إذا أحببته أحبك وإذا قسوت عليه وخزك


بيروت: مارون حداد


سامي الرفاعي، ابن بعلبك «مدينة الشمس والحجر والثقافة والحضارة»، كما يسميها، محام ومهندس معماري وشاعر ونحات، وصاحب مجموعة نادرة وغنية من «الكاكتوس» أو الصبار. وتسأله عن هذه الهواية فيجيبك بوله العاشق: «اذا كنت تعرف كيف تقترب من هذه النبتة، وكيف تحاورها، وكيف تعاملها فستجدها متفتحة نضرة، اما في حال العكس فستخرج اشواكها لتخزك حتى تدميك».

ويشرح الرفاعي لـ«الشرق الأوسط» كيفية تعرفه الى هذه النبتة المتوحشة وكيفية تحويلها الى نبتة زاهية نضرة، فيقول: «لقد وقعت في غرام هذه النبتة عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، حيث تلقيت من احد اصدقاء العائلة نبتة من هذه الفصيلة لمداواة حالة الاكتئاب التي استبدت بي على اثر وفاة والدي»، ويضيف: «ان هذه النبتة تعلمك الصبر في مواجهة مصاعب الحياة».

هكذا بدأ الرفاعي مغامرته مع الكاكتوس متولهاً بها كما يتوله الحبيب بحبيبته، ومكتشفاً انها صامدة في وجه مصاعب الطبيعة، «فهي يمكن ان تعيش في جو 20 درجة تحت الصفر او 50 درجة فوق الصفر. وتحتاج الى القليل من الماء، لانها قليلة الجذور، وانما تحتاج الى فيتامينات خاصة بها».

ويملك المهندس النحات ثلاثة مشاتل كبرى، اثنان منها في لبنان (واحد في الحازمية احدى ضواحي بيروت الشرقية والآخر في بلدة «الشبانية» في محافظة جبل لبنان). اما المشتل الثالث فهو موجود في اسبانيا حيث قام الرفاعي بتهريب الكثير من الشتول والنباتات اليه خلال الاحداث بعدما تعرض المشتلان في لبنان للسرقة والتخريب. ويقوم المشتلان في لبنان على مساحة 40 الف متر مربع.

وعندما تسأله عن مصادر الكاكتوس فيجيبك: «لقد قمت برحلات حول العالم، من المكسيك الى الارجنتين، الى الدول العربية لاصطياد انواع الصبار النادرة التي بات عددها يفوق 1700 صنف. واتبادلها مع اصحاب المجموعات الاخرى، كما يتبادلون الطوابع والماس. ولدي هوية كاملة لكل صنف من هذه الاصناف: اسمها، مصدرها، خصائصها. وينتابني الحزن كلما تذكرت واحدة من الكاكتوس استقدمتها من المكسيك عام 1961، وسرقت من المشتل بين سائر المسروقات خلال الحرب. وهذه السرقة هي التي دفعتني فعلاً الى تهريب اهم الاصناف الى اسبانيا حيث تعيش هناك بأمن وامان، ولعل ما يعزيني انني زرعت 300 نبتة من هذا الصنف النادر».

وعندما تلقي نظرة على صفوف الكاكتوس تتراقص امامك اشكالها، الصغيرة والكبيرة والمستديرة والمستطيلة والمزهرة والمتفرعة، واسماؤها المتعددة من «وسادة الجدة» الى «لسان الحماة» الى «رأس الشيخ» الذي صنع منه مرهم لمعالجة سرطان الجلد، كما يقول الرفاعي. ويضيف: «انا لا اصدق بأن الكاكتوس عامل شؤم، وهي اسطورة تتأتى من كونها تنبت حول المدافن».

ويتابع: «اذا سألتني اي نوع من الكاكتوس احب وافضل، فسأجد صعوبة في الاختيار، تماماً كالصعوبة في التفضيل بين الابناء، فلكل صنف شخصيتة، وجماليته، كما المنحوتة او اللوحة الفنية». ويمضي قائلاً: «لقد صوب الكاكتوس نظرتي وعلمني التخيل والبعد الثالث، وساعدني في عملية النحت على الحجر او البرونز او الغرانيت، وهو نحت يجمع بين التجريدي والحديث والتصويري».