حسين آل لباد



المكالمة تستمر ساعة .. وفي بعض الليالي ساعتين .. ومكالمتين .. وثلاث ..


حبيبتي للأولى .. !


حبيبتي للثانية ..!!


وحبيبتي للثالثة ..!!!


حبيبتي .. عليك صلاة ؟


حبيبتي .. لابسة برمودة لو تنوره ؟


حبيبتي .. كم مقاس الـ ..... ؟


ويتغير كل شيء في النهار .. ينقلب الصوت المنعم إلى صوت التمساح:


.. نعم .. " بغيتي شي ؟ "


.. مع السلامة.


إجازة الحج التي أعتاد أمجد أن يقضيها كادراً مع أحدى الحملات، لم تمضي في عامها الماضي على ما يرام، إذ شاركه الغرفة الشيخ عارف !


*


أمجد وهو أبن العشرين عاماً، يتذكر أيام صغره، إذ تمنى أن يصبح شيخاً، وكلما أخذه والده إلى مسجدٍ أو حسينية، ورأى صاحب عمامة، صاح على أبيه :


-.. بابا .. بابا .. أريد أن أصبح شيخاً ..


- فيبتسم الأب ابتسامة ماتت بموت صاحبها قبل عامين.. !


يتذكر .. أيام صباه وصغره ..


يتذكر دروس الجنابة والغسل بنوعيه .. والتي حضرها عند أحد شيوخ قريته، والتي لم تكن بعيدة عن قرية الشيخ عارف، الذي لم يكن حينها شيخاً .. وكان الشيوخ عدد قليل، ورقمٌ نادرٌ لا يمكن أن يتكرر،


وكانت الناس تحبهم..


كان القليل من الناس ينكرهم ويبغضهم


وكان البعض يعبدهم ..!


هذا التاريخ ليس بالبعيد، فولادتها حدثت بعد دفن شيء من أساطير " النجف الصغرى " ..


لتبقى الرائحة ..


وينتهي الطعم..


بل لا رائحة و لا طعمٌ .. " لا أنتِ أنتِ ، ولا الزمانُ هو الزمان ! "


**


تعلق أمجد بشخصية الشيخ علي، فأخلاقه وصفاته تدلان على علمه ومعرفته، لم يكن الشيخ علي شيخاً حينها، بل كان يجاهد ليكون شيخا، كما هي أمنية أمجد.


الشيخ علي كون له مكتبة ضخمة تجاوزت " الخمسين " كتاب !!


من الكتب الدينية أو التي تسمى بالكتب الخطيرة. وذا خير دليلٍ على جده واجتهاده ومحبته لطلب العلوم لدينية، في زمن كان الكتاب نادراً ويعادل في وجوده الكثير من الكتب.


***


حينما زادت شكوك أمجد من تصرفات الشيخ عارف، الذي يسهر ليلاً ممسكاً الجوال، أو مكوماً ذلك القماش على ركبته عله يفلح في لف عمامته، كما كان يلفها له أحد طلبة العلوم الدينية من رفاقه.


أتصل أمجد على بعض أصدقاءه، علهم يكشفوا سر تصرفات الشيخ .


وكل الذي عرفه دون تأكيد من أحد، أن الشيخ عارف ذهب قرابة السنتين إلى قم، ثم عاد بعمامة كبيرة !


ليكون من أوائل المعممين في قريته، التي وسم أهلها بالطيبة واحترام العلماء!


كما درس الخطابة على يد بعض العارفين بها في بعض القرى، لتعينه على مقابلة العامة من الناس، حتى تدرج في الحياة، ملفقاً للهجته بعض الكلمات العراقية، ويحلق "الشنب" اقتداء بالسنة النبوية، يكبر عمامته على حسب الشخصية التي ستزوره، أو يزروها، كلما ازدادت أهمية الشخص، كلما كبرت العمامة.


****


انتهى الحج، وعاد امجد يحمل في صدره موقفاً لا ينساه ، لم يكن ذلك الموقف عرفات، بل كان مجموع مواقف أكتشفها من زميله في الغرفة " الشيخ عارف ".. والذي كان يسخر من الناس، ويشبههم بما لا يليق، رغم أن موسم الحج تظاهرة أسلامية يمتزج فيها الفقير بالغني، والعالم بالجاهل، والأسود بالأبيض !


*****


بعد الانتهاء من شهر محرم، زار أمجد أحد أصدقاءه في قرية الشيخ عارف ، أو "كوم" التناقضات، كما يحلو لأمجد أن يسميه.


وبينما كان الصديقان يتسامران، سأل أمجد عن أحوال الشيخ، فأسترسل الصديق في إخبار صديقه:


ألقى طيلة شهر محرم محاضرات تنوعت في عناوينها..


فتارة عن العفاف .. وتارة عن الصبر .. وثلاثة عن أبغض الحلال ..


وأخرى عن الأخلاق، كما وتطرق إلى دور المرأة في المجتمع ..


وشجع الناس على طلب العلم ، صغاراً وكبارا ... والكثير .. الكثير ..


... لكن ..


وصمت صديق أمجد وهو يبتسم .. ثم أكمل ..


لكن الشيخ كان يضرب زوجته ضرباً مبرحاً طيلة العشرة الأولى من محرم، وفي العشرة الثانية طلقها !