القرضاوي وكيل الله ام وكيل بني امية
كتاب للمتشيع المصري الدكتور احمد راسم النفيس اللذي افقد القرضاوي توازنه
يبدأ النفيس كتابه بالرد على افتراءات الشيخ القرضاوي، في كتابه: «تاريخنا المفترى عليه»، وينظر المؤلف للقرضاوي على أنه رمز «من رموز مدرسة التلفيق والتوفيق التي وضعت يدها على رقبة الأمة منذ عديد القرون». ص13. ويرى النفيس أن «المشكلة مع ما يطرحه الشيخ من أفكار وآراء في كتبه وندواته هي نفسها المشكلة مع تيار التلفيق المهمين على الساحة الفكرية الإسلامية والذي يزعم من بين ما يزعم أنه تيار الوسطية والاستنارة والاعتدال، بينما تقول الحقيقة أن هذا التيار مهما وصف نفسه بالاعتدال والاستنارة فهو في النهاية يمثل امتداداً لذلك التيار الأموي الذي حارب الحق ممثلاً في أئمة أهل البيت ، ولا زال ينصب الحرب لمدرستهم وفكرهم ويتواطأ على إطفاء نورهم والله متم نوره ولو كره التلفيقيون». ص13.

ويذهب النفيس إلى أن تيار التلفيق يتواطأ ويتستر على الجريمة الكبرى التي ارتكبها الأولون في حق أهل بيت العصمة والنبوة والطهارة، بل أن القضية التي نذروا أنفسهم لها هي تقديمهم لإسلام يخلو من أي ذكر لأهل البيت، وكأن أهل بيت العصمة والنبوة في أفضل حالاتهم كانوا سحابة صيف مرت بسماء هذه الأمة التي كان نجومها «أصحابي.. أصحابي بأيهم اقتديتم اهتديتم!!! أياً كان هؤلاء الأصحاب وأياً كان ما ارتكبوه»؟ ص14-15.

ويؤكد النفيس أن القرضاوي لو كان ينشد حقاً الحفاظ على دين الأمة، لَمَا أصدر كتابه -«تاريخنا المفترى عليه»- المملوء بالأكاذيب والافتراءات والمدح المفتعل للسفاحين والقتلة من بني أمية الذين لم يتركوا محرماً إلا وانتهكوه، ولَمَا دس الشيخ أنفه في الأزمة العراقية ليزيد الحريق اشتعالاً وليشعل حماس من أسماهم بالمجاهدين في العراق لقتل عشرات الآلاف من الشيعة الأبرياء بدعوى الجهاد ضد المحتل الأمريكي!! ص17.

القرضاوي وكيل الله في أرضه:

وفّق النفيس في اختيار عنوان كتابه: «القرضاوي وكيل الله أم وكيل بني أمية»؟ إذ اقتبس المعنى من كلمة للقرضاوي ألقاها في شباط/ فبراير 2005م بالدوحة في مؤتمر عُقد لمساندته ضد الحملة التي اتهمته بمساندة الإرهاب. وقال فيها: «لولا أن الله هيأ لي من ألحقني بالأزهر لما كنت أمامكم في هذه الساعة فقد «شيَّخني» أهل قريتي وأنا ابن التاسعة كرامة للقرآن الكريم والعلم الذي أحمله، وقد نذرت نفسي للدعوة إلى الله ولن أتخلى عن هذه المهمة التي وكَّلني الله بها فأنا أعتبر نفسي مؤكلاً من الله تعالى ولن أنسحب من هذه المهمة أبداً... فأنا لا أدافع عن باطل أو طواغيت، ويشهد الله أني لم أجامل أحداً في الحق يوماً ما وإنما أدافع وأنافح عن قضايا أمتي، ولن أتخلى عن ذلك مهما تعرضت له من اتهامات بالإرهاب تارة وبغيره أخرى». ص17-18.

ويعلق النفيس بقوله: «الله وكَّلني وأنا أعتبر نفسي موكَّلاً من الله تعالى، أي أن الشيخ القرضاوي هو كيل الله في أرضه». ص18.

الفكر الإسلامي وهؤلاء الشيوخ:

تحت هذا العنوان ناقش المؤلف «قضية الذات والصفات»؛ القضية التي شغلت بال المسلمين منذ فجر الإسلام، فهل يمكن رؤية هذه الذات المقدسة بالعين أم لا؟ وبحث النفيس المسألة بشكل علمي، وراح يتساءل قائلاً: لماذا يفاخر القوم بالإجابات التي طرحها الأشعري كونه حفيداً لأبي موسى الأشعري، ويتجاهلون عن عمد أن إمام الأمة علي قد أجاب على مثل هذه التساؤلات؟ أليسوا يزعمون أن رسول الله قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»، وعلي ابن أبي طالب هو رابع هؤلاء الخلفاء؟! فلماذا يتجاهلون علمه وحكمته ونبعه الصافي الزلال؟! ص25-26.

وقد فنّد المؤلف آراء المجسمة، واللطيف أنه استشهد بمقولة أم المؤمنين عائشة عندما قالت: «من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية». ص 26.

منهجية القرضاوي الخاطئة في قراءة التاريخ:

انتقد النفِيس منهجية القرضاوي الخاطئة في قراءة التاريخ ضمن فصل: «يوتوبيا الشيخ في مواجهة افتراءات العلمانيين!!»، وبيّن أن القرضاوي لا يقدم قراءة للتاريخ من أي نوع ولا يعدو كونه مجرد عرض لآراء «المفترين»، سواء كان هؤلاء «المفترين» من طائفة الإسلاميين «المودودي، الغزالي، سيد قطب» أو من طائفة العلمانيين، ثم يعرض لنا رأيه في آراء «المفترين» ويدعم رأيه بآراء «المؤيدين»، وهو يقدم لنا آراءه «المقدسة» انطلاقاً من موقعه الذي شخصّه الدكتور النفِيس كوكيل لله!!

ويتعجب النفِيس من القاعدة التي وضعها القرضاوي لقراءة التاريخ، إذ أن «الشيخ وضع قاعدة حاكمة ولكنها أبداً ليست صحيحة ولا محكمة لقراءة التاريخ والحكم على أحداثه هي تلك الرواية المنسوبة إلى الرسول «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم»، وهو يكررها كلما اضطر لدفع اتهام موجه «لتاريخنا المفترى عليه»... ويزيد الطين بلة عندما يجعل الالتزام بها شرطاً من شروط إعادة كتابة التاريخ بصورة «صحيحة» أي بما يوافق مِزاج الشيخ». ص54.

فالشروط المسبقة التي يؤكد عليها القرضاوي لمن يريد إعادة كتابة التاريخ من أهمها «ألا يكون المؤرخ متناقضاً في مفاهيمه ومعتقداته فيؤمن بالشيء ونقيضه ويقبل روايات تاريخية يرفضها منطق الدين الذي يؤمن به كأن يقبل روايات واهية تشوه عصر الصحابة والتابعين الذين جاءت صحاح الأحاديث تبين أنهما من خير القرون». ص 278.

والمشكلة في هذه المنهجية -كما يرى النفِيس- التي تنطلق من أحاديث الفضائل «أن تلك الرواية تعارضها آيات القرآن الكريم ويعارضها التاريخ المشهور فضلاً عن المتواتر كما تعارضها عديد الروايات الأخرى التي أفلتت من بين براثن الإعلام الأموي ووجدت طريقها إلى كتب الأحاديث والروايات». ص55.

علماً بأن الأحاديث التي تفنّد مقولة خير القرون قرني...إلخ، مروية في صحيح مسلم كما يثبتها النفِيس، ورغبة في الاختصار نكتفي بهذا المقطع الذي أورده مسلم إذ ينقل عن رسول الله قوله: «ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»!! ص55.

فأصحاب الرسول -كما يؤكد النفِيس- منهم الصادقون المخلصون المضحون، ومنهم المنافقون الذين آذوا رسول الله في حياته ومنهم من بقي بعد الرسول ليواصل نفس الدور وإن بصورة مختلفة بعد أن انفتح لهم الباب واسعاً تحت مظلة ما يسميه وعاظ السلاطين بالاجتهاد ذو الأجر الواحد!! ص55.

المفترون يتحدثون:

تحت هذا العنوان نقل النفِيس شكوى القرضاوي وبعض ردوده على المودودي وسيد قطب. يقول القرضاوي: «وإذا كنا نشكو من جور العلمانيين على تاريخنا الإسلامي وعلى الحضارة الإسلامية فإننا أكثر شكوى وأشد ألماً من بعض دعاتنا الإسلاميين الذين قسوا على التاريخ الإسلامي وبالغوا في نقده وتضخيم هناته وإخفاء حسناته». ص74.

الشيخ يوسف القرضاويويلخص القرضاوي جريمة المودودي إذ راح يتصور «أن الخليفة الثالث لم يكن يتصف بتلك الخصائص التي أوتيها الخليفتان الذين سبقاه فوجدت الجاهلية سبيلها إلى النظام الاجتماعي الإسلامي فانتهى بذلك عهد الخلافة على منهاج النبوة ليحل مكانه الملك العضوض». وهذا الكلام -بنظر القرضاوي- به حيف كبير على الحضارة الإسلامية وأنه يحمل نظرة متشائمة. ص76. هكذا يقدم لنا القرضاوي الرد العلمي الذي لم يقنع النفِيس ولا حتى جدتي الهاشمية التي لم تقرأ التاريخ ولا فلسفته!! وبنفس الطريقة يرد القرضاوي على سيد قطب، ويرى أنه كسابقه: أغضب علماء الهند وباكستان!! الذين رأوا في كلامه تحاملاً على عثمان وبني أمية!! ص 81. وبنفس الأسلوب «العلمي» قام الشيخ القرضاوي بالرد على أستاذه الشيخ محمد الغزالي، «الذي قال عن يزيد بن معاوية أنه لا يصلح لإدارة مدرسة ابتدائية، وصوب سنان قلمه إلى بني أمية بصفة عامة». ص92.

ولا عجب في أن يدافع الشيخ القرضاوي عن سيده يزيد بن سيده معاوية؛ فهو يرى أن «من سوء حظ الأمة أن توفي يزيد بعد ستة أشهر من توليه الخلافة فقد مات بالطاعون حتى قال الذهبي أنه ما متع ولا بلع ريقه»! ص 271.

فدولة بني أمية -كما يراها القرضاوي- كانت دولة التأسيس الحضاري وحق لنا أن نذرف عليها الدموع، كما ذرف القرضاوي دموعه على الظاغية التائب صدام، وشخصياً لا أستغرب أن يؤلف القرضاوي أو غيره كتاباً للدفاع عن «أمير المستبدين» صدام حسين!!

معاوية والحصانة الصحابية:

من الفتوحات العلمية التي ابتكرها القرضاوي في دفاعه المستميت عن معاوية ابن أبي سفيان الذي أراق دماء المسلمين في معركة صفين وغيرها، أنه أعطاه مرتبة «بركة الصحبة» أو الحصانة الدبلوماسية، إذ يقول: «وهذه الصحبة لرسول الله لا تمنحه العصمة فلا عصمة لأحد غير رسول الله ولكنها تمنحه شيئاً أشبه ما يسمى اليوم «الحصانة» التي تمنح اليوم لأعضاء البرلمان وأمثالهم فلا يقبل من أحد أن يجرحهم أو يمسهم بسوء، وقد أثنى الله عليهم في كتابه وأثنى عليهم رسوله في أحاديث كثيرة وشهدت لهم وقائع التاريخ المتواترة بالفضل ومكارم الأخلاق وهم الذين نقلوا إلينا القرآن ورووا إلينا السنة». ص88.

واللطيف أن مسلم في صحيحه ينقل مقولة رسول الله : «يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»!

فأين نصنِّف معاوية الذي حارب الإمام علي على ضوء هذا الحديث؟

وكيف نحكم على معاوية وهو الذي قتل: حجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعمار بن ياسر، وغيرهم، أم أن هؤلاء ليسوا من الصحابة الذين يدافع عنهم الشيخ القرضاوي؟

«وهل يعتقد شيخ الإخوان حقاً أن ابن آكلة الأكباد قد نال أيضاً حصانة إلهية تحميه من المساءلة أمام الله عز وجل عن تلك الدماء الطاهرة التي أريقت من غير ذنب ارتكبته إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتلك التي أعطاها له ليكف عنه ألسنة الناس في الدنيا ﴿ ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يُجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ﴾[النساء: 109].ص 188-189.

أليس من حق القارئ أن يعرف لماذا حظي ابن آكلة الأكباد وحده حق الحصانة من النقد في حين لم يُمنح الإمام علي شيئاً من هذه الحقوق حينما اُتخذ من سبه ولعنه على المنابر سياسة دولة. ص174.

«ومن المضحك أن أبرز الاتهامات الموجهة إلى شيعة علي بن أبي طالب أنهم كفار لأنهم يسبون الصحابة في حين تمتلئ صفحات القوم بكل ما هو مخجل من سب وقذف علني لإمام الحق علي بن أبي طالب وكأنه لم يكن من أهل البيت ولا من الصحابة!!». ص 190.

فأين هذه الغيرة والحمية والحماس عندما يتعلق الأمر بمن يقر القرضاوي أنه رابع الخلفاء الراشدين، وزوج سيدة نساء العالمين، وهو من هو في فضله وسابقته. ص 192.

القرضاوي يشتم أمريكا ولا يستنكر عمل الوليد!!

من الطرائف التي أشار إليها النفِيس في كتابه حول تناقضات الشيخ القرضاوي، أنه رآه يدافع بقوة عن الوليد الذي قدّم جاريته للصلاة بالناس وهي سكرى جنبة متلثمة فصلّت بالناس! ولم يرَ القرضاوي بأساً في ذلك!! لكن الشيخ نفسه يصول ويجول ويسب ويشتم أمريكا ومحاولاتها تحريف الإسلام بمناسبة قصة تلك المرأة التي أمّت الناس في الصلاة في الولايات المتحدة الأمريكية!! ص272.

يتساءل النفِيس: أليس الفساد والإفساد واحداً في كل الحالات؟

أكتفي بهذا القدر من التعريف ببعض الأفكار التي يطرحها المؤلف النفِيس في كتابه القيّم هذا الذي أفقد القرضاوي توازنه كما تساءلنا في مقالة سابقة بعنوان: «هل أفقد «أحمد النفيس» القرضاوي توازنه؟»، وبالطبع هناك نقاط عديدة مهمة لم نتطرق لها من قبيل: حديث المؤلف عن الحضارة الفاطمية التي يرى المؤلف وهو ابن مصر أن المسلمين خسروا الكثير من إنجازاتها. أو نقد المؤلف وملاحظاته الوجيهة على ابن خلدون الذي عدّه مؤرخاً سلطوياً
منقوووول