إعداد: هدى بكر


من الصعب ان تحددي المواضيع المناسبة التي يمكنك الكشف عنها لصديقتك عن نفسك او عن من تربطك بهم علاقة قرابة. فما الاشياء التي يكون من الحكمة ان تحتفظي بها لنفسك ولماذا؟ واين يجب ان تضعي حدودا فاصلة؟ وكيف تضعينها؟

لأن القواعد نفسها لا تتناسب مع مختلف المواقف وانواع العلاقات، فكيف تحددين المكان والزمان الذين تبدأ عندها حدود خصوصيتك التي لا يجب ان يتخطاها احد؟

ان التوصل للحكم الصائب عما هو خصوصي يرجع الى رغبتك - اصلا - في ترسيم حدود الخصوصية او اعادة ترسيمها كي تتناسب مع مختلف العلاقات والمواقف.
كثيرا ما تخطئ المرأة وتبوح للآخرين بأكثر من اللازم لأنها تعتقد ان المكاشفة بمكنون ذاتها تمهد لها الطريق نحو علاقات وطيدة دافئة. ولكن الصداقة والبوح لا يرتبطان بالضرورة، فإذا كنت صديقة حقيقية فستحترمين حق صديقتك في عدم البوح بأدق اسرارها او مشاعرها وافكارها الخاصة جدا.
ولأن الشرارة التي تجذب الناس بعضهم إلى بعض هي في العادة شرارة عاطفية اكثر منها لفظية، فالطريقة التي تنمو بها علاقة الصداقة بعد اول جولة من جولات فتح القلب تعود الى قوة العاطفة بين الطرفين، بالقدر نفسه الذي تعود به الى البوح المتبادل بينهما. فإذا كنت واثقة بنفسك فلست مضطرة إلى البوح بكل شيء او البوح به كله مرة واحدة.

ويعتقد بعض خبراء علم النفس ان لكل انسان 'معدل سعادة' يحدد حالته المزاجية الاساسية او الاعتيادية، التي ترتفع او تنخفض وفق الظروف، لكنها تعود دوما الى المعدل الاصلي، وربما ينطبق الشيء ذاته على الحدود الشخصية التي يضعها كل انسان لنفسه. اذن كلنا نتصرف وفق معايير منضبطة بدقة لمعدل المحافظة على الخصوصية والكشف عن اشياء حميمية عن انفسنا بسرعات مختلفة، ولكل امرأة اسلوبها في هذا المجال وعادة ما تحتاج الى تعديل توقعاتها حين تضع ذلك في الاعتبار.

المجتمع يضع الحدود أحيانا

الحدود التي نضعها بيننا وبين الآخرين مسألة شخصية ولكنها ايضا خاضعة للاعراف السائدة في المجتمع الذي نعيش فيه. وقد استمر العلم والتكنولوجيا في تلويث الحس التفريقي بين ما هو خاص لا يجب البوح به وبين ما هو عام. مثلا قد يجعل شخص غريب كل من حوله يستمعون رغما عنهم للمحادثة او الشجار الدائر بينه وبين زوجته. كما يمكن لأي شخص يستطيع الطباعة على لوحة الكمبيوتر ان يدخل على شخص آخر ويقرأ كل المعلومات الشخصية عنه فتتقلص التجارب الموضوعية حتى تصبح بحجم المحادثة العادية.

ولكن من القائل بأن العلاقات الحميمة تحتاج الى معرفة كل التاريخ الشخصي للطرف الآخر وسيرته الذاتية وعلاقاته العاطفية؟

الكثيرون منا قضوا ساعات الانتظار الطويلة - في المطار مثلا - في احاديث مستفيضة مع زميل السفر يبادلونه مشاعر ألفة ولكنهم يعرفون عن سيرته الذاتية اقل القليل.

وبالنسبة الى الازواج، فكثير من النساء ينظرن الى اسلوبهم في التعامل مع خصوصياتهم بنظرة تعجب. فالرجل يتعامل بحرص اكبر حين يشارك الآخرين في تفاصيل عن ذاته. وكلما ازداد تحفظ الرجل على خصوصياته نال احتراما اكبر من المرأة، خصوصا ان كان هذا التحفظ نابعا من تواضع وليس من حذر وخوف. ولكن المرأة تضجر احيانا من الرجل حين يمارس هذا التحفظ بدلا من الاستجابة التي لا تضر لسؤال مثل 'كيف قضيت العطلة؟' في المناسبات الاجتماعية المختلفة.

والحقيقة العلمية التي خرج بها الجميع هي ان النساء اكثر استعدادا لتقديم المعلومات من الرجال. فالمرأة تكشف للصديقات وافراد الاسرة ولشريك الحياة اكثر مما يكشف عنه الرجل.

وهذه الحقيقة تأكدت من خلال الدراسة التي نشرت في مجلة الصحة النفسية وشملت ما يقرب من 24 الف متطوع ومتطوعة، وكانت نسبة النساء اكبر في المكاشفة سواء للنساء الاخريات او للباحثين والباحثات الذين اشرفوا على الدراسة، كما سجل الرجال نسبة مكاشفة مساوية حين يكون المستقبل شخصا غريبا عنهم ولكن حين يقوم الباحثون بقياس معدل المكاشفة ينقلب الرجال الى نسبة مكاشفة اقل مما تقوم به النساء للغرباء ايضا، هذا الفرق بين اسلوب محافظة النساء والرجال على خصوصياتهم يعود في الاكثر الى المهارات اللغوية وكيمياء المخ.

فالنساء يتعاملن بسهولة أكبر مع مفردات اللغة من الرجال، وحين يتعرضن للضغوط او الصعوبات يفرز مخهن معدلات اعلى من المادة الكيماوية اوكسيسونتن عما يفرزه مخ الرجال. وتأثير هذه المادة يدفع المرأة إلى الوجود مع الآخرين والدخول في مناقشات مكثفة معهم.

مسألة ثقة

قد يختلط مفهوم المكاشفة الذاتية مع مفهوم الحميمية خصوصا اذا استخدمت في المكان الخطأ او مع الشخص الخطأ. فمثلا لو ان صديقة اخبرتك بسر من اسرارها فقد تشكل هذه المعلومات عبئا عليك، كما يفعل بعض الاشخاص، يكاشفون طبيبة الاسنان او الكوافيرة بأسرارهم الخاصة مما يضايق هذه الانسانة التي تقوم بوظيفتها ولا تريد ان تستمع لخصوصيات الناس، في حين لا تمانع اخريات في الاستماع والتعاطف مع المرضى او الزبائن.

وقد تفرض الظروف مستوى ارتياح معين، فمثلا الزملاء الذين يعملون في ورديات عمل ليلية، يقضون بعضهم مع بعض ساعات طويلة تجعل جملة 'شخصي للغاية' غير ذات معنى.

ولكن في اماكن عمل اخرى قد يتحول المكتب الى حقل الغام، اذا ما نقلت كلمة عن طريق الخطأ بسبب المفاتحة والمكاشفة مما قد يؤثر في المستقبل المهني لزميل معين، او على علاقات الصداقة بين الزملاء.
وهذا لا يعني ان ننغلق على ذاتنا ولا نتحدث الى اي انسان، فأي عالم بارد سنعيشه لو فعلنا ذلك؟ ولكن قليلا من التفكير قد يصلح الامور وحين تتحدثين عن صديقة لصديقة اخرى عليك ان تفكري في الكيفية التي ستؤثر بها هذه المكاشفة في علاقتهما بعضهما ببعض.

حين تسقط الخطوط الحمراء

لا تثقي الا بالاطباء ورجال الدين حين تكشفين لهم عن مواطن ضعفك طلبا للاستشارة، فكثير من الناس يستمعون اليك بدافع الفضول وآخريات يسترجعن ما قصصت عليهن من سوء حظ لمجرد حسدهن لك.
اذا احتجت إلى المساعدة او التحدث عن امر شخصي فكري مرتين فمن الافضل ان تقصري هذه الاحاديث على اناس تثقين بهم ثقة مطلقة، وستكشفين ان عددهم قليل جدا او الى المختصين المقيدين بقسم يلزمهم بحفظ اسرارك.

ولكن يجب في النهاية ان تسألي نفسك عن الدافع وراء مكاشفة المدير مثلا بمشاكلك الشخصية، هل تفعلين ذلك حتى يتساهل معك؟ ام لانه يتمتع بهذه الموهبة الفطرية التي تجعل الآخرين يشعرون برغبة اوتوماتيكية تدفعهم الى مكاشفته بكل صغيرة وكبيرة تجري خارج العمل او في داخله؟

ولكن في الحالتين يجب ان تظلي مدركة للعواقب المحتملة لهذه المكاشفة.
واذا كنت تشاركين الأخريات اسرارك لمجرد التخلص من اعباء نفسية (الفضفضة) فأسألي نفسك: هل هذا التصرف مقبول من وجهة نظر من تفضفضين لها ام لا؟

ان الاحتفاظ بسرية الحياة الشخصية تجعلها ملكية نفيسة، اما التفريط فيها وعرضها على قارعة الطريق فهو بمنزلة تقديم المعرفة للآخرين بأشياء تمكنهم في المستقبل من ايذائنا بأسهل الطرق.

hoda3993@yahoo.com