أنقل كلاما من أحد الأشرطة للسيد فضل الله عندما يتحدث عن الإمام الخوئي :

<< يتصور كثير من الناس أنه كان سلبيا في نظرته للأمور ، هناك نقطة يجب أن نلاحظها في هذه القضايا ونحن في ذكراه وقد انتقل إلى رحاب الله ، وقد كان عندما ينقل له كيف ينسب له الناس إليه بعض الكلمات وكيف يتحدثون عنه وهو لا يملك من خلال ظروفه وموقعه أن يرد ، كان يقول سأقف غدا معهم بين يدي الله ، وأعتقد أن الكثيرين سوف يطول وقوفهم بين يدي الله عندما يكون خصمهم السيد الخوئي ، أنا أتحدث عنه بمرارة لأني أعرفه جيدا ، عشنا في خدمته فيما يقارب ربع قرن وصاحبناه بعد ذلك وكنت وأنا الإنسان الذي يرهقه أن يكون المرجع جامدا ويثقله أن يكون علماء الدين بعيدين عن الواقع لكن كنت أرى أن الرجل ليس لديه أي شيء من الجمود ، وليس بعيدا عن الواقع ، ولكن ظروفه كانت تحكم عليه ، ربما كان يختلف في إجتهاداته عن الآخرين ، وأحب أن أثير نقطة لا من خلال السيد الخوئي رضوان الله عليه فقد انتقل إلى رحاب ربه ولكن من أجل المستقبل ، اذا كان المرجع الذي نعرف صدقه واخلاصه اذا كنا نأخذ عليه أنه لم يتحرك هنا ولم يتحرك هناك ، اذا كنا نثقف الناس أن الثورية هي هذه الحركة حركة العنف فكيف نقنع الناس بالأئمة عليهم السلام ؟ اذا كانت القيمة هي هذه ، ولذا كنت أعتبر كثير من الحديث خطرا حتى على مستوى خط العقيدة ، اذا كنت تعتبر أن مسألة العنف والحركية كيفما كان حتى لو لم تكن هناك ظروف ملائمة ، اذا كنت تعتبر انها هي القيمة فكيف نفسرالكثير من سلوك أئمة أهل البيت عليهم السلام وهم في قمة ثوريتهم للحق وهم في قوة تحديهم للباطل ، ولكن قصة أن ترتبط بالحق هي أن تبقى الإستراتيجية ماثلة في وجدانك في كل تطلعاتك للمستقبل ، وينطلق التكتيك أو الأسلوب أو الوسائل من أجل أن تدرس الأرضية هنا وهناك ، نحن لا نتحدث عن عصمة مراجع ، فالمعصومون هم الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، لكننا نتحدث أن علينا أن لا نظلم الناس وأن علينا أن ندقق جيدا ، وأن علينا أن نملك الموازين الشرعية للحكم على الأشياء ...

نحن كمسلمين هدانا كتاب الله وهدانا هدى رسول الله وهدانا هدى أهل البيت وبالتالي هدانا الحكم الشرعي ، أن لا يقدم رجلا ولا يؤخر أخرى حتى يعلم أن ذلك لله رضى ، لا أن يكون المزاج هو الذي يطلق حكما هنا وهو الذي يطلق اتهاما هنا وهو الذي يطلق السباب هناك ، كان السيد الخوئي الإنسان الواعي الذي أثقلته ظروفه ، وكان يعيش في موقع قد لا يجد الكثيرين ممن يشيرون عليه أو يحدثونه عن البدائل أو ما إلى ذلك ، لهذا مات مظلوما منا كما مات مظلوما من الحكم الطاغي الوحشي الذي ظلمه كما لم يظلم أحد في مثل موقعه ، هناك بعض الظلامات تشعر فيها بكل أثقال الدنيا تطبق على صدرك ، ذلك كان شعوري عندما كنت أتطلع بالتلفزيون إلى جلسة هذا الرجل العظيم أمام ذلك الطاغية فتأذكر جلسة الإمام الصادق سلام الله عليه وجلسة غيره من الأئمة عليهم السلام .. كيف كان والناس ينتقدونه كيف تكلم بما تكلم وهو الذي كان لا يطيق حراكا ولا يطيق بيانا ، أي ظلم وحشي أكثر من ظلمنا حيث أننا نحاول أن نعلق تعليقات سيئة وهو يعيش في قلب المأساة ، ولكن مشكلتنا أيها الأحبة أننا نحكم على الآخرين عندما نضعهم في ظروفنا ولا نحكم على الآخرين عندما نضع أنفسنا في ظروفهم ، ضع نفسك في ظرف الآخر واحكم ، وهكذا نجد الكثيرين ممن يتكلمون على الشعب العراقي الذي قدم عشرات الألوف من الضحايا في سبيل الإسلام والعقيدة والقضية ، ويحدثونك عن جبن الشعب العراقي ولا ثوريته وما إلى ذلك ، ليكن الحاكم الذي تعيشون تحت سلطته صدام واحكموا ما شئتم ، فالشاه هذا الطاغية يمثل ملاكا أمام صدام ، لذلك لنتعلم أيها الأحبة أن نفهم واقع القضايا أن نعرف ظروفها أن نعرف خلفياتها ، لنتقي الله في أن لا نحكم إلا على أساس حجة واضحة البينة ، أنا لا أريد وأنا أتحدث عن مأساته أن أوزع الإتهامات على الآخرين ، فلعل الآخرين يجتهدون في نقده ويجتهدون في الحديث السلبي عنه ، ولكن أيها الجماعة لابد في الإجتهاد من أن تكون له شروط التقوى قبل أن تكون له شروط العلم ، ولذلك لماذا لابد للمجتهد أن يكون عادلا ليجوز لك أن تقلده ، ثم السيد الخوئي رضوان الله عليه هو في العلم رجل هذا النصف من القرن ، هو أستاذ ما يساوي 95% من علماء الشيعة في الثلاثين سنة الأخيرة ، هو أستاذهم أو أستاذ أساتذتهم ، أو هو الذي تعلموا من كتبه ، شخص لا تملك أن حتى لو ناقشته حتى لو اختلفت معه في رأي فقهي أو أصولي أو رجالي حتى لو اختلفت وأنت تختلف معه تشعر أن عليك أن ينحني فكرك أمام قوة الحجة عنده وأمام أصالة العلم في أبحاثه ، إن السيد الخوئي له الفضل في إعداد العلماء وله الفضل في كل عالمنا الإسلامي الشيعي ، ولذلك فإن علينا أن نشعر بأن مدرسته كانت مدرسة متحركة وأن أسلوبه العلمي - بقطع النظر عن المضمون – ورحابته في الإستدلال وفي رعاية طلابه الذين يقفون ليتسائلوا ...

كلنا نتحدث عن الشهيد الصدر ، إنني أعتقد وللشهيد الصدر طاقته العجائبية لكن الذي فتح آفاقه وشجعه وقدمه للطلاب هو السيد الخوئي ، في الدرس كنا نحضر فإذا تكلم الشهيد الصدر فإن السيد الخوئي يقرر كلامه ثم يرد عليه وكان في بدايات الشباب ، وأنا أعرف رعايته له بأكثر من جانب ، أيها الأحبة لا يكفي أن يكون الإنسان عبقريا ليستطيع أن يغني الحياة بعبقريته بل لا بد أن تكون هناك شروطا إجتماعية وعلمية ترعى هذه العبقرية وتشيد بها وتشجعها وتقويها ....

وليس الشهيد الصدر هو وحده ، ومن الطبيعي أن الشهيد الصدر تجاوز في إبداعه وفي عطاءاته وفي عبقريته تجاوز تلك المرحلة وأصبح يشار إليه بشكل مستقل في كل عطاءاته المتميزة والمتطورة ، ولكن علينا أيها الأحبة أن لا ننسى دائما من وضع اللبنة الأولى ، بعض الناس يفكرون دائما في الديكور ، ويفكرون دائما في الطوابق الشاهقة ، ولكن الذي قضى عمرا وهو يأسس ويحفر الأرض ويصلبها ويقويها ثم لبنة لبنة لبنة دون أن يشعر أحد ، الذين يبنون الأسس لا يشعر بهم أحد لأن الأسس ليست تحت الأضواء ، وقد لا تكتشفها ، مشكلتنا وهذا ما عاناه السيد الشهيد الصدر وهذا ما عاناه السيد محسن الحكيم وهذا ما عاناه الكثيرون أنهم كانوا من بناة الأسس ، الأسس التي يمكن أن تنطلق منها العمارات الشاهقة ، ولكن الناس الذي أريد لهم أن يصلبوا مواقفهم في هذه الأسس ، حمل كل واحد معولا من أجل أن يحطم الذي بناها ، أيها الأحبة إننا نبكي عظماءنا بعد أن يموتوا وبعد أن نكون حطمنا منهم الكثير في حياتنا وأخشى أننا سنمنع العظماء أن يولدوا ، وأنه إذا ولد فينا عظيم أو مبدع فإن كل الذين يعيشون قدسية الجهل سوف ينطلقون إليه يغرقوه بكل وحولهم الكلامية وكل وحولهم الفكرية ، السيد الخوئي كان شاهدا كان عالما كان معلما كان الإنسان الذي عاش مع الله ، عاش مع الله في علمه ، وعاش مع الله في عطائه ، وعاش مع الله في مواقعه كلها ، الإنسان الذي أتخيله وهو يعيش كل القهر في آخر أيامه ، كم كانت له سبحات مع الله ، كم كانت إبتهالات مع الله ، كم كان يعيش العرفان بالله ، لا تنسوا السيد الخوئي حتى لا تنسوا الأصالة والإيمان والتقوى والعلم ، رحمه الله رحمة واسعة ورحم الله كل علماءنا ، وكل شهدائنا ، وكل مجاهدينا ، ولا سيما هذا الإمام الشامخ الذي أدخل الإسلام في كل عقل وكل فكر ، وأدخل خط أهل البيت عليهم السلام في طل مكان في العالم ، واستطاع ان يصنع الزلزال السياسي والزلزال الثوري والزلزال الثقافي ، والذي كان يفكر بحجم العالم من خلال فقهه ومن خلال عرفانه ، إنه الذي فرض نفسه على المرحلة بكل قوتها وبكل حيويتها ، نحن الآن كلنا الذين نتحرك في الخط لا نزال نعيش على فتات مائدته الإسلامية اللا شرقية واللا غربية المنفتحة على الإسلام كله وعلى الإنسان كله وعلى الحياة كلها ، إننا نقف بإنحناءة روحية وفكرية أمام هذا الإنسان الكبير العارف بالله السائر في طريق الله الإمام الخميني رضوان الله عليه ... الخ )) .

والحمد لله رب العالمين



* ملاحظة / للحصول على شريط هذه المحاضرة يمكنكم مراجعة تسجيلات الهدى في دار الزهراء عليها السلام .