أثقل مزحة شهدتها في حياتي !

على رغم أنه عادة صحية ممدوحة .....المزاح في العمل يحببنا إلى البعض وينفرنا من آخرين!

كتب محمد النغيمش:

أثقل مزحة شهدتها في حياتي كانت عندما سكب شبان سطلا من الماء البارد على رأس صديقهم الغافل أثناء جلوسه على ظهر مركب كان يقف في عرض البحر. رأيت كيف فزع هذا الشاب المسكين من شدة برودة الماء المأخوذ من بقايا صندوق للثلج، فتحولت هذه المزحة الى مشادة كلامية حادة قلبت رحلة الاستجمام البحرية الى يوم كئيب.


المزاح مطلوب في حياتنا وهو ـ في بعض الأحيان ـ كالملح في الطعام، ولكنه سلاح ذو حدين. فالبعض يتسرع باللجوء اليه في «أول لقاء» يجمعه مع زميل جديد كأن يلقي عليه نكتة «بايخة»، كما يقال أو «يستخف دمه» طويلا بقصد الاضحاك فيمله هذا الزميل وربما يسقط من عينه. فيصدق فيه مقولة عمر بن الخطاب: أرى الرجل فيعجبني فاذا تكلم سقط من عيني! وكم من مرة مازحنا أناسا بقصد التقرب منهم، فأفضت محاولاتنا الى نفور من كنا نمازحه.

يصعب تخيل بيئة عمل من دون قفشات مزاح تروح عن النفس وتخفف من وطأة ساعات العمل الجدية. فالناس مفطورون على حب المزاح، ومهما كانت بيئة العمل جدية فانهم يختلقون المواقف وينتقون الحكايات المؤنسة. والجنود أفضل مثال على ان فطرة المزاح تلاحق الانسان، وان كان في أكثر الأماكن رسمية أو جدية. أخبرني أصدقاء عن قصص دراستهم في الأكاديميات العسكرية فقالوا «الضحك يتضاعف لدينا ولا نستطيع كتمانه، خاصة اذا منعنا منه» ويضيفون «كم من مرة سجنا فيها اياما طويلة بسبب مقالب وقفشات الزملاء في ساحة الميدان التدريبية».

والمزاح ـ بشكل عام ـ أمر صحي، وهو ما أكدته دراسة للدكتور لي بيرك استاذ الطب البديل في جامعة كاليفورنيا، حيث بينت ان «المزاح يقلل من الضغوطات النفسية.. ويخفض ضغط الدم ويجعلنا نفكر بطريقة أكثر وضوحا»، على حد قول الباحث. ويضيف د.بيرك المتخصص في دراسة الدعابة والمزاح والضحك ان المزاح أو الدعابة «تخفض هرمونات الضغوطات النفسية وترفع نظام المناعة في الجسم»، مضيفا ان ذلك من شأنه «الحد من التأثيرات السلبية في بيئة العمل».

وعلى رغم مميزات المزاح، غير انه قد ينقلب على صاحبه سلبا اذا كان في وقت غير مناسب. فهناك من يحاول ممازحة مسؤول كبير في العمل كرئيس مجلس ادارة أو وزير أو وكيل أو ربما مسؤولة مباشرة، فيخونه التعبير أو يزل لسانه بكلمة لا تليق بهم فيحرج نفسه ومن كان يمازح.

وليس «كل الناس» تصلح ممازحتهم كما يعتقد البعض، فممازحة السفهاء تجرئهم علينا. ومن الناس من يحب «المزاح المعتدل» الذي لا يتعرض لشخصه ولا لزملائه ـ خصوصا الغائبين ـ لما في ذلك من غيبة محرمة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. اما الذين لا يبالون بثقل أو خفة نوع الممازحة فيجب الحذر منهم لأنهم قد يلقون علينا مزحة ثقيلة محرجة في وقت غير مناسب كاجتماع مهم أو حفل رسمي يحضره كبار المسؤولين في العمل، وما شابه ذلك.

كما ان «الافراط» في المزاح مع الموظفين يذهب الهيبة والبهاء. وربما يدفعهم الى معاملتنا بالمثل! والافراط الشديد في المزاح يجعلنا مهرجين وقبلة يحج اليها السفهاء والمتفرجون. وهذا الافراط المذموم قد يوتر علاقاتنا مع أصدقائنا وأحبائنا فكم من مزحة تحولت الى معركة كلامية تقاذف فيها الناس بالشتائم، وربما كل صنوف الأذى اللفظي المكروه.

والاختيار الحكيم للكلمات يعد عنصرا مهما يخدم المزحة، فاختيار الكلمات البذيئة أو القصص المبتذلة التي لا تليق ان يسمعها رجال ونساء في العمل، هو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الحد الأدنى من الاحترام، ولتكون المزحة مقبولة من جميع أنواع الزملاء لا بد ان تتجنب التجريح بالحاضرين. فهناك أناس ـ للأسف ـ يتخصصون في البحث عن ضحايا لمزحهم من بين المستمعين للتعليق عليهم والتندر بهم فيصبحون أضحوكة أمام الآخرين. هذا الاسلوب وان اضحك البعض وقبله «الضحية» الا انه يحط من قدر صاحبه، ويفقده رزانته ووقاره.

المزاح كلام لطيف يراد به المباسطة، ولا يقصد به الأذى، واذا تعدى ذلك صار سخرية، والافراط في ممازحة الآخرين مذموم، فقديما قالوا «من كثر مزاحه زالت هيبته ومن كثر خلافه طابت غيبته».


الألمان لا يحبون المزاح في العمل!

توصل الكاتب الألماني الشهير توماس هولتبيرند في دراسة له بعنوان«قيادة تتمتع بروح الدعابة» الى ان «الألمان لا يحبون المزاح في العمل، بل ويعتبرونه من المحرمات، وذلك لأنه يكشف عن قلة انضباط». وقال ان الألمان ينظرون الى الرغبة في الضحك على انها «صفة سلبية» معللا ذلك بالانضباط الذي زرع في الألمان على مر التاريخ بسبب حكامهم وتجاربهم المختلفة.


mohammed@Nughaimish.com