د. سامي ناصر خليفة - الراي

صدمنا بالمنحى الخطير الذي توجه إليه وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد حين طرح أن هناك ملاحقة أمنية لأفراد ما يسمى بـ «حزب الله» الكويتي، وأن هناك تقريراً أمنياً سيقدم إلى القيادة العليا في هذا الشأن!

والأكثر من ذلك حين ذهب إلى أنه سيتم «ضبط أي مواطن يدافع عن عماد مغنية وإحالته إلى جهة الاختصاص»! نعم، صدمت لأن منحى الحديث لا يتناسب مع عرف الحريات السائد في البلاد، ولا ينسجم مع طبيعة العيش المشترك الذي ارتضاه أبناء المجتمع كافة بتعدد أطيافهم ومختلف طوائفهم، بل يتناقض صراحة مع دستور البلاد الذي يعزز الوحدة الوطنية والعدل والمساواة بين أبناء المجتمع، فلا يعقل أن يكون هناك تشكيك في الولاء، والتعامل أمنياً في الحجر على الرأي مهما كان حجم التباين في الاختلاف.

وما هو لافت لغة التشكيك التي مارسها الوزير بصورة تنم عن أن هناك نية مبيتة للتعامل مع هذا الملف بالأسلوب الأمني، ونحن في الكويت بعد أن منّ الله سبحانه وتعالى علينا بالتحرير عام 1991، استلهمنا دروساً كثيرة أقرها واستفاد منها الجميع، ومنها ان لا سبيل لدينا سوى التعايش مع بعضنا البعض، ولا طريقة لحفظ الوطن مستقراً آمناً سوى تجاوز المنحى الذي ذهب إليه بعض المطبلين لديكتاتور بغداد فترة الثمانينات من القرن الماضي. ومع تبنّي الجميع منطق «عفا الله عن ما سلف»، كانت الحكمة تحتم عدم الخوض في تفاصيل ما جرى في تلك الفترة لمعرفة من هو المخطئ أو المسيء من باب «من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجر»، وأيضاً اعتقاداً من أن طوفان الغزو مسح تلك الأحداث السلبية كلها التي مرت بها بلادنا آنذاك.

الكويت اليوم دولة عصرية تبحث عن مقومات التنمية التي تؤهلها للتنافسين الإقليمي والعالمي، وتسعى إلى مواكبة التطورات الكبيرة التي تحدث على صعيد الاقتصاد والاستثمار والصناعة والثقافة والعلم وغيرها، ولا يعقل في هذا الظرف أن نسقط أمام أول امتحان يتعلق بتماسك الوحدة الوطنية، فيتحول التعاطي مع الناس بلغة الثمانينات للأسف الشديد، تلك اللغة التي أصبحت جزءاً من الماضي. وكم كنت أتمنى من وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد بدلاً من الاستجابة لمقابلات صحافية هدفها ضرب إسفين الفرقة بين المسؤول والمجتمع، لو بادر في التواصل المباشر مع نواب مجلس الأمة المتعاطفين مع «حزب الله» اللبناني ومع مسار المقاومة هناك سنة كانوا أم شيعة، لتتم مناقشة المستجدات على طاولة مستديرة بلغة مسؤولة ومؤطرة بالمصلحة العليا للوطن، ولو فعل ذلك لجنّب البلاد هذا الاحتقان كله في الكويت، والذي بات يقتات عليه البعض من أعداء السلم الأهلي في الكويت.

إن سدّة المسؤولية تتطلب التعاطي بحكمة مع المسائل الداخلية الحساسة، ولا يمكن للبلاد اليوم أن تعود إلى عقد الثمانينات الغابر أو أن تنقسم على نفسها أو أن تعود إليها لغة التعاطي الأمني التي أغرقت المجتمع في أمراض الفئوية والطائفية والعرقية وغيرها، وتبقى الكرة في ملعب العقلاء الذين لا يمكن أن يقبلوا للبلاد أن تستمر بالصورة التي هي عليها اليوم.

مؤشر وإشارة

قتل الأبرياء وترويعهم حرام شرعاً ومجرّم قانوناً ومدان عرفاً مهما كانت الأسباب والتبريرات، ولا يختلف أحد من أهل الكويت على إدانة واستنكار خطف طائرة «الجابرية» وقتل وترويع أبنائنا فيها، ولكن علينا تحري الدقة حين إلصاق التهم بأي إنسان كي لا نقع في الحرمة نفسها، خصوصاً أنه لا توجد أدلة يقينية دامغة ضد أحد ولا يوجد حكم إدانة صادر من أي جهة قضائية ولو غيابياً ولا مطالبة رسمية عبر الإنتربول. ولأننا لا نحب أن يظلمنا الناس، فعلينا تحري الدقة في عدم ظلمنا لأحد. لذا أتساءل أليس من طريقة أجدى وأسلوب أكثر عقلانية في التعاطي مع قضية بتلك الحساسية؟

د. سامي ناصر خليفة

أكاديمي كويتي
alkhaldi4@hotmail.com