كتب:جابر سيد خلف البهبهاني - الوطن

مدرسة الطالبات تسأل سؤالاً ليس له علاقة بالمنهج: »يا بنات ابوطالب مات مشرك ولا مسلم؟« فتجيب احدى الطالبات: ابله مات مشرك، المدرسة: عفية عليك، صفقوا لها يا بنات. هكذا وبدون ادنى اي احترام لمشاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجاه عمه ابوطالب وحبه الشديد له، وبدون ادنى تقدير لجهود رجل لم يبخل لا بموقف ولا بتضحية بالمال والولد والزعامة والوجاهة في سبيل نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحمايته والذب عنه. فكلنا درسنا بالمدارس اي عام سماه رسول الله صلى الله عليه وآله بعام الحزن؟

هو العام الذي كان فيه الاسراء والمعراج وقد كانت بمثابة مواساة وتسلية من الله جلا جلاله لحبيبه المصطفى بعد ان رأى ان الحزن يعتصر قلبه اعتصارا لفقده اعز اثنين على قلبه بوفاتهما وهما الناصران له في وقت ندر فيه الناصر وجبن، زوجته خديجة الكبرى وعمه أبوطالب رضوان الله عليهما، فهل يعقل ان يحزن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي طالب كما يحزن على زوجته خديجة لو كان كافرا؟ ولكن وكما يقول شيخ الخطباء سماحة الشيخ د. أحمد الوائلي رحمه الله ان مشكلة ابي طالب انه والد الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، والنيل منه واتهامه بالكفر هو للانتقاص من شأن الامام علي عليه السلام بعد عجز مبغضيه واحتاروا بان يجدوا ثلمة في شخصيته العظيمة ليطعنوه من خلالها فلم يجدوا.

والايمان ليس لقلقه لسان فحسب بل هو عقيدة راسخة تدفع إلى عدم المهابة في اتخاذ المواقف الصعبة وإلى تقديم التضحيات بدون حساب، فكم من اسلموا ليحقنوا دماءهم فادركوا ما املوا ولكنهم سقطوا عند الوثبة، وابوطالب لم يكن منهم؟ وسأورد فيما يلي ثلاثة دلائل من كثير على ايمان ابي طالب باللسان وبالموقف وبالتضحية:

باللسان ويكفي في هذا المجال ان ذكر شعر من اشعاره والتي قال فيها ابن ابي الحديد المعتزلي »ان كل هذه الاشعار جاءت مجيء التواتر« يقول ابوطالب:

ألم تعلموا: أنا وجدنا محمدا
نبيا كموسى خط في أول الكتب
نبي أتاه الوحي من عند ربه
ومن قال: لا، يقرع بها سن نادم
يا شاهد الله علي فاشهد
اني على دين النبي محمد

أما بالموقف فقد كانت أسرة بني هاشم معروفة بالشجاعة وقد كانت قريش تهابهم، وقد كانت هذه الاسرة الكريمة هي الحصن الحصين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكائد الكفر، واحد الادلة على هذا ان قريش لما عزمت على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتفقت على ان يشترك في قتله اربعين قبيلة اي لم تكتف بعدد قليل من القبائل بل باربعين وهو حدث لم يسبق له مثيل ان يتفق هذا العدد من القبائل لمواجهة اسرة، وهذا فيه دلالة اخرى بالاضافة إلى الشجاعة التمسك برسول الله. ومن مواقف ابي طالب سيد هذه الاسرة وزعيم قريش في نصرة رسول الله، انه لما علم بان زعماء قريش القوا على ظهر رسول الله سلى (أمعاء) ناقة وهو يصلي في الكعبة، حمل ابو طالب سيفه وأمر أخاه حمزة بأن يحمل السلى وتوجه اليهم في مجلسهم فلما رأوه مقبلا عليهم معتبسا عرفوا ما يضمر لهم، ثم امر حمزة ان يلطخ وجوههم ولحاهم واحدا واحدا، ففعل حمزة دون ان يحرك احدهم ساكنا.

اما التضحية فالتاريخ يروي ان ابي طالب عندما حوصر بني هاشم في مكة وفرضت عليهم المقاطعة كان يبدل ليلا مكان نوم الرسول ويبيت مكانه ابنيه مرة جعفرا واخرى عليا تجنبا من ان تبطش به قريش وهم نيام، وهو الذي تخلى عن زعامته لقومه إلى الاتجاه المعاكس، الا وهو العداء لقومه، وقد تحمل النفي والنبذ الاجتماعي له ولمن يلوذ به، ورضي بالجوع والفقر والمحاصرة، ولكنه لم يستسلم للضغوط ولم تلن قناته ولم تصدع صفاته، ذاك هو ابوطالب.
ومدرس آخر من نفس ثقافة المدرسة سالفة الذكر يجتهد في تطبيق الشرك على اتباع مذهب على اعتبار انهم من عباد القبور وطبعا هذا عن طريق الهمز واللمز فقط ناقص ان يقول مرجعهم يلبس عمامة سوداء، ليخرج الطلبة من فصله متنافرين متباغضين بعد ان كانوا متآلفين متحابين. ان المدارس التي يعملون بها هي مدارس الجميع، وصحيح ان من امن العقوبة اساء الادب.