المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سنوات الرماد في تلعفر وفي العراق المضطرب



yasmeen
03-01-2006, 09:31 AM
عن توليف الابنة المتدربة في أفلام أبيها ... سنوات أخرى للرماد في العراق المضطرب

دمشق – فجر يعقوب

الحياة - 17/02/06//

يذهب المخرج العراقي المقيم في الدنمارك محمد توفيق الى «سنوات الرماد» في تلعفر، المدينة التي خرج منها ذات يوم الى المنفى.

وهو عندما يعود الى هناك ليصور فيلمه انما يستدعي الذكريات التي وقعت في المستقبل، أو هي، كما في فيلمه، تلك الذكريات التي تسابقت مع طفولته بنوع من الإصرار نحو وجهة واحدة... تكاد تكون المنفى فقط، إذ لا يعود هناك صدى لهذه الطفولة، فهي لا تعود تعوزه أبداًَ في منفاه الاختياري، والآن قد اصبح منفى متعدد الأصوات، فكأنه مسافر غير مقيم فيه يبحث عن صوته هو، فلا يجده أبداً.

يهدي محمد توفيق فيلمه الى زوجته الفلسطينية التي قضت بالسرطان قبل عامين وتركت له ابنة أو «مونتيرة» متدربة الآن بعدما كانت هي حتى وفاتها مونتيرة أفلامه كلها. ها هنا تتدرب في أفلام أبيها وتبرع في إبداع الإيقاع الخاص بـ «سنوات الرماد».

يروي الفيلم حكاية ذلك الضابط العراقي الذي تخرّج في الكلية العسكرية وشارك في الحرب العراقية - الإيرانية، ثم ذهب في إجازة ولم يعد. اختفى في سقيفة ومرض وتـألم وعالجه شقـيقه الطبيب بعدما كاد يحتضر. وبحث عنه جنود صدام ولم يجدوا له أثراً. تمكن من جمع سنواته الهاربة (وكأنه ضمها الى صوته الذي يروي حكايته في الفيلم) في لحظة، هي اللحظة الأكثر نجاحاً في حياته، لأنه وجد من يصور مأساته وسكوته وهو يصنـع (مخبأ مجـازياً) في سقيفة بيت، لأن أحداً لم يقل له إن الحرب قد انتهت... اعتقد ان الطاغية لا يزال موجوداً، ورجاله يدبون على الأرض.

هنا يجيء مونتاج الابنة المتدربة ليعيد تركيب حكاية ذلك الضابط الوسيم بالسحنة المتوردة والعينين الزرقاوين، وإن أطل علينا وهو يمارس رياضة الهرولة، كأنه هرب للتو من ثكنته، أو ليعيد علينا رواية الحكاية من أولها... أي من تلك اللحظات القاسية التي نزل خلالها ليمارس رياضة تمنع تصلب ظهره في السقيفة الاجبارية، وتمنع انطفاء ذكرياته إن استدعاها لحظة جلاء السنوات الرمادية التي صنعها الطاغية له ولنفسه. أفلم يخبرنا انه سيذهب هو أيضاً للاختباء في حفرة يوم لم يخبره وزير إعلامه (الظريف) بأن الحرب انتهت منذ زمن بعيد، وأن في وسعه أن يمارس الرياضة، أي رياضة، ذلك ان ابنة متدربة له اسمها رغد تستعد لإطلاق فضائية باسم قيثارة... تعيد فيها توليف الحكاية كلها... تماماً كما في «سنوات الرماد» التي لا يراد لها ان تنتهي في العراق!