عائلات تعيش في محشر للكلاب بوهران
ذلك حال ست عائلات، فرضت عليها المشاكل العائلية والظروف القاسية أن تختار محلات تستعمل لحجز الحيوانات كالحمير مثلا، بجوار محشر الكلاب بشارع الشهداء في حي الحمري بوهران، هذه العائلات التي لم نستطع المكوث إلى جانب مأواها، حين زيارتنا لها، لمدة أطول بسبب الرائحة الخانقة التي كتمت على أنفاسنا، وأجبرتنا على مغادرة المكان، الذي لا يتحمله في حقيقة الأمر إلا الكلاب ''الضالة'' والمسعورة على جناح السرعة· وكانت المدة القصيرة التي قضتها ''الخبر'' داخل المحشر المشؤوم كافية للإطلاع على ما تعانيه هذه العائلات الست وأطفالها الذين لازمهم مرض الربو المزمن في السنين الأولى من عمرهم، كما هو الحال بالنسبة لطفل صغير لم يتجاوز سنه السنتين، هذا الأخير الذي لم يتطور نموه الجسدي بسبب حدة المرض التنفسي الذي نال منه ولم يعد يقوى على العيش كبقية الأطفال الذين هم في سنه·
وحسب بعض الذين تحدثوا إلينا، والذين هم من عمال بلدية وهران، فإن ما دفع بهم إلى العيش بجوار الكلاب الضالة الخطيرة، هو الظروف الأكثر من ذلك مرارة، غير أنه وبعد مرور الزمن، وبعد أن بدأت آثار العيش في هذا المحشر الحيواني تبدو على صحتهم وصحة أبنائهم، أحسوا أن الخطر يداهمهم من كل جانب في بيئة لا تخلو من تهديدات داء الكلب والوباء والأمراض المتنقلة عبر الحشرات التي تحملها الكلاب المسعورة والسرطان أيضا، خاصة وأن من الكلاب من يُحجز والدماء تتقاطر من بين فكيه وفي جسده· وما تواجهه هذه الأسر من انعدام الأمن الصحي، في فصل الشتاء، يتضاعف في فصل الصيف، ودرجة الاختناق التنفسي في وقت الحر تبلغ ذروتها بحيث أن البعض من الأولياء يرسلون صغارهم للبقاء عند ذويهم بالنسبة لمن لديهم أهل يقبلونهم حتى لا تتضاعف درجة المرض التنفسي عندهم· ومن الأخطار التي تهدد كيان الصغار في المحشر الذي يتقاسموه مع الحيوانات المحجوزة، والتي يواجهونها يوميا، وبالأخص يوم الثلاثاء عندما يبلغ عدد الكلاب الضالة المحجوزة حدا أقصى يصل أحيانا إلى ثلاثين كلبا، ويوم الأربعاء حين يتم القضاء عليها لأن من بينها ما هي مؤهلة لنقل داء الكلب إلى من يقع فريسة بين أنيابها، لأن الكلاب حين يتم إنزالها من شاحنة الحجز تشعر بأنها في خطر وتحاول الهروب، وعندما تتمكن من الإفلات من يدي القابض عليها تدخل في أي باب مفتوح من أبواب منازل جيرانها من ''الإنس'' وتخلق هلعا في نفوسهم كما حدث قبل أسابيع حين صدم كلب هائج طفلا صغيرا بقوة خارقة جعلته يفقد وعيه لمدة أسبوعين، وهو الآن يعيش على وقع آثار هذه الحادثة التي جعلته لا يغادر البيت إلا إذا كان مرفوقا بوالده·
وزيادة على هاجس تهجم هذه الحيوانات المسعورة على من تواجهه في طريقها حين محاولتها الهروب من جحيم الموت، هناك آثار أخرى ناجمة عن حجزها داخل المحشر وكلها تؤثر على صحة الإنسان كبيرا كان أم صغيرا، وتتمثل في انتشار الشعر الذي يعتبر من أهم أسباب الإصابة بمرض الحساسية، الذي لم ينج منه لا الأطفال، ولا النساء، ولا حتى الرجال، وكذلك الرائحة الناجمة عن بول تلك الكلاب الذي يتحول إلى مادة سامة تخنق أنفاس السكان المجاورين، والتي بسببها انتشر الربو بين صغارهم وكبارهم إلى درجة تدعو إلى القلق· أضف إلى ذلك أن الكلاب حين يقذف بها من شاحنة الحجز على الأرض تنتفض أجسادها فتنبعث منها الحشرات المتصلة بها كالأردات والبق وكل ما هو ملتصق بها، وتنتشر في المنازل لتنغّص حياة ساكنيها الذين يقضون من جرائها ليال بيضاء خاصة في أيام الحر· وأدت هذه الوضعية بأرباب العائلات المتضررة إلى إحاطة موقع اللجوء بالمازوت لمنع تسرب الحشرات إليه حسب اعتقادهم، غير أنهم يقولون أن رائحته أيضا لا تحتمل وتساهم في مضاعفة المرض التنفسي عند أبنائهم، مع العلم أن هناك عائلة بها ثلاثة أطفال مصابين بالربو وعائلة أخرى بها اثنان اضطر والدهما إلى ''تهريب'' شقيقتهما الثالثة عند والديه حتى لا يكون مصيرها نفس مصيرهما· ولم يقتصر ضرر الكلاب الضالة والمسعورة على من أرغمتهم الظروف للعيش إلى جانبها، عند الآثار الصحية التي تتركها بطرق عدة، بل تعداه إلى كثرة النباح الليلي، خاصة حينما يتكاثر عدد المحشورين، إذ لا يمكن تحمّل تلك العائلات لتلك الأصوات الصادرة بالقرب منها ولا تستطيع فرض كتمانها وهي التي لا تكفّ عن اختراق الجدران قبل أن تثقب آذان سامعيها من البشر الذين ينامون دون أن تغمض لهم جفون· يضاف إلى ذلك تحوّل المأوى المزري إلى ''بركة'' تتجمع فيها مياه أمطار فصل الشتاء التي تتسرب عبر أسقف مهترئة، وتأتي على الأغطية والأفرشة ومن يستعملها من أصحاب ''البيت''·
وما يبيّن أن الموقع لا يليق بجنس البشر، هو أن والي وهران حين أمر بشن حملة على عربات ''الكارو'' بالولاية قبل حوالي سنة، أمر بحجز الحمير في محشر الحيوانات بحي الحمري إلى جانب الكلاب الهائجة، ولم يكن يعلم أن موقع الحمير صار ملجأ لعائلات قائمة بها استطاعت أن تحوّل بعض مكاتب المحشر في العهد الاستعماري ومقرات مخصصة للحيوانات إلى بيوت حشرت فيها نفسها، وأنجبت أطفالا يعيشون الآن حياة لا توصف، وظروفا يندى لها الجبين مؤهلة للتدهور أكثر إذا طال مكوثهم في البيئة التي ''يتعذبون'' فيها· وما يأمله أرباب العائلات المنكوبة الذين يعملون في بلدية وهران، هو أن السلطات المحلية تلتفت إليهم وتخلّصهم من الجحيم الذي يعيشونه رفقة عائلاتهم في محشر لا يطاق، خاصة وأن البلدية بصدد تنفيذ برنامج سكني خاص بعمالها، يتمثل في إنجاز مشروع 54 سكنا بحي اللوز في وهران، و12 مسكنا بالقرب من المذبح البلدي· وما هو باد لكل من يزور محشر الكلاب بشارع الشهداء ويطّلع على الظروف المعيشية للعائلات الرابضة فيه، هو أن الخطر على الأطفال الصغار قائم، والكارثة التي يمكن أن تحدثها الكلاب الضالة والمسعورة محتملة، والأمراض التنفسية ستطال كل من يعيش أو ينشأ بالمكان المهيأ لها، والذي غادرناه نحن أنفسنا مصحوبين بضيق تنفسي رغم المدة القصيرة التي قضيناها فيه
منقووووول

تلمسان: عائلات تقضي الشتاء في العراء
تعيش عدة عائلات، بحي سيدي بومدين، بأعالي مدينة تلمسان، في الشارع منذ أسبوع، بعد أن تصدعت منازلها، وخافت من انهيارها؛ في ظل صمت السلطات المحلية، التي طالبتها بإيجاد مخرج من هذه الحالة المزرية· وبالموازاة، تعيش أربع عائلات، بحي الكدية، ظروفا مزرية، منذ أكثـر من أربعة أشهر، حيث قامت البلدية بهدم السكنات الفوضوية، التي بنوها على أرض خاصة بهذا الحي