المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق يدخل الملاحم والفتن



مجاهدون
09-08-2003, 10:15 AM
صافي ناز كاظم - الشرق الأوسط

الإمام الشهيد علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، صاحب المقولة الخالدة: «نعم الحارس الأجل»، أطلقها حين نصحوه باتخاذ حارس يحميه من الخوارج، وعند عتبة مسجده في النجف الأشرف، نال حفيده السيد آية الله محمد باقر الحكيم شرف الشهادة، بعد صلاته الجمعة في غرة رجب الشهر الحرام، وقد تتوج مشوار جهاده النبيل بنهاية تليق بعالم جليل تؤهله للحاق بركب علماء أجلاء آخرين، من اسرته، سبقوه على درب الاستشهاد، لم يتخذوا حراسا لأن «نعم الحارس الأجل» صحيحة مائة بالمائة.

لكن، من هذا الذي أحل سفك الدماء في الشهر الحرام؟
علت الصيحات: انهم الاميركان الذين من واجبهم حفظ أمن العراق!
وانني والله لأجد الغرابة في هذه الصيحات. لقد تم التنديد الكافي كل مرة، بعد كل حادثة بتقاعس الاميركان في حفظ الأمن، ولنفترض ان هذا صحيح، زين! يبقى التساؤل: فأين أنتم إذن يا أهل العراق وقد عرفتم أن ما حك جلدك مثل ظفرك، أين جهدكم لحماية أنفسكم بأنفسكم؟ هل منعكم أحد من تشكيل فوري من متطوعين للدفاع المدني يهبون للحماية والحراسة ومراقبة الأوغاد؟

منذ أيام سبقت التفجير الذي أودى بالإمام محمد باقر الحكيم والشهداء الذين قتلوا معه، كانت هناك محاولة لاغتيال العالم سعيد الحكيم نجحت في قتل مرافقيه، فكيف لم تشرئب الأعناق وترهف الرقابة في حرص لتمنع الاحتمالات المماثلة؟ كيف يتم السماح لسيارات مجهولة لتقف وتأخذ فرصتها عند بوابات مسجد يؤمه الكثيرون من اعداء بائع العراق المخفي المتخفي صدام حسين؟

لا مصلحة لأحد في قتل آية الله الحكيم سوى صدام حسين، قاتل السابقين من آل الحكيم ومن آل الصدر واخوانهم وأتباعهم وغيرهم من أقمار العلم الاسلامي من كل المذاهب، (لدي منذ سنوات سجل ضخم من مجلدين عنوانه «جرائم صدام» يزخر بالشهداء العلماء والمجاهدين الذين قتلهم صدام حسين، من شمال العراق الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، فجرائم صدام، والشهادة لله، تميزت بالعدالة في الظلم، ولم تفرق بين المذاهب ولا الأعراق، فقد رأت أهل العراق أمة واحدة تستحق ضربات رسالة صدام الخالدة في متاحف السفاحين).

نعم لا غرابة في ان يحاول صدام حسين ـ وهو يحمل على كتفه زكيبة الدولارات المسروقة من مخازن الدولة ـ دفع أتباعه والمأجورين لقتل آية الله محمد باقر الحكيم، الذي أعلن من منفاه في ايران، ومن موقعه في قيادة المجلس الأعلى للثورة الاسلامية بالعراق، على مدى 23 سنة، مقاومته السافرة للطغيان الصدامي.
لا أحد يملك كل هذه القدرة على التخريب والاضرار سوى الهياكل المنحلة من عصابة النظام الصدامي التي ساهم الغباء الاميركي في إثارتها واستفزازها، حين قرر بحماقة لا مثيل لها، تسريح الجيش العراقي وطرد كل من انتمى الى حزب البعث من وظيفته بخراب بيت مستعجل، لا بد أن تكون من بعض نتائجه ان يندفع اليائس المطرود والمخروب بيته الى كل وسيلة يراها انقاذا أو ثأرا.

المعروف ان معظم من انتمى الى حزب البعث كان مجبرا لأسباب مختلفة وبطرق شتى. كانت الطرقات مسدودة أمام كل مواطن لا ينتمي الى البعث: الطالب النابه لا يمكنه مواصلة الدراسة العليا والترشيح للبعثات والعودة لمناصب التدريس والعمل بالجامعات والمراكز الثقافية والاعلامية والعلمية الا بالانتماء للحزب، وعلى هذا المنوال يمكنك القياس من أول بائع الكباب والشلغم المسلوق المنقوع في الدبس، وبائع الصحف وما هو أدنى، حتى أعلى المناصب، مرورا بحقك في ركوب حافلة (المصلحة) والتمتع بأي حق من حقوق شهيق وزفير المواطنة (تماما وأكثر مثلما كان الحال في العهد الناصري بمصر، حين كان الانتماء للاتحاد الاشتراكي فرض عين على كل مواطن ومواطنة من المهد الى اللحد.

وأذكر حين أراد العهد الساداتي فصلي، وآخرين من مؤسساتنا الصحافية، بدأ الأمر بقرار فصلنا من الاتحاد الاشتراكي ـ كان الاشتراك فيه بقرشين صاغ يدفعان إجباريا ـ واستتبع ذلك قرار آخر بالفصل من نقابة الصحافيين تلقائيا، لأن النقابة كانت تشترط لعضويتها عضوية الاتحاد الاشتراكي، واستتبع الفصل من النقابة الفصل من المؤسسات الصحافية التي تشترط عضوية نقابة الصحافيين، وهكذا كانت لعبة الحصار اللئيمة لقطع العيش والمنع من العمل والقتل المعنوي التام).

مع حزب البعث الصدامي كان الحصار أشد وطأة من سائر النظم الاستبدادية التي عرفناها أو سمعنا عنها، كان الحصار محكما غاية الاحكام حتى الخنق ـ مجازا وحقيقة ـ ولذلك حين هرب بائع العراق صدام خاذلا الوطن والحزب والعشيرة والأعوان، كان يجب أن تنطلق حكمة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» لتطمئن العراقي من كل حدب وصوب على أنه لن يسدد عن السفاح الغرامات، ولن يحمل العقوبات بديلا عن المجرمين الأصليين، وعندها كنا سنرى البجع المسحور الموروط في قمقم الساحر الشرير وقد عادت اليه انسانيته خارجة من محبس السراديب البعثية الصدامية، وكنا سنرى الأيدي التي كانت لصيقة بالحكم والمناصب هي أول من يرشد الى فاعلي الجرائم والخرائب والحرائق، وكنا سنراهم هم الذين سيأتون ببائع العراق مكبلا في قفص الوحوش المسعورة مجلوبا للمحاكمة على رؤوس الاشهاد لتشنقه جرائمه وتطعنه مخازيه.

ولكن لأن «الحماقة أعيت من يداويها» واصل الاميركيون حصار الذين حاصرهم صدام من قبل، فلم يكن أمامهم سوى ما نراه من آثارهم من أفعال، «مقاومة» للدفاع عن «ذواتهم» تحت شعار «أنا وبعدي الطوفان» و«بعد رأسي ما طلعت شمس!».
وهكذا يدخل العراق مرحلته الحديثة من «الملاحم والفتن!».