المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأيادي الآثمة للنفوس الخبيثة .....جابر سيد خلف البهبهاني



yasmeen
03-04-2006, 11:55 AM
كتب:جابر سيد خلف البهبهاني


أثناء عودته الى المدينة المنورة بعد حجة الوداع وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم خاطبا بالمسلمين، وفي آخر خطابه سأل المسلمين «أولست اولى بالمؤمنين من انفسهم» رد عليه المسلمون قالوا بلى يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله وسلم «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». بناء على هذا الحديث وعلى غيره من الاحاديث النبوية الشريفة الكثيرة المتواترة وعدة من الآيات القرآنية الكريمة يعتقد اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام ان رسول الله والائمة الاطهار من اهل بيته عليهم السلام اجمعين مقدمين على النفس، وعليه فمن الطبيعي ان يكون وقع النيل منهم وايذاؤهم بالقول والعمل في حياتهم ومماتهم على النفس اشد من تعرض الشخص للاذى.

وهذا ما يفسر سر الغضب الساخن الذي اجتاح ليس فقط العراق بل العالم الاسلامي كله، لأنه حتى من لا يعتقد بولاية ائمة اهل البيت عليهم السلام كما يعتقد بها اتباع مدرستهم فإنه يقدرهم ويجلهم لقرابتهم من رسول الله ولعلو منزلتهم العلمية والروحية ورفعة شأنهم في الامة. والايادي الآثمة للنفوس الخبيثة التي امتدت وفجرت مرقدي الامامين العسكريين عليهما السلام تعلم هذه الحقيقة، واختيارها لهذه العتبات المقدسة لم يكن استعباطيا فهي ارتكبت هذه الجريمة القذرة وقصدت هذه العتبات بعد ان آيست من اشعال نار الحرب الاهلية عن طريق القتل الجماعي بالتفجيرات الانتحارية والتصفيات الجسدية فلجأت وكما ذكرت في المقدمة الى ما هو اشد من إيذاء للنفس وهو التهجم على المقدسات. وهي بداية مرحلة جديدة تنذر بالخطر للعمليات الارهابية التي يقوم بها التحالف البعثي التكفيري، لأنها لو تكررت ونجحت لا سمح الله في مقاصدها يكون من الصعب السيطرة على الغضب الجماهيري.

واتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام يتعاملون مع المرجعية الدينية على انها الامتداد الفكري والفقهي لائمة اهل البيت عليهم السلام، وهم مأمورون من الائمة الاطهار عليهم السلام بتقديرها واحترامها وبأخذ الفتيا منها واتباع توجيهاتها وارشاداتها. والاحداث التي جرت وتجري في العراق جعلت موقع المرجعية في اهل العراق محل القطب من الرحى، أي المحور الذي التف حوله العراقيون. والمرجعية ومنذ غيبة الامام الثاني عشر لأئمة اهل البيت عليهم السلام، وعلى الرغم من الضغوط الامنية والسياسية التي تعرضت لها فإنها مارست دورها في الفتيا وتوجيه وارشاد الامة بكل كفاءة واقتدار برجاحة عقلها ورزانة موقفها، ولم تفلح الضغوط المتعددة والمتنوعة في صدها عن ممارسة هذا الدور ولا في احتوائها تحت عباءة السلطات لتستقوي بها السلطات على باطلها.

والتاريخ سجل تلك المواقف التي اتخذتها المرجعية بالدم وهي كثيرة وموثقة بالكتب، وقد كان لهذه المواقف الاثر الكبير في نيل ثقة الناس والتمسك بهم اكثر فأكثر. ولولا خوفي من الاطالة لبينت الكثير منها، واكتفي في هذا المقام بذكر موقفين، الاول لآية الله العظمى سيد محسن الحكيم رحمه الله عندما استفتاه احد كبار قادة الجيش العراقي عندما عزم عبدالكريم قاسم بالهجوم على الكويت فأفتى السيد الحكيم بالحرمة وعدم الجواز، فانسحب هذا القائد بقواته وكان لهذا الانسحاب اثر كبير في تماسك الجيش العراقي. والثاني هو موقف آية الله العظمى السيد الخوئي رحمه الله من غزو صدام للكويت فلم يجز التعامل بالبضائع والمعدات المجلوبة من الكويت على اعتبار انها مغصوبة، وقد حدثني احد طلبة العلوم الدينية عندما قمت بزيارة لسماحة السيد اثناء الغزو ان احد افراد الجيش العراقي جاء لسماحة السيد وسأله عن جواز استخدام مصباح كهربائي (لمبة) اخذه من احد الوحدات العسكرية فلم يجز السيد ذلك وطلب منه اعادته الى مكانه.

والمرجعية ومنذ سقوط صدام مارست اعلى مراتب ضبط النفس وكبح جماح غضب الانتقام على الرغم من قسوة وفظاعة الانتهاكات التي مارسها النظام البعثي الصدامي عليها وعلى اهل العراق، وهي قادرة على الانتقام ولكنها ابت الا ان يتم القصاص ممّن مارس هذه الانتهاكات فقط دون غيرهم ووفق القانون وبعد محاكمة عادلة. وقد اكدت هذا الموقف في اعقاب الحدث الجلل الذي وقع في سامراء على الرغم من فجاعة الحدث وقساوته على نفوس الموالين والمحبين، فلم تجز عمليات الثأر والانتقام فضلا على التهجم على المساجد والممتلكات الخاصة.
وهو موقف مستوحى من موقف الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عندما ضربه ابن ملجم، فقد اوصى اهله وهو يصارع الموت ويعاني شديد الالم من الضربة وحسب تعبير المؤرخين يضع قدما ويرفع اخرى ان يكون القصاص ضربة بضربة وبأن لا يمثل بالرجل وقال عليه السلام «يا آل عبدالمطلب لا ألفينكم تخوضوا دماء المسلمين تقولون قتل امير المؤمنين».

واما بخصوص المسيرات والتجمعات الاحتجاجية المنظمة والمنضبطة التي دعت اليها المرجعية بعد حادثة سامراء فهي من باب انكار المنكر بالقلب واللسان ولامتصاص الغضب الجماهيري، فليس من المنطق ولا المعقول ان يقع حدث فظيع مثل هذا ويفوت من دون ان تعبر الجماهير الغاضبة عن مشاعرها، الا اذا كان من يطلب هذا بليد الاحساس وبارد المشاعر وعلى رأسه بطحة اعتقادا منه بأنها موجهة ضده. وقد شارك في هذه المسيرات والتجمعات الاحتجاجية عموم الشعب العراقي شيعة وسنة كما هي الحال في بقية العالم الاسلامي وحصل عندنا في الكويت حيث ان الكل ابدى مشاعر الشجب والاستياء والقلق بمختلف المشارب الفكرية والمذهبية، الا القلة القليلة التي لا ترتاح ولا يهدأ لها بال عندما تلتئم الفرقة ويتوحد الصف، فتبدأ ببث خطاباتها التحريضية معتمدة في ذلك على التضخيم والمبالغة في الارقام.

واني لمطمئن انه لا تفوت على المنصف وطالب الحقيقة بأن اغلب عمليات القتل والخراب الذي نال المساجد والممتلكات التي اعقبت حادثة سامراء الفظيعة هي من فعل نفس الايادي الآثمة للنفوس الخبيثة وهي استكمال لتأجيج نار الفتنة. لا كما يحاول البعض ويحلو له ان يوجه اصابع الاتهام للمرجعية انها هي السبب في وقوع هذه الحوادث الثأرية والانتقامية، وهو اتهام ولا يهم ان كان بقصد أو دون قصد ينسجم مع مقاصد التحالف البعثي التفكيري. والاغرب من هذا الاتهام هو التحليل العبقري الذي يعتمد فيه على مصادر امريكية التي كان يتهمها بالتآمر ويطعن بحياديتها ولا يعترف بنزاهتها، فجأة اصبحت هذه المصادر عند هذا البعض ثقة وارقامها مؤكدة لأنها اتت في صالح ما في نفسه. خلاصة هذا التحليل ان وراء كل ما جرى ويجري في العراق من قتل ودمار هم الشيعة لأنهم هم المستفيد، واظن ان اهل القانون سيحتارون في هذا المسألة التي ليست لها سابقة كيف يكون ضحية ومستفيد في آن واحد؟

كنت ومازلت من الداعين الى انه يجب في تفاعلنا مع ما يجري على الساحة السياسية في العراق بألا نقترب منها كثيرا حتى لا يصيبنا الشرر المتطاير منها، باعتبار ان ما يجري فيها هو شأن داخلي وأهل مكة ادرى بشعابها، وكذلك حتى لا نستورد نزاعاتها بالتفاعل كل مع طرف من اطراف هذا النزاع فتصبح الكويت بذلك جزءا من نزاعات الساحة السياسية في العراق وهو ما سيجر الكويت لأمور ليست بممدوحة ولا محمودة، واذا كنا نريد الخير للعراق وألا نكتوي بنيران نزاعات ساحتها السياسية علينا عدم دس انوفنا في تفاصيلها كلاعب اساسي فيها، وبدل هذا والافضل منه هو تحمل الاخ مسؤولياته في انقاذ اخيه الغريق بمد يد العون لانتشاله من الغرق وهذا لا يتأتى بوضع معقد مثل العراق الا بدعم الحالات العامة وترك الخاصة لأهلها.

الحالة العامة في العراق هي رفض الاحتلال ووجوب خروجه من العراق، ولكن كيف ومتى؟ هو أمر متروك للعراقيين انفسهم، وكذلك هو امر لا يمكن المزايدة عليه لا على المستوى العراقي ولا العربي ولا الاسلامي، ومن المؤكد وحسب مجريات الامور ان الحالة العامة في العراق اختارت الخيار الدبلوماسي في طرد قوات الاحتلال من خلال الممارسة الديموقراطية، ويترتب على هذه الحالة عدم الاصغاء الى اصوات النشاز التي تنظر للمقاومة الوطنية الشريفة الوهمية والتي الى الآن لم نعرف لها «لا راس ولا كرياس» ولم نر منها الا الدمار في البنى التحتية وقتل اكثر من عشرين مواطنا عراقيا في عملية تفجيرية عله يصيب فيها جنديا امريكيا بجروح، ولا الانجرار وراء تقييماتها باتهام الجميع بالعمالة لقوات المحتل ما عدا جنابهم الوطني الشريف .

ونقول لهذا النشاز ان العراق ليس محتلا من القوات الامريكية والبريطانية فقط انما محتل من الارهاب الذي عاث في النسل والحرث فسادا اكثر من المحتل الامريكي والبريطاني، وان كنتم غيارى على وطنكم كما تزعمون قاوموا المحتل مع الارهابي على حد سواء «ولابو ابوالمحتل على الارهابي»، ان بيانات الشجب والاستنكار والادانة الخجولة لعمليات الارهاب لم تعد تجدي فهي ضائعة في وسط دوي انفجارات الارهابيين، ما يحتاجه الوضع هو مواقف عملية في التصدي للارهاب مثلما فعلت عشائر الحويجة في شمال العراق.

الحالة العامة الثانية هو البؤس والشقاء والتعاسة التي يعيشها الشعب العراقي على المستويين المادي والمعنوي، فما تبقى من الوضع المادي والمعنوي في العراق بعدما عاناه طوال الخمسة والثلاثين عاما التي مضت في حكم الأوغاد السفلة قضى عليه الارهاب، فكل من ذهب العراق وعاد يقول ان العراق يعيش حالة فقر مدقع، الاف الشهداء خلفت وراءها ملايين الارامل والايتام، مستشفيات ومدارس لا تكفي وغير مؤهلة لاستقبال حتى ثلث شعب العراق، شباب وشابات يسرحون في الشوارع دون علم ولا عمل، بلد توقفت فيه التنمية والاعمار منذ ما يقارب العشرين عاما مقابل خزانة مدينة، الا يستوجب هذا منا النهوض والمبادرة في المساهمة في رفع شيء من هذه المعاناة، ولابد هنا ان نشيد بالموقف الرسمي في هذا الجانب فهو اسرع واكثر تجاوبا من الموقف الشعبي، وما المبادرة الاميرية التي امر بها سمو الامير الشيخ صباح الاحمد والتي خصصت مبلغ عشرة ملايين دولار لتعمير مرقد الامامين العسكريين والمساجد التي نالها الخراب الا رسالة اخاء ومواساة للشعب العراقي في محنته سبقتها الكثير من الرسائل والتي وقعها المعنوي على نفس الشعب العراقي اكبر بكثير من الوقع المادي في زمن عز فيه الناصر وقلة المعين وعلا فيه صوت الحاقد وشمت الحاسد.

www.alwalaa.com

تاريخ النشر: السبت 4/3/2006