أمنيات العام الجديد مقال للدكتور علي صفا

الدكتورعلي صفا

في ليلة شتائية، قارصة في بردها، وبينما كنت أتجول في زقاق ضيق من أزقة بغداد التي يلفها الظلام الدامس بفعل انقطاع الكهرباء والخالية من المارة خوفاً من التفجيرات عثرت على مصباح قديم متهالك ترائ لي ومنذ الوهلة الأولى انه مصباح علاء الدين السحري.. مسكته وحركته ثم فركته وإذا بي أرى مارداً كبيراً ملئ الزقاق في حجمه.. هلعت.. وسقط قلبي بين قدمي خوفاً.. إلا إن المارد هدئ من روعي قائلا:

اطلب ما تشاء بمناسبة العام الجديد، فما تتمنى وتطلب مجاب:

فقلت:

بمناسبة العام الجديد:

- أتمنى أن أرى أطفال العراق وقد عادت إليهم بسمتهم وفرحتهم المخطوفة منذ عشرات السنين..

- أتمنى أن أرى بلدي وقد اخضرت كل أراضيه وعادت كل مصانعه إلى العمل وعادت إليه نعمة الكهرباء ولا توجد فيه بطالة ولا اضطهاد ولا استعباد ولا ذابح ومذبوح..

- أتمنى أن أرى شيعة العراق وقد بدءوا يفكرون بعقولهم بدلا من أن تحركهم عواطفهم وان يكونوا واعين لما يرسم لهم من مؤامرات، امتدت من بداية تاريخ العراق مروراً بالهدام صدام وانتهاء بالفترة الحالية، الهدف منها محاولة عزلهم عن عمقهم الجغرافي والتاريخي وعليهم أن يجعلوا كل من يسعى لذلك عدواً لهم يجب أن ينبذوه كائناً من كان وعليهم أن يتنبهوا كيف تم ويتم تعميق ربط سنة العراق بعمقهم الجغرافي والتاريخي..

- أتمنى أن أبيت وأصبح ولا أرى وجوهاً مكفهرةً صفراء كالحة كالشعلان والنقيب والزرفي..

- أتمنى أن أرى محاكمة عادلة نزيهة لهدام وأعوانه وكل العملاء ممن ساعدوا أمريكا على امتطاء صهوة النفط في المنطقة والعالم وعلى تفننه في إبادة شعبي وتدمير ممتلكاته..

- أتمنى أن تُكشف حقيقة الزرقاوي ومدى ارتباطه بأمريكا وكيف أن العراق والعراقيين ضحية مؤامرة ضخمة يشترك، هو وأسياده والحكام في المنطقة وكل الحاقدين، في رسمها وحياكة خيوطها..

- أتمنى أن أرى العراق وقد نُظف من البعثيين والسلفيين ومن هم في خدمة المحتل الذين يسعون جميعا لتثبيت الوجود الأمريكي في العراق الحبيب..

- أتمنى أن أرى العراقيين ناضجين عميقين لا سطحيين في تفكيرهم ولا ينخدعون بسهولة بكل عمامة يرونها وليعلموا إن المرء إذا اطّلع على أفعال وأقوال البعض من المعممين لولى فراراً ولملئ رعباً فليست كل عمامة عادلة وحريصة على الدين وعلى العراق وشعبه..

- أتمنى أن أبحث في كل العراق فلا أجد رجلاً معمما وقد باع دينه وخان عمامته وأصبح مطية لكل من هب ودب من رجال مخابرات الدول المجاورة او مخابرات أمريكا..

- أتمنى أن تُبعث الروح من جديد في السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد محمد صادق الصدر فأضع رأسي بين قدميهما وأبكي بدل الدموع دماً على العراق وعلى المبادئ التي ربيانا عليها وكيف حاول ويحاول الكثيرون، ممن يدعون إنهم من تلامذتهما، القفز عليها وتجاوزها.. أقول لهما إن مبادئكما تداس، هذه الأيام، في العراق وباسم الدين والعراق..

- أتمنى أن أرى مرجعاً يعيش الرسول وعلي والحسين (ع) في مواقفه وسلوكياته وشجاعته وان يكون حريصا على العراق ولا يسعى، من حيث يشعر (او لا يشعر!!!)، على ترسيخ الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة وان يعتبر كل أبناء العراق أبناءه ولا يفضل أبناء جلدته عليهم كما فعل الرسول الأكرم مع سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي...

- أتمنى أن أرى السيستاني (وغيره من المراجع) وقد نزل إلى الناس وخطب فيهم وتقدمهم بروحه وجسده ودافع عنهم وسعى إلى نيل حقوقهم، فهو بلا أدنى شك ليس بأفضل علماً ولا منزلةً من الشيرازي قائد ثورة العشرين ولا من الشهيدين الصدرين الذين عاشوا هموم الناس واقتسموا معهم الحلو والمر..

- أتمنى أن أجد غاندي حقيقي بنمط عراقي يقدم نفسه فوق الطائفية والعنصرية وفوق الفردية والمصالح الشخصية يجمع العراقيين ويوحدهم ولا يسعى إلى تفرقتهم..

- أتمنى زوال النظرة الاستعلائية والاحتقار غير المبرر والإقصاء غير الموضوعي والمنافسة غير النزيهة لسياسي علب السردين القادمين، مع المحتل، من الخارج، إلى المساكين المضطهدين المعذبين من أبناء العراق في الداخل والسعي إلى محاولة تهميشهم بشكل أناني وغير معقول..



- أتمنى أن أفيق من نومي صباحا ولا اسمع في الأخبار مقتل عراقيين أبرياء من أبناء العراق سواء من الحرس او الشرطة او المواطنين العاديين..

- أتمنى...

- أتمنى.. وأتمنى..

فجأة...

سقطت من السرير بفعل انفجار كبير هز منطقتنا صباحاً..

علمت أن أمنياتي كانت مجرد أحلام.. بل أوهام في أوهام..

سقط في الانفجار 14 طفل من أطفال العراق..

قال الأمريكان عن الانفجار انه استهدف العملية الديمقراطية والانتخابات في العراق..

وقال عنه الملعون الزرقاوي انه استهدف قافلة أمريكية وسط بغداد...

وقالت قناة الجزيرة انه انفجار هز وسط وجنوب العراق وسُمع دويه في المغرب العربي وربما وصل إلى جزيرة سومطرة!!..

اللهم ارحم أطفال العراق...



Alisafa1993@hotmail.com