سلة الزهور فوق الحائط ... سلة كالتي يطلب منا المدرس في المدرسة رسمها في كراسة الرسم ..

    أتم رسم السلة في الركن الذي يمد فيه فراشه كل ليلة... أتمها باللون الرصاصي بقطعة الألمنيوم ، لوحة متناسقة الأبعاد ، تحمل إيحاء بعمق الشوق الكامن في الذات ... لوحة بقت ولوبقينا لأخترعنا ألف وسيلة لنصل إلى تلوينها كما تمكن اللاحقون من صنع الألوان من ألوان الأكياس البلاستيكية .

    اللون المفرد في اللوحة لم يفقدها الشعور بجمالها ... كنا نتنفس من باقة شذاها عبقا ... بلى عبقا يزيل طبقة الأكدار المتلاحقة على زنازيننا من تضييق وتتالي أنباء محزنة ... الأستاذ عـ تعددت المواهب في شخصه ، خطاط ورسام ... ومصمم ومتعدد الإمكانيات الفنية ... قدير في المواد الفلسفية ، وضليع في الدين .

    تستطيع أن تعطيه صفة الإبداع براحة الضمير ، مبدع بمعنى واسع ... ألا تكرم الدول مبدعيها ونابغيها ، وتسبغ عليهم من تقديرها ... ها هو الأستاذ ينال أوسمة التقدير ، صادروا حريته وعطلوا إبداعاته ... وأودعوه عند كم من المرتزقه يسومونه ذل المعاملة ... يعبثون في إحساسه بالجرح والتحقير .
    كيف لا تضيق الدنيا عليه وهو يشعر بالوطن يتنكر لأبنائه يسلبهم قوتهم ، ويعطيه لأغراب حلوا عليه على غير رغبة منه .. يرى هويته يسلخونها من جلده وينصبونها وساماً على صدور الدخلاء .

    وفي آخريات الليل تحاصر عينه الهموم ...وتشحذ في وجهه سيوف الأرق ... أستيقظ ليلا لأجد الأستاذ جالسا على فراشه ، وخيط من الضياء يتدفق من النافذة يعبر من شعر رأسه واصلاً إلى نهاية شعرات ذقنه الوافرة بالشيب .

    أراه ولا يراني وكأن عيونه تنفث اشتياقاً مستعراً ... تدور عيناه صاعدة في السقف ....هابطة تستعرض الجدار وكأنها تخاطب المكان ... رأسه يحركها يمينا وشمالاً تحريك المتضايق... تلامسني حالة روحه ، يتقمصني ألمه وأسرح عن مراقبة ضجره.

    ما أكثر المرات والصور المتكررة من يقظة الشجن تلك .... لكن أملاً غنيا يتبرعم من خبايا أفكارنا ، يصنع إشراقةإ تهب مزمجرة في وجوه السجانين .

    أخيرا أرسل الأهل لي مصحفاً وملابس جديدة كملابس العيد .... ألا يعرفون أنه لا عيد لنا ؟ ... ثياب تفوح من قماشها رائحة الحياة ، الحياة التي أصبحت في الطرف الآخر من البحر ، وبدأت الثياب تتتالى علينا ... بحجم فرحتنا بها كانت تشبعنا حسرة .

    الفانيلات الجديدة والقديمة على السواء أصبحت ضحية لإبتكاراتنا ... يستل الأخوان الخيط من رأسه ... فتأتي الفانيلة كلها متفككه في صورة خيط واحد .... نجمع الخيط في كرة واحدة .... نفتل الخيط ونكون منه خيوطاً سميكه نبدأ في نسجها .

    نحيك من خيوط فانيلاتنا حروفاً ثلاثية الأبعاد .... تأتي الحروف مرة بلون واحد ومرات أخرى بألوان ممتزجة . كلما مارسنا أكثر استقامت الصناعة في أيدينا ... بالطبع لكل قدرة تميزه عن أقرانه ، ولم تفتنا كلمة الإمام علي (ع) ... قال : من تردد في شي أوتي حكمته ... وكانت ثقافتنا القرآنية تقول ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) ... مارست حياكة الأحرف حتى أتقنت إحكام عقدها .... ثم تركتها لباقي زملائي يبدعون في أحجامها ويبالغون في جودتها .... يطرزون بها أوقاتهم .... وانصرفت لما رأيته أهم ...

    هذا هو الشعب الجائع من جراء فقره وبطالته .... هذا هو يصنع من معتقله تحررا يشمخ به في وجه مستصغريه ... ... فلماذا تعطل أياديه عن إثراء أرضه ووطنه .... لماذا تقيد أياديه ولاتطلق لتعمر وطنها بفلذات جهودها ... لماذا ... لماذا .

    في التالي طور أصحابي حياكة الأحرف الفنية .... صرت أكتب لهم أحرازا على جلد نقتطعه من غطاء الفراش : أكتب ( كهيعص حمعسق وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ) .. نطوي القطعة لتتحول إلى أصغر مايمكن فينسج عليها الأخوة بمهارة ويتدلى من أسفلها خيط سميك ليكون حاملاً لها حول الرقبة .. عظام الدجاج المتبقية أيضا ساهمت في تطوير الصنعة ، يحيك زملائي حول العظم بأكمله بألوان متداخله لتكون ميدالية خفيفة حلوة المنظر ، يتهاداها السجناء فيما بينهم بوسائلهم الشتى .

    هدايا تعبر الحيطان المغلقة ... تصنع تزاورا خفيا ، يخفف من أثقال المجهدين ، فما أحوج المحبوسين عن الدنيا وزهرتها لكف تحمل في وسع راحتها عناءها ... يتبادلون هدايا تنتصب الأحراز في أجوافها ... فتنام أعينهم ساهدة في حفظ من عينه لاتنام ... البقية تأتي.

  15. Top | #15

    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.50
    المشاركات
    2,394

    رد: ذكريات سجين

    من الجنة للنار (13)

    الخروج من الزنزانة إلى مقابلة الأهل كالخروج من النار للجنة ... والخروج منها للقاء ( اللجنة ) كالخروج من الجنة للنار ...... أما الخروج من الزنزانة للمستشفى كالتجول بين الجنة والنار ... الزنزانة جنة في النار, ونار في الجنة, ينقلب في نعيمها الهاربون منها بالتسليم ... ويتعذب في جحيمها الراهبون لها بالتوهيم .

    على غير ميعاد فتح الشرطي باب المعتقل ، قرأ إسمي من ورقة بين كفيه ، قرأ إسمي كاملاً ... انطلقت من فمي (نعم) ... تخامرها الدهشة ! ، أشار لي بالخروج, الباب خلفه مفتوح على أكمله ، خرجت من الزنزانة ، فرصة لتسريح النظر في غير الزنزانة ... راحت عيني محلقة في الستينات وانعطفت بعدها للثلاثينات ، بين كل زنزانتين أو ثلاث أسير معصب العينين معطيا وجهه للجدار .

    أقفل البوابة على زملائي فصاروا في قدر بعيد عن قدري .... استخرج من جيب بنطاله الأخضر عصابة حمراء ، ربطها فوق عيني وغرقت في ظلام أسود محمر .... إعتقل كفي ( بالهفكري ) وراح يبحث بكل مالديه من جهد عن ممنوعات .... كفاه تتسللان إلى كل الأعضاء ... لم يردعه حياء عن أي موضع ، له ولع بدس يده في مخفيات الأجساد ... عن ماذا يبحث في جسد أعزل ؟ ؟ عن أي محظور يفتش ؟ لو وسعه التسلل لخلف جلودنا للبحث لما تراجع !

    يفتش عن حرز تخفيه اجتهاداتنا عن أعين المتصيدين ، أو رسالة تتجاوز الأسوار بدون إرادتهم ... وليس سوى ذاك ما يبحث عنه ... حرز يحجب عنك أذى المتربصين بجسدك ... حتى الحرز يستكثرونه عليك ... لا يريدون الله أن يكون خير حافظ لك .

    لملموا العدد المطلوب من العنبر وانطلقوا بنا يقودوننا كالعميان ... أعيننا مقفلة وبصائرنا متفتحة برغم القيود والعسف و الإضطهاد ... أركبونا (الباص) ... الباص نوافذه مغلقة بلاصق حاجب ترى ما بالخارج ولا يراك من بالخارج .

    وراحت السيارة تسير بنا إلى أقدار متعددة السبل ... نسيم من الهواء يتسرب لبشرتنا ويداعبها ... هذا هو الهواء إذن ... نقيا طريا يفعم الروح بالحيوية والنشاط ... هذا ماكنا محرومين منه أيامنا الخوالي ، مع سير السيارة تسير مخيلتنا بعيدا في تفاصيل الشوارع والحياة اليومية التي كنا جزءا منها يوما ما .

    هذه هي الحياة في الخارج ، لازالت في عنفوانها لم تتغير ... كنا نعتقدها توقفت بتوقفنا عنها كنا نراها متلفعة بوشاح الخيبة حزنا على افتقادنا ... وإذا بها سادرة فيما يشغلها ، تصل السيارة بضحاياها إلى القلعة .... تتنقل موزعة الحصص إلى مواقعها ، حصة للعلاج وحصة للقاء الأحبة وحصة للإمتحان والبلاء ... أدخلونا حجرة خشبية ، تشعر بثقل جسدك يضغط على أرضيتها ، أجلسونا صفاً على الأرض جلوس .. ( مصمدين ) لانعلم ماينتظرنا على هذه الحالة بدأنا ذلك الصباح ... أرجلنا تسعى بنا إلى خفي غامض .

    بعد انتظار طويل قاتل ببطئه ، نادى الشرطي واقتادني في ممرات مختلفة بين صعود وهبوط ... في إحدى الحجر الخشبية أدخلني ... فك عيني من أسرها ، فرأيت حجرة واسعة ,على اليمين منها صف من الطاولات ... على كراسيها ضباط جلوس بملابس مدنية وأصحاب الشمال هم كذلك .. صفان من الطاولات وصفان من المحققين ... أوقفوني بين الصفين في نهاية الحجرة ... وجاءت لحظة الحساب ، سألني أحدهم عن أسمي ؟ فأجبته ... الآخر كان جاهزاً بالسؤال الآخر ! ... هل استدعيت سابقا؟ .. قلت: نعم .. قفز السؤال من فم ثالث : ماسبب استدعائك ؟ قلت : بسبب قصيدة عزائية حكم القاضي علي بغرامة 300 دينار .. ساد الصمت على أصحاب اليمين وأصحاب الشمال .

    قال أحد أصحاب الشمال : ماذا تعمل .. أجبته : أعمل خطاطاً ... قال وضح يعني ماهي طبيعة عملك ، قلت : أخط اليافطات الإعلانية من القماش والخشب ، وبطاقات التهاني والزفاف والكروت الشخصية .

    طبيعة الأسئلة توحي بأنه لاتوجد لديهم إدلة إدانة ... إنما هي تحصيل حاصل كي لاتكون معتقلا بدون تحقيق ... أحد الضباط أستطعت تشخيص ملامح وجهه .. بلى هو بعينه كتبت بيدي بطاقة زفافه .. ولما نظرت من نافذة حجرة التحقيق رأيت سيارته قابعة بجانب الحجرة ، أيقنت من كونه هو ...

    لما سألني عن طبيعة عملي وبعد شرحي له ، عقبت بقولي : ( الضابط ..) يعرف .. لقد خططت بطاقة زفافه ... فغر الباقون أفواههم وأعينهم تنفلت نحوه ... قال أحدهم له : أي بطاقة ؟ بطاقة الزفاف التي أرسلتها لي؟ : قال : نعم .

    بعد وصول هذه المعلومة لأذهانهم خفت حدتهم ... وكان ذلك بعد أن حاولوا كثيرا أن يثبتوا أنني من يكتب على الجدران ومن يحرر اليافطات المناهضة للدولة .

    ببساطة وبقوة حجة أثبت لهم عدم صحة مدعاهم ... بسبب كون خطي معروفا ولا يمكنني أن أكتب مازعموه دون معرفتي ... أسقط ما في أيديهم أمام حجتي .

    نادوا الشرطي ليصرفني عن وجوههم ... أعادني في العصابة , وأدخلني مكان ما كنت جالساً على الأرض ... حجرة ضيقة في إحدى زواياها طاولة جاثمة ، فوق الطاولة مجموعة أهواز وعصي وخشبة سميكة اقتلعت من كزمة ( المعول) ... استطعت رصد المكان والطاولة من إزاحة طرف بسيط من ( الصمادة )

    جلوس أرجلنا مضمومة إلى صدورنا ، مفترشين الأرض ... أصوات بكاء تقتحم آذاننا من الحجرة المجاورة ... صراخ متألمين ... أصوات عصي تشق الهواء .. شط ... شط .. تتبعها أصوات وقعها على الأرجل .. قع ..قع ... صور لامست مشاعرنا بالمواساة ، صور لم نراها لكنها بقيت محفورة في تصوراتنا ... صور لأرجل محكمة القيد في (الفلقة) وأيدي من لاقلوب بأجسادهم تنهش في لحومهم ... ( لهم آذان لايسمعون بها ) بلى ! لو كانوا يسمعون لذابت قلوبهم ... لكنهم حين كانوا بلا قلوب .. وحين غادرت القلوب أجسادهم ، قالت الآذان لقلوبهم خذينا معك .

    بينما نحن في انتظار المجهول ، جاءنا المجهول برفقة أحدهم ، دخل علينا واختطف الخشبة السميكة إمعانا في تأدية واجب الضيافة ... إبتدأ من الجالس على شمال الباب ... يسألنا واحدا تلو الآخر ، يسأل فقط عن منطقة السكن ... فمن كان محظوظاً وأمه دعت له في صلواتها لم يكن من : الدراز ... أو السنابس ... أو سترة ... أو البلادالقديم أما من كان فأله أسوداً فيكفي تفوهه بإسم إحدى تلك القرى .

    جاءت حصة العقاب نحوي ... سألني ( من وين أنت ؟) أجبته : من السنابس ... هبطت علي الخشبة غادية قادمة ... آخذة من جسدي نضارته ... حتى الرأس لم تسلم من قساوة الخشبة وحاملها ... وما انتهت يده من إكرامنا إلا وأجسادنا تملأها بقع سوداء تكتل فيها الدم .

    بعد رحلة الرعب القصير عدنا إلى جنتنا في الزنزانة... وقد برحت بأعضائنا سقطات الضرب ... ولمدة مديدة بقيت كتفي تعاني من ثقل ضربة من وجبة ذلك اليوم ... وعدنا في منتصف النهار مشبعين بمرارة المشاهد رغم أعيننا المصادره الضياء من أجفانها ... البقية تأتي .

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
منتدى منار هو منتدى أمريكي يشارك فيه عرب وعجم من كل مكان