الأمازيغي
03-05-2006, 07:48 PM
سحر وشعوذة في قطار وهران الجزائر
أعوان الدرك يباشرون المهمّة بشكل طبيعي، وفي أول ''المشوار'' يتم القبض على شابين تبدو عليهما ملامح القلق· يتم تفتيش حقائبهما ليتمّ العثور بها على ملابس وأحذية وأقمشة كانت موجّهة للبيع بسوق الحراش· لدى مواجهتهما بالأسئلة اعترف الشابان أنهما يمارسان هذه التجارة منذ سنوات، وهي ''خبزتهما'' الوحيدة على حد تعبيرهما·· ما لفت انتباه الدركيين أن أحدهما كان يضع خاتما حديديا موجّها أساسا للاعتداء والضرب لإحداث تشوّهات بخصومه، لكن الشاب، مع ذلك، يُصرّ على ''أنه لم يعتد يوما على أحد ولم يدخل يوما السجن''·· ولسوء حظّه وحظّ صديقه فإن البضاعة، وهي 55 زوج حذاء و15 سروال جينز وخمسة أقمشة من نوع لاكوست وغيرها، قد تم حجزها ضمن إطار ''مكافحة التهريب''·
النتيجة المحصّل عليها بدت غير مقنعة وغير مشجّعة رغم أن العملية لا تزال في بداياتها، واستمرت لتُلقي القبض على طول العربات التسعة على عدد من المسافرين ممّن كانوا بغير وثائق هوية·· هذه أيضا لم تكن لتشفع للوحدة القادمة من العاصمة، وكاد اليأس من ''خروج'' المهمة ''صفر اليدين'' يهيمن، لولا أن الأمل لاح من بعيد·· كهلٌ في الستينيات من عمره بدأ بالصراخ بمجرد أن لامسه أحد المسافرين، محدثا فوضى استاء لها المسافرون· في تلك الأثناء كان شاب في العشرين من عمره طيلة الرحلة من وهران إلى مدينة يلل بغليزان يسير جيئة وذهابا كأنما يحاول التخفّي عن أعين الرقابة ·· أوقفه دركي واستفسره عن سر تحركاته فادّعى، وقد بدا متوترا، أنه جاء إلى ''مطعم'' القطار لاقتناء الماء لقريبه الكهل وابنته المريضة·· لم تنطل الحيلة على أعوان الدرك وسارعوا إلى مقعد القريب وابنته، حيث تمّ الوصول إلى الكهل، صاحب مصدر الجلبة والفوضى بالعربة رقم 4 ولم يتوقّف الكهل عن صراخه بوجه الدركيين بمجرد أن طلبوا منه وثائق الهُوية، وأطلق للسانه العنان بالسبّ والشتم·
كان الغضب يتطاير من الرجل، وقد بدأ يتمايل يمنة ويسرة كأنما فقد وعيه، بينما التزم الدركيون برباطة جأش نادرة ورفضوا الرد على ما اعتبره قائد الفرقة الضابط ''ز'' بـأنه'' استفزاز''·· ويسأل الدركي الثلاثة، وقد بدا على محيّاهم التوتّر، عن سبب وجودهم بمقعد واحد لتنكشف خيوط الحكاية·· تلعثم ثلاثتهم في الرد وادّعى الكهل، وقد بدا كأنما فقد وعيه، أنه ''صهره'' بينما ادّعت البنت، وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، بعد محاصرتها بالأسئلة، بأنه صديق شقيقها ويعمل معها بالمنطقة الصناعية بالسانية، ووافق على السفر معهما إلى مدينة سدراتة بسوق أهراس·· ووقع الثلاثة بالفخ!
كانت تلك بداية الوصول إلى اللغز·· بدأ أحد أعوان الدرك بتفتيش حقيبة الكهل، وهو في الخامسة والستين من عمره، غير أن ملامحه كانت تُوحي بأن سنّه أكثر، وفجأة وبعد فتح ''أكياس'' وسخة كانت تنبعث منها روائح تزكم الأنوف حدثت المفاجأة·· تمّ العثور على ''رجلي القنفذ'' وبخور و''عقاقير'' أخرى، أعطى الانطباع، لأول وهلة، لمن شاهدها بأن الرجل لا يعدو أن يكون·· ساحرا ومن الطراز الأول، وأن ما تمّ العثور عليه كانت أدوات السحر!
لكن السحر انقلب على ساحره·· بمجرّد اكتشاف ''العقاقير'' عاد الكهل، وهو في غير وعيه أو هكذا بدا، بينما ادّعت ابنته بأنه مريض وأنه يحمل دواءه معه حيثما حل وارتحل، إلى هدوئه وخارت قواه وشرع بكشف المستور·· قال وهو يبرّر حمله لأدوات السحر: ''لست رجل شر·· وعمري ما فعلت إلا الخير''· وأبدى أسفه لتعرّضه للتفتيش من قِبل عناصر الدرك، الأمر الذي لم يحدث له، كما قال، طيلة مشواره منذ سنوات عديدة·· قال إنه ظل خلال هذه المدة يتنقّل بين وهران والعاصمة، بباش جراح بالذات، وقسنطينة وسوق أهراس مسقط رأسه قبل أن يتحوّل لاحقا، وبالضبط قبل 36 سنة، إلى وهران حيث أقام فيها وعائلته وأنجب فيها أبناءه·
وبعد أن استرجع أنفاسه مضى في اعترافاته بهدوء: ''لو حبيت نهبّط القمر من عليائه لفعلت·· ولو شئت نخلّي الحمار يتبعك (وهو يخاطب أحد الدركيين) لفعلت أيضا، لكنني رجل مسالم وأحب الخير ولم أكتب في يوم حرزا ضد الناس أو بهدف تمزيق الأُسر''·
كان الرجل بين الحين والآخر يناشد الدركي السماح له بالعودة إلى آخر العربة للجلوس قرب ابنته التي غرقت في بكاء لم يثر شفقة أحد·· وظل يطالب باستعادة وثائق الهُوية، لكن الدركي تعهّد له بأنه سيستعيد جميع وثائقه وأشيائه حين الوصول إلى الجزائر العاصمة·· لكن محطة الشيخ توقّفت في محطة الشلف حيث تم اقتياده، والشابان المهربان ومن هم دون وثائق هوية، إلى فرقة الدرك الوطني لفتح محضر ضدهم·
سألت ضابطا كان يجلس بجانبي: ''ما حكم القانون في هذه القضية؟'' وجاءني رده سريعا: ''أولا ديننا الحنيف يحرّم السحر·· وثانيا، القانون المستمدّ من الشريعة يجرّم السحر ويعتبره جنحة''· و·· في الشلف انقلب السحر على الساحر!!
أعوان الدرك يباشرون المهمّة بشكل طبيعي، وفي أول ''المشوار'' يتم القبض على شابين تبدو عليهما ملامح القلق· يتم تفتيش حقائبهما ليتمّ العثور بها على ملابس وأحذية وأقمشة كانت موجّهة للبيع بسوق الحراش· لدى مواجهتهما بالأسئلة اعترف الشابان أنهما يمارسان هذه التجارة منذ سنوات، وهي ''خبزتهما'' الوحيدة على حد تعبيرهما·· ما لفت انتباه الدركيين أن أحدهما كان يضع خاتما حديديا موجّها أساسا للاعتداء والضرب لإحداث تشوّهات بخصومه، لكن الشاب، مع ذلك، يُصرّ على ''أنه لم يعتد يوما على أحد ولم يدخل يوما السجن''·· ولسوء حظّه وحظّ صديقه فإن البضاعة، وهي 55 زوج حذاء و15 سروال جينز وخمسة أقمشة من نوع لاكوست وغيرها، قد تم حجزها ضمن إطار ''مكافحة التهريب''·
النتيجة المحصّل عليها بدت غير مقنعة وغير مشجّعة رغم أن العملية لا تزال في بداياتها، واستمرت لتُلقي القبض على طول العربات التسعة على عدد من المسافرين ممّن كانوا بغير وثائق هوية·· هذه أيضا لم تكن لتشفع للوحدة القادمة من العاصمة، وكاد اليأس من ''خروج'' المهمة ''صفر اليدين'' يهيمن، لولا أن الأمل لاح من بعيد·· كهلٌ في الستينيات من عمره بدأ بالصراخ بمجرد أن لامسه أحد المسافرين، محدثا فوضى استاء لها المسافرون· في تلك الأثناء كان شاب في العشرين من عمره طيلة الرحلة من وهران إلى مدينة يلل بغليزان يسير جيئة وذهابا كأنما يحاول التخفّي عن أعين الرقابة ·· أوقفه دركي واستفسره عن سر تحركاته فادّعى، وقد بدا متوترا، أنه جاء إلى ''مطعم'' القطار لاقتناء الماء لقريبه الكهل وابنته المريضة·· لم تنطل الحيلة على أعوان الدرك وسارعوا إلى مقعد القريب وابنته، حيث تمّ الوصول إلى الكهل، صاحب مصدر الجلبة والفوضى بالعربة رقم 4 ولم يتوقّف الكهل عن صراخه بوجه الدركيين بمجرد أن طلبوا منه وثائق الهُوية، وأطلق للسانه العنان بالسبّ والشتم·
كان الغضب يتطاير من الرجل، وقد بدأ يتمايل يمنة ويسرة كأنما فقد وعيه، بينما التزم الدركيون برباطة جأش نادرة ورفضوا الرد على ما اعتبره قائد الفرقة الضابط ''ز'' بـأنه'' استفزاز''·· ويسأل الدركي الثلاثة، وقد بدا على محيّاهم التوتّر، عن سبب وجودهم بمقعد واحد لتنكشف خيوط الحكاية·· تلعثم ثلاثتهم في الرد وادّعى الكهل، وقد بدا كأنما فقد وعيه، أنه ''صهره'' بينما ادّعت البنت، وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، بعد محاصرتها بالأسئلة، بأنه صديق شقيقها ويعمل معها بالمنطقة الصناعية بالسانية، ووافق على السفر معهما إلى مدينة سدراتة بسوق أهراس·· ووقع الثلاثة بالفخ!
كانت تلك بداية الوصول إلى اللغز·· بدأ أحد أعوان الدرك بتفتيش حقيبة الكهل، وهو في الخامسة والستين من عمره، غير أن ملامحه كانت تُوحي بأن سنّه أكثر، وفجأة وبعد فتح ''أكياس'' وسخة كانت تنبعث منها روائح تزكم الأنوف حدثت المفاجأة·· تمّ العثور على ''رجلي القنفذ'' وبخور و''عقاقير'' أخرى، أعطى الانطباع، لأول وهلة، لمن شاهدها بأن الرجل لا يعدو أن يكون·· ساحرا ومن الطراز الأول، وأن ما تمّ العثور عليه كانت أدوات السحر!
لكن السحر انقلب على ساحره·· بمجرّد اكتشاف ''العقاقير'' عاد الكهل، وهو في غير وعيه أو هكذا بدا، بينما ادّعت ابنته بأنه مريض وأنه يحمل دواءه معه حيثما حل وارتحل، إلى هدوئه وخارت قواه وشرع بكشف المستور·· قال وهو يبرّر حمله لأدوات السحر: ''لست رجل شر·· وعمري ما فعلت إلا الخير''· وأبدى أسفه لتعرّضه للتفتيش من قِبل عناصر الدرك، الأمر الذي لم يحدث له، كما قال، طيلة مشواره منذ سنوات عديدة·· قال إنه ظل خلال هذه المدة يتنقّل بين وهران والعاصمة، بباش جراح بالذات، وقسنطينة وسوق أهراس مسقط رأسه قبل أن يتحوّل لاحقا، وبالضبط قبل 36 سنة، إلى وهران حيث أقام فيها وعائلته وأنجب فيها أبناءه·
وبعد أن استرجع أنفاسه مضى في اعترافاته بهدوء: ''لو حبيت نهبّط القمر من عليائه لفعلت·· ولو شئت نخلّي الحمار يتبعك (وهو يخاطب أحد الدركيين) لفعلت أيضا، لكنني رجل مسالم وأحب الخير ولم أكتب في يوم حرزا ضد الناس أو بهدف تمزيق الأُسر''·
كان الرجل بين الحين والآخر يناشد الدركي السماح له بالعودة إلى آخر العربة للجلوس قرب ابنته التي غرقت في بكاء لم يثر شفقة أحد·· وظل يطالب باستعادة وثائق الهُوية، لكن الدركي تعهّد له بأنه سيستعيد جميع وثائقه وأشيائه حين الوصول إلى الجزائر العاصمة·· لكن محطة الشيخ توقّفت في محطة الشلف حيث تم اقتياده، والشابان المهربان ومن هم دون وثائق هوية، إلى فرقة الدرك الوطني لفتح محضر ضدهم·
سألت ضابطا كان يجلس بجانبي: ''ما حكم القانون في هذه القضية؟'' وجاءني رده سريعا: ''أولا ديننا الحنيف يحرّم السحر·· وثانيا، القانون المستمدّ من الشريعة يجرّم السحر ويعتبره جنحة''· و·· في الشلف انقلب السحر على الساحر!!