الوطن قامت بالرحلة ورصدت مشقة الصعود والنزول وروحانية العبور لمكان النبي صلى الله عليه وسلم
الطريق إلى غار حراء..!
مكة المكرمة ـ مبارك القناعي
عندما ترغب بالذهاب لزيارة غار حراء.. الغار الذي شهد نزول أول آية في القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم يجب ان تعلم ان الصعود إليه ليس بالأمر السهل خصوصا مع عدم وجود طريق واضحة مقابل خطورة تسلق الجبل.
ويقع غار حراء في جبل النور الذي عرف بعد ذلك بجبل الإسلام لنزول الوحي فيه كما اطلق اكثر من عالم اسلامي على غار حراء الذي كان يتعبد به الرسول الكريم ويختلي فيه خلال شهر رمضان المبارك، حتى قبل نزول الوحي اسم «رحم الأمة» لاعتبارات كثيرة من ابرزها ان الأمة الاسلامية جميعها كانت بدايتها من هذا الرحم «الغار».
«الوطن» قامت بزيارة إلى الغار حيث يجب الصعود إلى أعلى قمة جبل النور ومن ثم النزول إلى غار حراء الذي يقع بالجانب الأخر من الجبل، وذلك في وقت استغرق ما يقارب الساعة والنصف.
الطريق إلى الغار والصعود إليه لم يكن من الأمور السهلة بل هي بحاجة إلى مجهود ولياقة بدنية وتحمل لمشقة عدم استطاعة الوصول إلى قمة الجبل بتلفريك كما هو الحال في العديد من الجبال بالبلدان الأوروبية، أو حتى الصعود بالسيارات من خلال عمل طريق مؤد لهذا الغرض.
بل هو لزاما عليك قبل ان تنوي الصعود ان تتحلى بالعزيمة والتحدي لاستكمال الطريق مهما كانت النتائج وان كان لمنتصف الطريق فقط حيث بعد المنتصف الأول يبدأ الطريق يأخذ المنحنى الأقل خطورة وذلك في النصف الثاني من رحلة الذهاب.
لن تجد اي من رجال الأمن أو حتى شيوخ الدين ولكنك ستجد بعض الزوار، كما صادفت «الوطن» شخصين من دولة الإمارات العربية المتحدة واستكملت باقي الرحلة معهم، وستجد ايضا استراحات بدائية تباع فيها المشروبات الغازية والبسكويت والمسابيح وبعض الصور للحرم المكي وأخرى صور تاريخية للمعالم الإسلامية في مكة.
أحد مشايخ الحرم قال في دردشة مع «الوطن» ان عدم الاهتمام بالغار هو خوف من ان يمارس المسلمون عادات غير مسلمة في الغار كالتمسح بالغار وادخال الاعتقادات غير الصحيحة بتاتا في ذهن المسلم الذي يعتبر في الوقت نفسه نوعاً من الشرك مشيرا في ذلك إلى وجود حديث نبوي يحث على ازالة الكهف!!
ويقع جبل النور بشرق مكة المكرمة وبالتحديد على يسار الطريق الى عرفات، ويبلغ ارتفاعه 634 مترا، ويبعد تقريبا مسافة اربعة كيلومترات عن الحرم الشريف وهو عبارة عن فجوة في الجبل، يفتح بابها نحو الشمال، طولها اربع اذرع وعرضها ذراع وثلاثة ارباع الذراع ويمكن لخمسة اشخاص فقط الجلوس في الغار في آن واحد.
والداخل لغار حراء يكون متجها نحو الكعبة المشرفة كما ويمكن للواقف على الجبل ان يرى مكة وابنيتها، وهو يمتاز عن بقية الجبال بان الاساس الاول القديم للكعبة من حجارة نفس الجبل وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعبد فيه قبل البعثة وفيه كان المرة الاولى التي نزل فيها الوحي جبريل عليه السلام على الرسول الكريم.
وقد ثبت في السُنة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحنث في غار حراء قبل البعثة بثلاث سنوات. أي يتطهر ويتعبد وكان تحنثه شهرا من كل سنة، هو شهر رمضان يذهب فيه الى غار حراء فيقيم فيه هذا الشهر، يطعم المسكين و يقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون، وكان اختياره طرفا من تدبير الله له ليعده للدور العظيم الذي ينتظره، حتى جاءه جبريل عليه السلام وهو في غار حراء وكان اللقاء الاول بين جبريل والمصطفى صلى الله عليه وسلم.
(اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) وهي الآية الكريمة التي قالها جبريل عليه السلام لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الغار التي كان بدايتها بكلمة «اقرأ» التي وقف عندها العديد الباحثين من المسلمين وغير المسلمين وفسرت بعد ذلك بانها لم تعن فقط القراءة او الكتابة وانما ايضا كان يقصد بها التعلم والفهم والوعي والادراك.
وفيما رأى مجددون من كتاب الصحوة الاسلامية العالمية المعاصرة ان دلالة الاستهلال في قوله تعالى: (اقرأ) تعني ميلاد طور جديد للانسانية بلغت سن الرشد والنضج، فكانت كلمته الاولى (اقرأ) بصيغة الامر والوجوب، وان ذلك كان بداية جديدة للبشرية، وانه بدون فهم هذه الدلالة يستحيل علينا ان نفهم ونعي ابعاد التغيرات التي حدثت في عصر النبوة وبداية الرسالة الاسلامية وما احدثتها من تغيرات في تركيبة النفس البشرية واتجاهها الى العلم والمعرفة بعكس ما كانت عليه بالجاهلية.
وتروي احاديث وكتب من السيرة النبوية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال: اقرأ فرد الرسول بما معناه انا لا اجيد القراءة فضمه جبريل عليه السلام اليه حتى ظن الرسول عليه الصلاة والسلام انه الموت، وتكرر الحوار وتكررت واقعة الضم حتى سأله الرسول ماذا أقرأ؟ فنزلت أول آية وأول سورة في القرآن الكريم.
وقد حبب الله عز وجل الى رسوله الخلاء في غار حراء، في فترة الاعداد لتلقي الرسالة لضرورة هذا الأمر ويذكر ان غار حراء منزو وفي انعطاف وميل عن طريق مرور الناس عليه، وهذا الوضع يزيد من تمكن المختلي فيه من التفرغ للتعبد وهي امور كان يقصد اليها النبي صلى الله عليه وسلم في خلائه وتعبده بالتفكير في مصنوعات الله وبدائع ملكوته.
وفي الجانب الآخر وبعد هذه السنين التي مرت على ما حصل في هذا الغار فما زال حراء مكاناً يقصده العديد من الناس لمشاهدة مكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهم أشخاص من كل حدب وصوب تجد بصماتهم واضحة بشكل كتابات بخط اليد طوال الطريق الى أن تصل الى الغار.
وهي كتابات بمختلف لغات العالم ومن مختلف المذاهب الاسلامية كما توجد ايضا كتابات محفورة تعود للعصور الاسلامية التي لحق بعصر الخلفاء الراشدين كما أكد احد علماء المسلمين في حديث لاحدى القنوات الفضائية.
فالذهاب الى غار حراء شيء عظيم جدا يشعرك بصدق الرسالة الاسلامية ومدى المعاناة التي عاناها رسولنا الكريم لتبليغ رسالته بهذا الشكل التي هي عليه الآن، وبمجرد الدخول الى الغار ستشعر بشيء من السكينة في القلب وستجد العديد من الكتابات داخل الغار ايضا وبامكانك ان تشاهد الحرم وانت بالغار.
هو شعور لا يوصف عندما تكون جالساً في ذلك المكان فالحجارة والكهف وكل ما هو حولك شهد نزول الوحي على الرسول الكريم، وفعلا هو إحساس لا يمكن وصفة بالكتابة او بخط اليد لأنه يتعلق بارتباط الشخص بعقيدته وبدينه وبنبيه الكريم الذي بدأ دعوته وتوحيده لله سبحانه وتعالى جل وعلى من هذا الكهف.
تاريخ النشر: الجمعة 20/10/2006
http://www.alwatan.com.kw/default.as...9&mgdid=436070
المفضلات