الحوزة وخلفيات مقتل السيد مجيد الخوئى
وجدت هذا المقال فى موقع كتابات ، يطرح فيه خلفيات حادثة مقتل السيد عبدالمجيد الخوئى رحمه الله ....المقال جدير بالقراءة وتوجد فيه نقاط مهمة ، خصوصا بما يتعلق بإبتعاد أغلب رجال الدين الشعية عن الإهتمام بمشاكل رجل الشارع العادى وإكتفائهم بالجلوس للإفتاء والتدريس وتلقى الإحترامات .
__________________________________________________ _______
دلالات اغتيال الخوئيّ
لماذا أغتيل السيد عبد المجيد الخوئي؟
من قتله؟
والى من تتوجّه رسالة اغتياله؟
وما هي آثار الاغتيال على الملامح المستقبلية للحراك السياسيّ الشيعيّ في العراق؟
أحمد عبد الحسين
بالحادث المؤسف لاغتيال السيد عبد المجيد الخوئي نجل المرجع الشيعيّ الأشهر (ابي القاسم الخوئيّ) فان باب الصراع على حكم العراق بين الفصائل المتناحرة قد فتح وبقوة دموية لافتة.
كان من العسير على اي تغيير في حكم العراق ان يتم بشكل هادئ وسلس، نظراً لتأريخ السلطات العراقية التي تناوبت على مقدرات العراق بمزيد من الدم والعسف، فكان مشهد تغيير النظام يترافق دائماً مع مشهد (السحل) والتصفية، على ما قرأناه عن ثورة 14تموز، وانقلاب شباط الأسود عام 1963، ومثله انقلاب 30 تموز المشؤوم عام 1968.
وكان مقدراً للتغيير الحالي أن يتم بأقل قدر من الدموية نظراً لوجود القوات الأجنبية (الأميركية والبريطانية) في العراق الان، لكن هذه القوات نفسها أعلنت مراراً في اليومين الماضيين انها لن تتدخل في نزاعات تحدث بين فئات الشعب العراقيّ وان مهمتها (إضافة الى القضاء على النظام) هي حفظ البنى التحتية للعراق، وهو الأمر الذي يفسر إغتيال أعداد كبيرة من البعثيين في مدينة الثورة أمس واليوم، دون تدخل من جانب هذه القوات، كما انه يسلط الضوء على النداءات المتكررة للدكتو أحمد الجلبي بضرورة تدخل القوات الأميركية للسيطرة على الأوضاع هناك، واستعجاله وصول (غارنر) الحاكم العسكري ّ للعراق.
قبل شهر واحد فقط لم يكن السيد مجيد الخوئيّ كثير الاهتمام بالشأن العراقيّ، فالمعروف انه يحمل جنسيتين ليس من بينهما العراقية (هو بريطاني ايراني)، بل انه لم يعرف عنه الاهتمام بالشأن السياسي أصلاً، وهو على شاكلة كل أتباع المدرسة الخوئية والتي أسسها والده الراحل، لا يتعاطون الهمّ السياسيّ الا نادراً وبفوقية لا تسمح لهم بالانغماس بهذا الهمّ والنزول الى الشارع، على ما فاجأ به عبد المجيد الخوئي الجميع حين قرر الذهاب مع القوات الأميركية الى النجف لاقناع أهاليها بدعم جملة (تحرير العراق).
وفي الحقيقة فان هذه المهمة التي تصدى لها الخوئيّ كانت سبقتها محاولة فرض اسمه في اجتماع لندن للمعارضة العراقية، الأمر الذي جوبه برفض شديد من قبل السيد الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية والذي كان الفصيل الأقوى قبل العمليات العسكرية حين كان مرضياً عنه أميركياً.
ثم تلت محاولته تلك سفره الى ايران لمقابلة المسؤولين هناك وتكرار المحاولة مع السيد الحكيم، ويبدو ان الفشل في اقناعه بدور مستقبلي كان حليفه هذه المرة أيضاً فلم يكن أمام الخوئيّ الا المبادرة بوضع الجميع أمام أمر واقع، وهو ايجاد موطأ قدم له على الأرض العراقية التي أصبحت رخوة بفضل الزلزال الأميركي، فانتهز الفرصة ليحط رحاله في النجف الأشرف وهي المدينة التي قدّر أن ينطلق منها في نشاطه الساعي الى طرح اسمه كشخصية لها دور كبير في صياغة ورسم مستقبل العراق خاصة وانها (أي النجف) عرين أبيه المرجع الراحل، ومهوى أفئدة مقلديه وقبلة الخوئيين كلهم في كل بلاد الإسلام.
والسيد عبد المجيد الذي غادر العراق قبل سطوع نجم المرجع آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر، عاد مع دبابات الأميركان وفي خاطره انه سيجد الأرض كما تركها والناس كما عهدهم، وهي ذات الرؤية التي يتسالم عليها كل المراجع وأبناؤهم، رؤية تتمثل في اليقين من ان الناس (العوام) ينظرون الى العمامة السوداء نظرتهم الى هالة قدسية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ومدفوعاً بالمثل الحوزوي الإيرانيّ الذي يتداوله المراجع (فرزند مرجع نيم مرجع) اي ابن المرجع نصف مرجع حتى ولو لم يتم تحصيله الحوزويّ، ناهيك عن مقدرته المالية التي أورثها اياه أبوه رحمه الله والتي هي موضع تساؤل بين أوساط الشيعة كافة، اذ لا يعقل أن تنتقل أموال المسلمين الى ابن المرجع بعد وفاته تلقائياً.
غير ان الخوئيّ لا بدّ وان يكون قد فوجئ قبل اغتياله بما رآه، فلم يرَ العوام يتحلقون من حوله مقبلين يديه كما كان دأبهم، ولم يشاهد الناس الذين كانوا يقلدون أباه والذين يحب المراجع الايرانيون تسميتهم بالمعدان، بل وجد هوة شاسعة من عدم الثقة (لئلا أقول من الاحتقار) تفصل بين رجل الدين التقليديّ وهؤلاء المعدان الذين (فتّحوا عيونهم) على حد تعبير أحد رجال الدين الايرانيين مؤخراً.
صار الناس ( المعدان) يبادلون المعمم احتقاره التقليديّ لهم، وهو درس علمهم إياه السيد محمد صادق الصدر الذي حطم أصناماً كثيرة قبل مقتله الغامض والذي سنشير الى ملابساته عما قليل.
كان الشهيد محمد الصدر قد استطاع في فترة قصيرة، اكتساح الحوزة العلمية في النجف، وكسب الشارع الشيعي بكامله، نظراُ لجرأته ووضوح طرحه وانغماسه في شؤون الناس اليومية، فاستطاع بذلك ان يعطي صورة مغايرة لرجل الدين الشيعي، تهدمت بعدها أسطورة الرجل المعمم الغامض الذي يرطن بما لا يفقهه المعدان من اصطلاحات فقهية وأصولية ( وغالباً ما يكون ذلك بالفارسية، فالمعروف ان أبا القاسم الخوئيّ رحمه الله، لم يكن يتكلم العربية في مجالسه، والسيستاني كذلك أيضاً) ، لتحلّ محلها صورة المرجع العربي العراقيّ الذي يتكلم بالعامية العراقية أحياناً وبشكل واضح لا اصطلاحات فيه، والأهم من كل ذلك ان الصدر قد كسر التقليد العرفيّ القائل بتقديس العالم وابداء فروض الطاعة العمياء له ( كتقبيل اليد ) فقد كان الصدر يشترط على من يريد تقبيل يده أن يبادله هو ذلك أيضاً أي أن يقبّل الصدر يد العاميّ، وقد أثمرت دروسه تلك سريعاً لتنتج جيلاً شيعياً لا أوهام لديه، جيلاً كله من العرب، وأغلبهم من المناطق الفقيرة في العاصمة بغداد ومن الجنوب العراقيّ المهمش، انخرط جميع أبنائه في الدراسة الحوزوية التي كانت حكراً على الايرانيين والباكستانيين والأفغان، لإبعاد العرب عن تزعّم الحوزة، ذلك ما جعل البعض يسمي الصدر الشهيد بـ( مرجع المعدان).
تابع الجزء الثانى