أحمد السيد النجار - العربي


كيف ننهى العقد الفضيحة ونعطى الأولوية لأبناء النوبة والمعدمين والزراعيين

»وفقا لهذا العقد فإنه يمكنه استقدام عمالة إسرائيلية أو غير إسرائيلية على حساب فرص تشغيل العمالة المصرية

»من الضرورى تقصى الأسباب والمصالح والعلاقات وراء ماجرى لكشف أى عمليات فساد وإفساد
» المسئولية المباشرة تقع على الدكتور يوسف والى وزير الزراعة آنذاك عن هذا العقد المُهدر للمال العام ولأهم الموارد الطبيعية من أرض ومياه ولكرامة مصر نفسها وهذا لا يعفى كل المستويات الأعلى من المسئولية

»العقــد يكشف عدم وجود رقابة حقيقية من الأجهـزة الرقابيــة أو السلطــة التشريعية على تصرفـات الحكومـة فـى المـال العام والموارد الطبيعية.

فى عام 1999، صدر لى كتاب عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، بعنوان "من السد إلى توشكا.. النيل والبشر فى مصر: الأساطير والواقع"، وكان العقد الخاص بمنح قسم كبير من أرض مشروع توشكا إلى مشتر سعودى يدعى الوليد بن طلال، قد أعلن عنه فى زفة إعلامية حكومية، والتقى المشترى المذكور بالرئيس مبارك شخصيا فيما بدا أنه تعزيز رئاسى له وتكريم لما يقوم به فى مصر من أعمال استثمارية تراها الدولة عظيمة.

وأشرت فى الكتاب نصاً (ص152 ـ 153) إلى أن المشترى المذكور وحده قد تم تخصيص ربع أراضى المرحلة الأولى من مشروع توشكى له. وهو ما يأتى على حساب تمليك أراضى هذا المشروع للمواطنين المصريين كإجراء ضرورى لنقل جانب من الكتلة السكانية المصرية إلى تلك المنطقة. وبالتالى فإن نمط التمليك الذى يعكسه منح الأولوية لكبار المستثمرين يمكن أن يجعل من المشروع منطقة زراعية جديدة بتكلفة عالية تتحملها ميزانية الدولة من أموال الشعب، لكنه لن يتحول إلى منطقة معمورة بالسكان أو امتداد حضارى جديد وواسع النطاق لمصر فى قلب صحرائها الغربية. لأن هذا الإعمار السكانى من الصعب حدوثه إلا فى ظل نمط تمليك الأراضى للعمال الزراعيين الأجراء ولصغار المزارعين المصريين". ويضيف الكتاب فى موضع آخر: "كذلك فإن الشروط المالية لمنح أراضى مشروع توشكا لبعض المستثمرين العرب غير واضحة ولم يتم إعلانها من جانب الدولة بشكل واضح بما يعنى أنه ليست هناك شفافية فى هذا الأمر".

إلى هنا ينتهى الاقتباس الطويل من كتاب قديم، أما الحكومات المتعاقبة التى يصدعنا مسئولوها ليل نهار عن الشفافية والنزاهة فلم تعلن شيئا عن تفاصيل العقد. لكن خلافات شركاء الأمس مع بن طلال وتبرم بعض المسئولين من هذا العقد، سهل تسريبه ليتم نشره فى صحيفة العربى الناصرى ومن بعدها فى صحف خاصة نشرت نص العقد تفصيليا.

وبالرغم من كل ما نشر بشأن عقد بن طلال الذى وقع فى سبتمبر 1998، فى عهد وزير الزراعة الأسبق الدكتور يوسف والي، من خلال الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة وكان يرأسها فى ذلك الحين الدكتور محمود أبو سديرة، لتخصيص 100 ألف فدان بمشروع توشكا لشركة "المملكة للتنمية الزراعية" التى يملكها المدعو "الوليد بن طلال"، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء فى 12 مايو 1997، أثناء تولى الدكتور كمال الجنزورى رئاسة الحكومة على تخصيص تلك الأراضى (100 ألف فدان)، فضلا عن 128 ألفا أخرى كحرم للمساحة الأولي.. بالرغم من كل ما نشر إلا أن هذا العقد يستحق أن يظل قضية عامة وحاضرة إلى أن يحسم الأمر بإعادة حقوق وأراضى الشعب المصرى ومحاسبة كل الفاسدين الذين أهدروا هذه الحقوق.

ورغم ما يقال عن تعرض الدكتور محمود أبوسديرة، لضغوط قوية للإسراع بتوقيع العقد، إلا أنه يتحمل المسئولية المباشرة هو والدكتور يوسف والى وزير الزراعة آنذاك عن هذا العقد المُهدر للمال العام ولأهم الموارد الطبيعية من أرض ومياه ولكرامة مصر نفسها، وهذا لا يعفى كل المستويات الأعلى من المسئولية عن العقد وآثاره من رئيس الوزراء فى ذلك الحين الدكتور كمال الجنزوري، ورئيس الجمهورية الذى يملك كل السلطات الحقيقية فى مصر والذى بارك أعمال بن طلال فى مصر بلقائه الذى فتح له كل لأبواب المغلقة وشكل ضغطا معنويا على كل الموظفين الذين من المفترض أن يمرروا أو يعيقوا أعمال وتصرفات المشترى السعودى المذكور. كما أن العقد يكشف عدم وجود رقابة حقيقية من الأجهزة الرقابية أو السلطة التشريعية على تصرفات الحكومة فى المال العام والموارد الطبيعية.

ووفقا لسعر الفدان فى الأرض التى حصل عليها المدعو الوليد بن طلال (50 جنيها)، فإن مجمل ثمن الأرض يبلغ (5) ملايين جنيه فقط، تم وفقا للعقد سداد 20% أو مليون جنيه عند التوقيع، على أن يتم دفع الباقى حسب اتفاق الطرفين، وعند السداد يمنح المذكور، حق الامتلاك المطلق لكامل المنطقة بين الإحداثيات التى تحدد مساحة الأرض التى تم منحها أو "بيعها" له.

والحقيقة أن ملكية أى شخص غير مصرى للأراضى عموما والأراضى الزراعية خصوصا فى مصر، هى مسألة مرفوضة وتفتح باب تكرار مأساة ملكية الأجانب للأراضى فى مصر والمصائب التى حطت بها على مصر وعلى الفلاحين والقطاع الزراعى بداية من الربع الأخير من القرن التاسع عشر عندما صدر الفرمان العثمانى الذى يعطى الأوروبيين والأتراك الحق فى امتلاك الأراضى فى البلدان العربية عام 1876. ونتيجة لذلك الفرمان بلغت ملكيات الأجانب من الأراضى الزراعية المصرية نحو 713 ألف فدان عام 1917.

كما كان هناك فى مصر عام 1930، نحو 3.4 مليون فدان مرهونة للبنوك العقارية والزراعية وبنوك الأراضي، وغالبيتها كانت مرهونة لصالح مؤسسات أجنبية، ولولا أن قانون الخمسة أفدنة الذى صدر عام 1913، كان يحظر الحجز على الملكيات الزراعية التى تقل عن خمسة أفدنة وعلى أراضى الوقف أيضا، لكان جانب كبير من الأراضى الزراعية المصرية قد خضع للحجز والبيع لصالح لأجانب. ولم تنته تلك الدائرة الجهنمية من سعى الأجانب إلى الاستحواذ على الأراضى الزراعية فى مصر إلا بصدور قانون تحريم ملكية الأجانب للأراضى الزراعية المصرية عام 1951، أى فى العهد الملكي، وهو ما تعزز عقب الاستقلال الحقيقى بعد الانقلاب الثورى عام 1952 الذى تحول لثورة اجتماعية بعد ذلك.

وإذا كان الوليد بن طلال قد أدخل الملياردير الصهيونى روبيرت ميردوخ كشريك بنسبة 9.1% فى مجموعة قنواته التلفزيونية (روتانا)، فما الذى سيمنعه من إدخال الصهاينة إلى أرض مصر ليمتلكوها من خلال شركته التى أصبحت تمتلك 100 ألف فدان فى منطقة توشكا، خصوصا وأن عقد بيع الأرض من مصر للمذكور، يتضمن فى المادة التاسعة، حق الطرف الثانى أى وليد بن طلال، فى إدخال شركاء آخرين فى ملكية شركته، علما بأن العقد ينص على أنه لا يخضع لضرائب إعادة بيع الممتلكات أو أية رسوم أخري.

وإذا كان سعر فدان الأرض الممنوحة لابن طلال قد بلغ 50 جنيها للفدان فى وقت بلغ فيه نصيب كل فدان من البنية الأساسية فى هذه المنطقة نحو 11 ألف جنيه، أى أكثر من 220 ضعف السعر الذى بيع به الفدان للمذكور، فإن ذلك شاهد مذهل على إهدار المال العام فى هذه الصفقة، علما بأن سعر بيع شركة "ريجوا" الحكومية للأراضى المستصلحة حديثا فى الصحراء الغربية فى المنطقة الواقعة على بعد يزيد على 30 كيلومترًا غربى طريق القاهرة ـ الإسكندرية الصحراوي، يبلغ نحو 60 ألف جنيه للفدان المروى بمياه الآبار، أى 1200 ضعف سعر الفدان الممنوح لابن طلال، ولو أضفنا تكلفة الاستصلاح لأرض بن طلال، فإن سعر الفدان فيها شاملاً كافة التكاليف سيظل أقل من خمس سعر الفدان فى المنطقة المذكورة، مع فارق جوهرى هو أن أرض توشكا تروى بمياه النيل فى أنقى حالاتها، بينما تروى مياه منطقة غرب الطريق الصحراوى بمياه الآبار المقيدة لأنواع المحاصيل التى يمكن زراعتها والمُهددة مع الوقت بزيادة معدلات التملح وحتى النضوب.

وضمن شروط عقد الوليد بن طلال لشراء الأرض فى توشكا، تلتزم الحكومة المصرية بتشييد الفرع رقم 1 أى الترعة الرئيسية ومحطات الرفع اللازمة، وتتحمل تكاليف تشغيلهما وصيانتهما. كما تلتزم بتوفير المياه لشركة المدعو الوليد بن طلال بالكميات التى تحددها الشركة، على أن يستمر التدفق على مدار اليوم وطوال أيام السنة، ولا ينبغى إيقاف أو قطع المياه فى أى وقت ولأى سبب مهما يكن إلا فى حالة وجود موافقة خطية من الشركة يتم الحصول عليها قبل شهرين من إيقاف إمدادات المياه.

وإذا كان الفلاحون المصريون فى وادى النيل ودلتاه يحصلون على المياه بالتناوب، ويتم ضخ المياه فى الترع الفرعية التى يتم الرى منها لمدة عشرة أيام يليها قطع المياه لمدة عشرة أيام، لاعتبارات تتعلق بحفظ المياه وتوفيرها بالتناوب للترع الفرعية المختلفة، فإن هذه الاعتبارات لا تسرى على وليد بن طلال فى تمييز فج لصالحه على حساب الفلاحين المصريين الذين يحملون على أكتافهم عبء تسيير وتنمية وتطوير القطاع الزراعى المصرى الكبير الذى يسهم بحصة تصل لنحو 15% من الناتج المحلى الإجمالى ويقوم بتشغيل قرابة ثلث قوة العمل المصرية.

كما أن هذا المشترى السعودى يحصل على أنقى مياه فى مصر من بحيرة ناصر، بينما يحصل الفلاحون المصريون على مياه مخلوطة بمياه الصرف المنقاة التى يتم ضخها للترع، فضلا عما يضخ بصورة غير مشروعة فى النيل من مياه صرف صحى وصناعى على طول مجراه من أسوان إلى مصبيه فى دمياط ورشيد.

وتحصل شركة بن طلال على مياه النيل التى تضخ إليها بسعر أربعة (4) قروش لكل متر مكعب من الخمسة آلاف متر الأولى التى يستهلكها كل فدان، أى تكون تكلفة المياه لكل فدان نحو 200 جنيه طوال العام. ويرتفع سعر المتر المكعب إلى خمسة (5) قروش لكل متر مكعب من الألف السادسة التى يستهلكها الفدان، وبذا تصبح تكلفة المياه للفدان الذى يستهلك ستة آلاف متر مكعب نحو 250 جنيها. أما إذا تجاوز استهلاك الفدان هذه الكميات، فإن سعر المياه التى تزيد على ستة آلاف متر مكعب للفدان يصبح ستة (6) قروش لكل متر مكعب.. يا بلاش!!

ولو قارنا هذه التكلفة بتكلفة حفر وصيانة بئر المياه للحصول على المياه الجوفية للمزارعين المصريين الذين يقومون باستصلاح واستزراع أراضى الصحراء الغربية وغيرها من المناطق، سنجد أن تكلفة حصول وليد بن طلال على المياه لا تزيد على 5% من تكلفة حصول المصريين الذين يزرعون على مياه الآبار فى مختلف المناطق الصحراوية، فضلا عن أن نوعية مياه الآبار أقل كثيرا من مياه النيل التى يمكن استخدامها فى زراعة كافة المحاصيل.

كما أن العقد يسمح لابن طلال بزراعة أى نوع من المحاصيل دون موافقة رسمية مسبقة من مصر، ويعطيه الحق فى استيراد أى نوع من البذور وفصائل النباتات وسلالات الحيوانات دون موافقة رسمية مسبقة، ودون خضوع لأى قيود تتعلق بالحجر الصحي. وهذه مأساة حقيقية، لأنه لو قرر مثلا أن يزرع محاصيل شرهة للمياه مثل الأرز أو قصب السكر فى منطقة مدارية شديدة الحرارة ومعدل البخر والنتح فيها مرتفعان، فإنه سيدمر رصيد مصر من المياه وسيتسبب فى كارثة للمزارعين المصريين الذين يحصلون على المياه بشق الأنفس.

كما أنه لو قرر زراعة بعض المحاصيل التى تمنع زراعتها فى مصر مثل الدخان أو حتى محاصيل المخدرات بدعوى أنها ستستخدم فى الأغراض الطبية، فإنه لا يمكن منعه من ذلك. إن هذا البند وحده يعتبر مأساة لإهدار الدولة لسيادتها فى قطاعها الزراعى وإهدارها لكرامة مصر نفسها.

وفوق كل ما سبق فإن وليد بن طلال الذى يستفيد مشروعه من بنية أساسية عالية التكلفة تم تمويلها من قوت الشعب المصري، معفى من جميع الضرائب والرسوم والأتعاب لمدة 20 عاما، تبدأ بعد بدء إنتاج 10 آلاف فدان من الأرض المخصصة للشركة، أى أنها لم تبدأ بعد. ويسرى هذا الإعفاء على المقاولين الذين يستخدمهم بن طلال فى تنفيذ المشروع، كما يسرى على العاملين فى المشروع الذين لن يضطروا لدفع الضرائب التى يدفعها كل العاملين فى عموم مصر. ويضاف إلى ذلك أن العقد ينص على حق بن طلال وشركته فى استقدام عمالة أجنبية والحصول لها بدون تأخير أو تقييد على تصاريح عمل غير مقيدة لمدة 3 سنوات يتم تجديدها بصورة دائمة لنفس الفترة دون تأخير.

ووفقا لهذا البند فإنه يمكنه استقدام عمالة إسرائيلية أو غير إسرائيلية على حساب فرص تشغيل العمالة المصرية. ويتضمن العقد أيضا أن تحصل شركة بن طلال على الكهرباء بتكلفة مساوية لأقل المعدلات المدفوعة من قبل أى مستخدمين فى مصر من مصريين أو أجانب. وهذا يعنى أن ما أعلن عنه وزير الصناعة والتجارة مؤخرا (أبريل 2010) من إلغاء الدعم على الكهرباء المقدمة للشركات الصناعية العام القادم، لن يسرى على بن طلال وشركته، فطالما أن هناك كهرباء تقدم بسعر مدعوم ومنخفض للمواطنين المصريين العاديين فإن العقد يمنح المذكور الحق فى الحصول على الكهرباء بأقل سعر. ويبدو الأمر بشكل واضح أن بن طلال حصل من المال والإنفاق العام المصرى ومن قوت المصريين الفقراء على كل شيء دون أن يدفع للدولة التى مولت إنشاء البنية الأساسية له أى شيء.. أى عبث هذا؟!

أما البند الذى تضمنه العقد والذى ينص على حرية بن طلال فى وضع جدول تنفيذ المشروع بناء على إرادته المطلقة والوحيدة، فإنه تصريح رسمى له بـ"تسقيع" الأرض وبيعها الفعلى بأسعار مرتفعة حاليا من خلال ما أعطى له من حق فى إدخال شركاء جدد فى شركته، وتعطيل زراعتها رغم كل ما أنفقته مصر من بنية أساسية عليها تم تمويلها من الإيرادات العامة التى دفعتها الطبقة الوسطى المصرية، ومن إيرادات الموارد الطبيعية والمشروعات والهيئات العامة التى تعود غالبية الحقوق فيها للفقراء والطبقة الوسطى فى مصر.

وإذا كانت عقود التنقيب عن النفط واستكشافه واستخراجه هى من أسوأ أنماط العقود التى تنتهك حقوق الدول صاحبة الموارد الطبيعية من النفط لصالح الشركات التى تملك القدرات التقنية على التنقيب عن النفط واستخراجه، فإنها تضع حدا زمنيا لفترة الامتياز التى تتمتع بها أى شركة نفطية للتنقيب والاستكشاف فى أى منطقة، يتم بعدها نزع هذه المنطقة منها إذا لم تقم بالتنقيب والاستكشاف وإنفاق ما تم الاتفاق عليه من أموال على هذه العمليات. أما فى حالة شركة بن طلال فإنها غير ملزمة بأى سقف زمنى لزراعة الأرض التى خصصت لها، وهو أمر من قبيل العبث المطلق بموارد مصر ومقدراتها التى تبقى مرهونة بإرادة هذا الشخص السعودي.

ومن الطرائف السوداء لعقد الحكومة مع بن طلال، أنه يحق له تصريف مياه الصرف الزراعى أو أى مياه جارية (يمكن أن تكون مياه صرف صناعي) فى منخفض توشكا، أو أى منخفض آخر من اختيار بن طلال، على أن تقوم الحكومة المصرية بحماية بن طلال وعدم تحميله أية مسئولية فيما يتعلق بجميع المطالبات أو الضرائب أو الدعاوى أو التكاليف أو الخسائر التى يمكن أن تنشأ نتيجة لذلك!!

أما خاتمة الكوارث فى هذا العقد فهى المادة 13 التى تنص على اللجوء للتحكيم الدولى طبقا لقوانين المصالحة والتحكيم الخاصة بالغرفة التجارية الدولية فى حالة الفشل فى حل الخلافات وديا خلال شهر، وهو ما يجعل بنود العقد المجحف والمهين لمصر ولحقوق شعبها، هو الفيصل فى العلاقة بين الحكومة المصرية وشركة بن طلال.

والحقيقة أن الطريقة الوحيدة لمعالجة الآثار المأساوية لمثل هذا العقد الفاسد، هو التقصى وراء الأسباب والمصالح والعلاقات التى أدت لإبرامه، وتمحيص الذمة المالية لكل من شارك فى إبرامه، لكشف أى عمليات فساد وإفساد يمكن أن تكون وراء إبرام هذا العقد، وعندما يكشف ذلك فإنه من السهل محاسبة الجميع واستعادة الأرض المسلوبة لمصر باعتبار أن العقد نتيجة عملية فساد.

أما إذا لم يتم التمكن من كشف أى فساد وراء الصفقة، فإنه يمكن ابتكار وسائل مختلفة لاسترداد المال العام المنفق على البنية الأساسية للأرض المعطلة، مثل فرض ضريبة باهظة تحت مسمى "ضريبة تعطيل مورد طبيعي" تطبق على بن طلال وغيره ممن يحصلون على الأراضى بغرض الزراعة ولا يزرعونها فعليا.

كما أنه يمكن معالجة هذه الكارثة بشكل حاسم بإصدار قانون يمنع تملك الأجانب أيا كانت جنسياتهم للأراضى عموما وبالذات للأراضى الزراعية، على أن يتلوه قيام الدولة بنزع الأرض من بن طلال وتحمل الغرامة المترتبة على ذلك، لتصحيح هذه الخطيئة التاريخية. وهذا الأمر يجب أن تتكاتف كل القوى الحية فى مصر من النخبة الثقافية والإعلامية ونواب البرلمان والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية من أجل تحقيقه.

ومن الضرورى التأكيد على أنه لم يكن هناك أى مبرر أو ضرورة لمشاركة أى رأسمالى غير مصرى فى تنمية المنطقة، حيث قامت الدولة المصرية بتنفيذ استثمارات هائلة لإقامة البنية الأساسية فى تلك المنطقة، ومولت تلك الاستثمارات من الموازنة العامة للدولة أى من أموال الشعب بما يجعل المنطق والمشروعية يقتضيان منح الأراضى فى تلك المنطقة لأبناء الشعب المصرى من الفلاحين المعدمين ومن صغار المزارعين سواء كانوا فلاحين أو من خريجى النظام التعليمى المتوسط وبالذات الدبلومات الزراعية، أو خريجى التعليم الزراعى العالى بالذات من أبناء المحافظات الريفية، مع إعطاء أولوية مطلقة لأبناء النوبة يليهم أبناء محافظات الجنوب، يليهم أبناء محافظات الدلتا، مع ضرورة وجود مساندة قوية من الدولة لهم، من خلال توجيه قروض صندوق التنمية الزراعية وصندوق التنمية الاجتماعى إليهم لتشجيعهم على الاستزراع والاستقرار الكامل فى توشكا لتحقيق نقلة حقيقية للسكان إلى تلك المنطقة ولتخفيف مشكلة البطالة ولإقامة امتداد حضارى حقيقى فى عمق الصحراء الغربية المصرية.