-
توفيق الهندال - الراي
رحيل سيد الحوار وداعية المستقبل
بكل هدوء ووداعة رحل عن حياتنا العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله بداية الأسبوع الماضي، وقد ترك في أذهاننا إرثاً فكرياً أكثر مما ترك من كتب ومراجع وخطب، فالأفكار التي نطق بها السيد الراحل أقل بكثير مما صمت عنه، وهنا جوهر الفصاحة عنده رحمه الله.
بدأت علاقتي بالسيد الراحل مع كتابه «الزهراء القدوة» وما تضمنه من تعريف وتقديم فكري يليق بمكانة ودور سيدة نساء العالمين في نشر الرسالة المحمدية عليها وعلى أبيها وزوجها وبنيها أفضل الصلاة والسلام. ليستمر التلاقي مع سماحته في العديد من الخطب والحوارات والكتب التي تحترم فيها احترامه لعقلية المتلقي وإثارته الدائمة للتفكير حول الكثير من القضايا المتعلقة بالدين والدنيا.
السيد الراحل عرف عنه تسامحه مع الجميع بمن فيهم منتقدوه ومهاجموه، وتواضعه مع البسطاء من الناس، وترفعه عن صغائر الظنون. فكان ملاذاً لكل اللبنانيين، حيث تذوب كل الطوائف عند حضرته، فكان عنوان الوحدة الوطنية، في مثال نادر جداً لمرجعية روحية ووطنية فريدة. محذراً رحمه الله من عوامل تمزيق الأمة الواحدة بسبب هوس الطائفية البغيضة بكل أقنعتها القديمة والجديدة.
منطلقاً في دعوته للحوار من أرضية الإسلام العظيم «للحوار في الإسلام معنى الإيمان في حركيته في انتماء الذات، فلا إيمان، في عمق الفكر وامتداده، من دون حوار، حتّى كأنّ الإسلام كله حركة حوار».
وهو ذاته، الحوار، وسيلة مثلى وفضلى للتعايش السلمي مع بقية الأديان، مع انفتاح الدين على الآخر، على اعتبار أن «الدَّين حالة روحيّة لا تبتعد عن الانفتاح الفكري يحقِّق للإنسانيّة، في حركتها الدِّينية الثقافية، الكثير من الغنى والعمق والحركيّة والشموليّة في حركة الاجتهاد المتحرّك أبداً في اتّجاه دراسة ما عند الإنسان المنتمي، وما عند الإنسان الآخر مما قد يكشف لنا الخطأ في بعض ما نفكر به أو ما نتحرَّك فيه أو ما ننتمي إليه». والسيد الراحل هنا لا يشير إلى انفتاح الدين على الآخر فقط، كذلك الآخر عليه الانفتاح على الدين، إذا ما أردنا اسقاط استغلال الدين من حسبة طرفي الصراع المتطرف، وأعني الطرف الديني والآخر غير الديني.
برحيل السيد فضل الله، يفقد العالم شخصية مستنيرة واقعية تؤمن بالمستقبل أكثر من غيره، وأن معالجة هموم الحاضر لا تتم بإثارة نعرات الماضي، بل بتحريك سواكن العقل وفتح مغالقه، مستلهمين من السابقين انجازهم الفكري في سبيل رقي الإنسان وتحرره من عبودية المادية المنغلقة دون روحيته الحية.
من هنا، كانت وصية السيد الراحل التي يدعونا فيها لأن يعيـش الجميـع في نطاق الآتي الجميل، الذي يتطلب أن نكون فيه متفائلين. وحتى نكون كذلك، لنكن قبلها مستقبليين ومؤمنين. رحم الله السيد الراحل وجزاه عنا وعن الإنسانية كل خير. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فهد توفيق الهندال
إعلامي وناقد كويتي
Kwt1972@gmail.com
-
فقدنا رجلاً عاقلاً
ناصر الظفيري - الجريده
http://www.aljarida.com/AlJarida/Res..._191_small.jpg
nalzafiri@hotmail.com
يتناوب على خطبة الجمعة في مسجد السلام في أوتاوا ثلاثة خطباء ويمتاز أحد هؤلاء الثلاثة بصوت عقلاني جميل ويتحدث لغة انكليزية جيدة جدا تؤهله للتعبير السليم عن جماليات الدين. يهتم الرجل بالحديث عن هوية الشاب المسلم في بلد الغربة وفي كل مرة أرى المسجد يزدحم بالشباب المسلم من مختلف الجنسيات. كان يبتعد عن التحريم ويحرص على حث الشباب ليكونوا نماذج طيبة يعجب بها الشاب الغربي وغير المسلم.
ولأن الحديث الديني المعاصر حمال أوجه كان يختار المقال المناسب للمقام فيبتعد كثيرا عن التحريم والاجازة.
ولكنه فجأة انقلب على مستمعيه وقدم لهم وجبة من المحرمات تجعل الحياة في كندا مستحيلة لأي أسرة مسلمة. المنازل وعقودها الربوية حرام، المدارس الكندية حرام، المطاعم التي تقدم الخمور، وان لم تشرب الخمر فيها، حرام، الشواطئ والمتنزهات حرام، التلفزيون في البيت حرام.
وبدأ الجميع يتململ ويهمهم والعيون تنظر الى بعضها. لم نعرف كيف يعيش الرجل بيننا وكل ما يحيط به حرام عليه. بعد الخطبة توجه مجموعة من الأخوة العرب الى ادارة المسجد لفهم أسباب هذه الخطبة المنفرة وأنها تصدر من رجل كان متزنا في خطابه السابق. الاجابة التي تلقوها كانت كافية بأن ينسحبوا بهدوء من الحوار. هذه هي الخطبة الأخيرة للرجل الذي قرر أن يغادر الى بلد عربي غير بلده العربي الأم. هكذا فجأة يتغير صوت العقل بمجرد تغير الظرف لصاحب الصوت.
في أيامي الأولى في كندا التقيت مجموعة من الأخوة الشيعة في أحد المجالس وكانوا يناقشون حادثة كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء وحرق منزلها واسقاط جنينها. وكنت أعرف أن الحديث موجه لي لأنني أنتمي الى مذهب مختلف. لم أتحدث حتى صمتوا وكأنهم يريدون ردي.
كانت الاجابة سهلة ولا تحتاج الى عبقرية. سألتهم ان كان يعرفون صاحب بيت السيدة فاطمة. فقالوا نعم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجه.
علي ابن أبي طالب هو الرجل الذي انبرى في غزوة الخندق ليواجه أعتى فرسان عصره عمرو بن ود العامري الذي وقف يصيح بالمسلمين 'لقد بح صوتي أليس بينكم رجل يواجهني؟' فينهض علي ويجلسه الرسول علية الصلاة والسلام قائلا 'انه عمرو' فيقول وأنا علي. وفي الثالثة أذن له عليه السلام وهو يقول 'لقد خرج الايمان كله الى الكفر كله' فيقتل علي صن
ديدا من صناديد العرب. علي بن أبي طالب الذي رفع راية المسلمين يوم خيبر ويقتل 'مرحب' أحد صناديد اليهود ويقتلع باب خيبر. هل تعرفون رجلا بهذه الشجاعة كلها يطرق بابه فيطلب من امرأته أن تفتح الباب وهو منزو خائف. قالوا إن تلك اطروحة السيد فضل الله ونحن لا نأخذ بها. لم أكن يومها أعرف أطروحات السيد فضل الله ولم أكن قرأت له شيئا.
الجالية في أتاوا، سنة وشيعة، تصوم رمضان بمواقيت مختلفة وتفطر العيد بأوقات مختلفة. تعتمد أغلب الجاليات على مواقيت بلدانها الأصلية وتختلف هذه المواقيت بين أصحاب المذهب الواحد كما تختلف بين أصحاب المذاهب المختلفة. قررنا أن نجتمع لنتوحد على الأقل في مواعيد الصوم والعيد. واقترحت أن نعتمد التوقيت الكندي.
ففي مطلع كل شهر عربي تعلن الأرصاد الكندية مولد الهلال وهو اعتماد دقيق يعتمد الفلك ولا علاقة للأرصاد الكندية بصومنا أو عيدنا. ويوافق مجموعة من الشباب الا أن البقية ترفض بحجة أن تلك أطروحة السيد فضل الله! ومرة أخرى لا أعرف أن تلك أطروحة السيد فضل الله.
رحم الله السيد فضل الله الذي لا أعرفه ولم ألتقه ولم أقرأ أطروحاته ولكنه بالتأكيد كان يمتلك عقلا جميلا غاب في وقت نحن في حاجة فيه الى عقل فقط.