أبطحي.. وبن جبر.. وقذاف الدم..

د. نجم عبد الكريم


ثلاثة نماذج فاقدة للمصداقية..!


عبر نشاطات اعلامية، ومساهمات فكرية وأدبية وسياسية، تمتدعلى مساحات كبيرة من العالم منذ سنوات، كان لا بد لي من أن التقي بالعديد من الشخصيات التي تساهم في صنع الأ حداث.. وكثيراً ماتكون تلك القاءات ضمن أطر عامة، كالمؤتمرات والمنتديات، والمهرجانات، وما شابه ذلك.. واقتناص فرص التحاور مع بعض تلك الشخصيات، أو الحديث معها، يأخذ أشكالا متعددة.. فمرة يكون الحوار في إجتماعات عامة، أو في بهوات الفنادق، وأخرى يكون في جلسات خاصة. وسأختار لقراء إيلاف - اليوم - ثلاثة نماذج من الشخصيات التي تيسر لي التحاور معها في أماكن مختلفة، وفي ظروف مختلفة أيضا، وبايجاز:

حمد بن جاسم - وزيرخارجية قطر - الذي صار معتادا على مواجهة المواقف المحرجة دون وجل، لدرجة أنة تلقى سؤالا عبر التلفاز من أحد المتصلين يقول له فيه: فيما إ ذا كان ينتمي الى الشاذين جنسيا؟ فأجابه بالنفي بكل رباطة جأش.

هذا النمط من المسؤلين الكبار المعاصرين من الشخصيات المثيرة للجدل القي محاضرة في أحد مراكز الأبحاث الاستراتيجية حول الأمن في دول مجلس التعاون الخليجي وكان يقرأ من ورقة، وكل الدلائل تشير أنه لم يطلع عليها قبل لحظات قراءتها، وبالتالي، فإنه لم يكتب منها حرفا واحدا، ويتضح هذا من فداحة الأخطاء التي كان يرتكبها.. فالاسلام (المُسّيس) صارت عنده الاسلام (المِسيس)، و الحركات الاسلامية (الُمسَّيسة) صارت عنده الحركات الاسلامية (المِسيسة)!

ناهيك عن اخطاء أخرى كان البعض منها يعطي مفهوما هو عكس ماكان يريد إيضاحه..!! وانتهت المحاضرة بعد مشقة واضحة بينه وبين النص المكتوب له، إذا كان يقرأ بسرعة متناهية، وحافلة بالأخطاء..

ولما سالته عن سبب تلك السرعة.. تحجج بأنه كان يحرص على الالتزام بالوقت المحدد.. مع أنه كان اول المتحدثين في الندوة.. اما محتوى ما جاء في محاضرته، فهو لم يلمس طبيعة الاحداث الساخنة التي تجرى في المنطقة من قريب أو بعيد.. فلم يشر الى الارهاب الذي توسع في نشاطه في المنطقة ولم يأت على ذكر القواعد العسكرية الأمريكية التي اتخذت لها أكبر قاعدة في منطقة العديد في قطر، كما لم يشر الى حجم العلاقات الاسرائيلية القطرية.. وعندما قال: " أن منطقتنا صدرت للبشرية الاسلام والنفط " فعلق أحد الحظور بصوت عال قائلا: "والارهاب أيضا يا معالي الوزير" . ونظرا لعدم اشتمال محاضرته على ما يثير الاهتمام أو يثير قضايا للنقاش، وصفت محاضرته تلك أمام الجميع بأنها باهته.. وقلت له: ان ماقلته في محاضرتك، أقرب مايكون الى بيان صادر عن مدراء البريد في دول المجلس التعاون منذ خمس عشرة سنة.

ومعظم اجابات بن جبرعلى التساؤلات كانت تطفح عليها ملامح هشاشة التبرير..!! فالقواعد الأمريكية، وجدت في قطر بسبب إحتلال صدام للكويت، ومحطة الجزيرة لا علاقة له بها، وانها كثيرا ً ماتسبب له الاحراج.. وقد كرر مثل هذا الكلام حول الجزيرة في اكثر من محفل!! وهو كذب بالطبع. وكان من الممكن أن ينتهي هذا الحدث بانتهاء محاضرة بن جبرالذي سارع من صالة الاجتماعات متجها الى المطار لاستقبال يوسى بيلين، وهو وزير إسرائيلي..

لكن في اليوم التالي ظهرت بعض الصحف القطرية وهي تكيل السباب والشتائم لذلك (المشرد) الذي تجرأ، ووصف محاضرة الوزير القطري ب(الكلام الباهت) وتحرض البلد المستضيف لتلك الندوة بألايدعو مثل هذا الكويتب وأشكاله مستقبلاً لمثل هذه الندوات.. لكن البلد المضيف لم يمنع دخولى، وانما اكتفى بمقالة نشرتها في كبرى جرائدها بقلم اسم مستعار (طارق سيف)، وكما تدعى الصحيفة أنه استاذ جامعي، فأمطرني بوابل من السباب والشتائم المغلفة بغباء وتذاكي.. ليس لأن البلد المضيف له موقف سبلى مما قلت في تلك المحاضرة.. لكنهم يريدون مجاملة بن جبر كي يبرأوا ذمتهم من دعوتي، مع أنني أعرف تمام المعرفة، انهم لا يكنون له احتراما، بل العكس هو الصحيح..!!

أما النموذج الثاني ممن التقيتهم - فهو يختلف عن النموذجين الذين تناولتهما في هذا المقال فهما كثيراً ما يظهران عبر وسائط الاعلام المختلفة، أما هو فلا يظهر الا نادرا بحكم طبيعة عمله (التكتمية)..!!
فـ أحمد قذاف الدم - رجل المهمات السرية في ليبيا - التقيته في احدى العواصم العربية التي جاء لزيارتها لبضع ساعات كما قال.

وعندما طرحت أمامه مايعتلج بصدري من هموم، لما يجرى في ليبيا من تغيرات دراماتيكية!! وعن حجم تعويضات الطائرات الأمريكية والفرنسية، وكذلك تعويضات انفجار النادي الليلي في المانيا، واهدار تلك المليارات من الدولارات التي كان من الأولى أن تصرف على تنمية وتطوير الشعب الليبي.. ثم تحدثت معه عما تتناقله وكالات الأنباء عن سلوكيات أولاد معمر القذافي، وتصرفاتهم التي لا تمت الى الثورية التي يدعيها والدهم.. ناهيله عن حرمان الانسان الليبي من أبسط حقوقه السياسية؟!

كان أحمد قذاف الدم - ابن عم العقيد القذافي - يستمع لي بكل هدوء ورباطة جأش!! إلي و ما أن أنهيت كلامي، واذا بقذاف الدم يقذف حمما متأججة بصدره، صابا جام غضبه على ما أسماه بالخيانات العربية!!.. وكيف أن ليبيا كانت الاكثر اخلاصًا، والاكثر صدقا، والاكثر تضحية، من أجل هؤلاء العرب..- قال كلمة العرب باحتقار واشمئزاز - ولكنهم قابلوا كل ذلك بالاجحاف، والنكران..!! يبدو أن لدى قذاف الدم كليشيهات، ومفردات معلبة، يبرربها كل ما أقدمت عليه ليبيا في سياساتها الماضية، بل والمستقبلية.

الأبطحي - كان - مساعدا للرئيس الجمهورية الايرانية كان يقرأ ورقات في أحدى المنتديات، مكونة من سبع صفحات، وردت فيها كلمة (الخليج الفارسي) (36) مرة، مع انه كان يتكلم في أحدى عواصم دول مجلس التعاون!!.. فتوجهت اليه بعدد من الاسئلة منها:

- انكم لم تقولوا الجمهورية الاسلامية الفارسية، لا عتقادكم ان كلمة فارس مرتبطة بالحكم المجوسي.. واستخدمتم المسمى الايراني لجمهوريتكم، مع أنه مسمى حديث؟! فلماذا الاصرار على اسم الخليج الفارسي، في حين أنكم تحرمونه..؟!

- قمتم بالغاء معظم القرارات والسياسات والاجراءات التي كانت سائدة أيام حكم الشاه، ولكنكم أبقيتم على قرار الشاه القاضي باحتلال ثلاث جزر عربية؟!
- لازلتم تفرضون اللغة الفارسية على أبناء عربستان في المدارس مع أنه بموجب مواثيق حقوق الانسان، يحق لهم كعرب أن يستخدموا لغتهم..؟!

- تعلمون أن هناك سبع دول عربية تقيم على ضفاف الخليج العربي، وقد اقترح الامام الخميني أن يسمى الخليج الاسلامي، لكنكم تجاهلتم ذلك، مع أنكم كما قلت سابقا ترون أن كلمة (فارسية)مرتبطة بالديانة المجوسية أو الماناوية الزرداشتية التي اندحرت باندحار (يزدجرد)بعد أن أشرق نور الاسلام في ربوع بلادكم..؟!

- أرجوك ياسيد أبطحي أن تكون صادقا في اعطائنا فكرة واضحة عن وضع المواطنين السنه وكيف يعيشون في إيران؟!

- فكانت اجابات المسئول الايراني:

- " اننا هنا في منتدى ثقافي ولسنا أمام محكمة سياسية، وفيما يتعلق بالجزر، فنحن والامارات في تواصل حول هذا الموضوع، والعلاقات بيننا على مايرام.. ومواطنو خوزستان - يقصد عربستان هم مواطنون ايرانيون، أما بشأن كلمة الخليج الفارسي، فنحن لا نستطيع أن نغير خرائط العالم كله لنأتى له باسم جديد.. والسنة في ايران لا فرق بينهم وبين الشيعة. "

- هذه النماذج التي أشرت اليها بهذا الاقتضاب الوجيز، والذي أخضعته لكثير من التشذيب والتخفيف، بسبب الاتزام بمقولة (ليس كل مايعرف.. يقال!!) يدفع بى للعودة لقراء (ايلاف) مرات.. ومرات لنتناول العشرات، بل المئات من هذه النماذج.